TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لقاء مع الشاعر فوزي كريم

لقاء مع الشاعر فوزي كريم

نشر في: 19 نوفمبر, 2012: 08:00 م

مرة أخرى التقى الشاعر فوزي كريم ولكن على صفحات (المدى) الغراء، وذلك مع (هيدا غابلر) مسرحية (هنريك ابسن) الشهيرة، حيث شاهدها في احد مسارح لندن، أنا شاهدتها في احد مسارح باريس عام 1963، وأنا في طريقي إلى بغداد بعد أن أنهيت دراستي في الأكاديمية الملكية لفنون الدراما وقبل ذلك بأيام شاهدت المسرحية نفسها على شاشة تلفزيون (بي بي سي)، وشاهدها (فوزي) فيلماً سينمائياً غير ملون وبإخراجها المسرحي، وهو يقصد تلك النسخة التي ظهرت على شاشة التلفزيون كما اعتقد وكانت الممثلة السويدية الجذابة (انغريد برغمان) تمثل دور (هيدا).
في التلفزيون البريطاني مثلت (انغريد) الدور باللغة الانكليزية وفي المسرح الفرنسي مثلته باللغة الفرنسية بالبراعة حيث ظل أداؤها الدقيق والجذاب على مستواه العالي في كلتا الحالتين ذلك لأنها عاشت شخصية (هيدا) بكل صفاتها ومشاعرها وأفكارها، وكان الإخراج المسرحي في كلتا الحالتين واقعياً بل كاد يقترب من الطبيعة في النسخة الفرنسية، خصوصاً بما يخص البيئة المسرحية- منزل (هيدا غابلر) بكل صفاته النرويجية المحلية، جدرانه السميكة وشبابيكه المغطاة بالستائر الثخينة، وبالمدفأة التي يشتعل فيها الفحم فيها فيخرج منه طيب احمر مائل للاصفرار وبأثاثه القديم الثقيل، بينما في عرض التلفزيون البريطاني كانت البيئة اكثر حداثة واكثر تجميلاً وأكثر اصطناعاً.
وهكذا شاهدنا عوامل الإيهام مطبقة في كل العرضين وتلك إحدى صفات المدرسة الواقعية في الفن المسرحي كيف لا وكان (ابسن) في طليعة تلك المدرسة بل ومؤسسها برأي الكثيرين من الدارسين.
ومن الجدير بالذكر أن مسرحيات ابسن كانت محرمة على مسرح البوليفار الفرنسي حيث كانت الرقابة تعتقد أنها خرقت الأعراف الاجتماعية والتقاليد الفرنسية الرومانتيكية، ولم تجد تلك المسرحية طريقها إلى الجمهور إلا بواسطة المخرج الشهير (اندريه انطوان) صاحب فرقة المسرح الحر الذي استطاع أن يفلت من قيود الرقابة بتأسيسه فرقة خاصة تجتذب جمهوراً محدداً من المتذوقين وكان (انطوان) في إخراجه المسرحي يحاول تطبيق مبدأ الإيهام بالواقع في جميع عناصر الإنتاج –التمثيل والأزياء والمناظر والملحقات والإضاءة.
بعد أن كان المسرح يتعرض لشخوص وعلاقات ومشاكل وبيئات لا يشهدها المرء في حياته اليومية، ربما يقرأ عنها في الروايات وفي الملاحم وفي الأساطير، أنها تتعلق بحياة الآلهة والملوك والأمراء والقادة، وعندما حلت الواقعة تناول المسرح شخوصاً واحداثاً قد يكون الجمهور شاهدوها وراحت المسرحيات الواقعية ومنها مسرحيات (ابسن) النرويجي تكشف عن مشاكل عائلية او مشاكل اجتماعية اخرى، وقعت فعلاً او قد تقع، وفي الغالب مشاكل الطبقة البورجوازية التي ينتمي اليها كتاب المسرحية ومسرحية (هيدا غابلر) نموذج مسرحي يجمع بين الفعل الحقيقي والرمز المتخيل فهي تتحدث عن فشل الحياة بين زوجين غير متكافئين في الانحدار الطبقي وفي الخلفية الثقافية ومتباعدين في الاهتمامات وفيها يتحكم شخص ميت في شخصيات المسرحية الحية وهو (الجنرال) والد (هيدا) الذي يدفعها للزواج من الأكاديمية (تيسمان) حيث أنها لا تحبه لضعف شخصيته وتثور عليه ثورة رومانسية ولكن بعصبية لم تظهرها (انغريد بيرغمان) بل كبتتها داخل نفسها بعكس الممثلة الجديدة (داريل دي سيلفا) التي مثلت الدور في مسرح (اولدنيك) ابسن على حد تعبير شوقي كريم.
ليلاحظ القارئ الكريم أن المسرح في البلاد المتقدمة يظل على إحياء المسرحية القديمة كلاسيكية كانت أم رومانتيكية أم واقعية، فهو ما زال يقدم سوفوكل وارستوفاينس الإغريقيين، راسين وكورني الفرنسيين وشبله وغوته الألمانيين وشكسبير ومارلو الانكليزيين وكوتسي وبيرانديللو الايطاليين وجيكوف وتولستوي الروسيين، والقائمة تطول ولا تقتصر عروض مسارحهم على ما هو جديد كما نفعل نحن لأننا نخشى ان يقال عنها تقليديين إذا ما قدمنا إحدى روائع أولئك او إحدى كتابات يوسف العاني وعادل كاظم وخالد الشواف وصفاء مصطفى ويحيى قاف، إننا للأسف لا نعتز بثرائنا المسرحي كما يفعل الآخرون الأكثر تقدما منا إذ عندهم لا فرق بين مسرح ما قبل الحداثة ومسرح الحداثة ومسرح ما بعد الحداثة فكل ما فيها له قيمة فكرية وفنية عندهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram