رعد العراقي
ما زال البعض يمارس هواية القفز على حقائق ثابتة تأخذ من النسيج العراقي الوطني لوحة متماسكة الألوان يربط في ما بينها خيط أحمر يُعبِّر عن وحدة الدم والانتماء الأزلي لهذه الأرض الغالية.
من هذا المفهوم يمكن أن يجتمع كل من كانت له مساحة صغرت أم كبرت في هذا الوصف تحت مسمّى واحد لا غير ألا وهو أنه (عراقي).
ما يحدث الآن في الوسط الكروي أن هناك من يرسّخ لمبدأ تعدّد الأوصاف والمسمّيات من دون أن يدرك حجم تأثيرها وما يترتّب عليها من أخطاء وردود فعل نفسيّة قد تصل إلى خلق نهج جديد في تصنيف اللاعبين العراقيين من حيث التسليم مُقدّماً بمستواهم بين محلّي ومحترف مقيم ومغترب وربّما نسمع في قادم الأيام بالمهاجرين والمهجّرين!
من يتساءَل عن سبب توجّسنا في رواج مثل هذه المصطلحات ما عليه إلا أن يتعمّق في انعكاساتها سواء في الوسط الكروي أو حتى بين الجماهير التي بدأت تميل وتتأثّر بتلك التسميات لتجد نفسها أمام واقع مفروض جعل من كلمة (مُغترِب) امتيازاً يمنح اللاعب مرتبة عالية بغضّ النظر عن حقيقة مستواه الفني بينما بقية التصنيفات تتراجع وبقوّة في مخيلته وحسّه الإدراكي.
ولم تتوقّف تلك التأثيرات عند هذا الحدّ، بل ظهرت أصوات من هنا وهناك تتسابق نحو المطالبة ببراءة اختراع تسجّل لهم كانجاز في اكتشاف اللاعبين المُقيمين خارج البلاد وما يتبعه من استحقاقات ذاتيّة بين تصدّر المشهد الكروي وسلطة التأثير المستند إلى التحشيد الجماهير المتأثر بالحملات الدعائية المُبالغ بها على توجّهات الاتحاد أو مدربي المنتخبات الوطنية الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام منعطف خطير يتمثّل بمسايرة رغبات المطالبين بـ (منتخب المغتربين) وتفضيل لاعبي الخارج على الداخل ليكون دليلاً على إمكانيّاتهم التدريبية والوطنية!
لهذا أصبحت ألقاب المدرب الجريء والعبقري هي من نصيب كل من يتسابق على دعوة أكبر عدد مما يطلق عليهم (المغتربين) بينما من يركن إلى فلسفة الاختيار للأصلح بغضّ النظر عن المسمّيات فتراه يواجه حملة شرسة ترمي به إلى خانة الفشل والإقالة!
لسنا ضد استقطاب أي لاعب طالما أنه يحمل بين جوانحه هوية الانتماء لهذا الوطن ويمتلك من الموهبة والإمكانيات ما تؤهله لتمثيل المنتخبات بكل مراحلها العمرية شرط أن نبتعد عن التصنيف الوصفي والمكاني ونتجه نحو خطاب واحد لا يميّز بين لاعب وآخر ولا يضع حواجز وهميّة تأخذنا إلى المقارنة الشكلية التي تمنح الأفضلية للبعض وتهمل الآخرين.
على ذلك لابد أن يخرج الاتحاد من حالات الإخفاق المستمر بعد أن تعامل مع هذا الملف بنوع من المزاجيّة والاتكاليّة وفي بعض الأحيان اتجه نحو استغلاله في كسب ودّ الجماهير كحلّ سحري لمشاكله المتكرّرة على حساب ترسيخ مبادىء المواطنة الواحدة للجميع على حدّ سواء من دون السماح بفرض التصنيفات التي لا تجلب غير التمييز والتفرقة فكريّاً وعمليّاً.
إن تفعيل اللجنة الخاصّة بالبحث عن المواهب والطاقات المتميّزة سواء لمن في الداخل أو الخارج وحصر الإجراءات الخاصّة بالاختيار والإقرار على استدعائها للمنتخبات الوطنيّة بينها وبين الملاك الفني بعيداً عن العشوائيّة وتعدّد المتطوّعين والمدّعين بحقوق التصرّف والتجوال بين دول العالم! وكأننا بلا اتحاد متخصّص ومُنتَخَبْ لإدارة شؤون الكرة يمتلك القرار والرأي، وهو الوحيد من لهُ الحقّ بتنظيم أموره ويبعد أيّة تدخّلات فرديّة تطيح باستقلاليته وتسلب منه هيبة القيادة عندها سيجد نفسه يوماً أمام واقع حال يتزايد فيه المتفضّلون عليه في خطّة (المغتربين) بينما يدفع اللاعب المحلّي للاغتراب والهجرة عسى أن يضمن له في المستقبل مكاناً في المنتخب الوطني.