علي حسين
لعل الكثير من قراء هذه الزاوية، لم يذهبوا يوماً إلى فيتنام، لكن معظمهم بالتأكيد يحفظ الكثير عن صلابة شعب هذه البلاد، ويعرف اسم قادتها بدءاً من هوشي منه وليس انتهاء بالجنرال جياب، وبالتاكيد هناك من ردد ذات يوم مع الراحل عريان السيد خلف قصيدته الشهيرة
هلبت.. مات
" جيــــفاره.. ؟"
اوهلبت.. " هوشي منه "
انكَطعت اخباره ..؟
ما تزال سيرة هوشي منه تسحر الأعداء قبل الأصدقاء، وما يزال الفيتناميون مغرمين بحكايات ومواقف زعيمهم، الذي ترك لبلاده سيرة نضالية ومعها ساعة قديمة ونظّارتان كانت كل ما يملكه، فقد كان يقول للذين يسألونه عن حالة التقشف التي يحيط بها نفسه، حتى بعد أن وقفت الحرب وأصبح زعيماً للبلاد: "الزعامة ليست في حاجة إلى المال، إنها بحاجة أكثر إلى عقل يفكر جيداً."
وأرجوك ألا تقارن بين ما قاله هذا الرجل النحيل، الذي ترك بلداً يتقدم اليوم بخطوات ثابتة إلى عالم الرفاهية، وبين ما نهَبه اليوم رجال الزعامة في العراق، إذ دخل النهب للمال العام في أبشع أشكاله إلى العراق، وهي جريمة لا استثناء فيها لأحد حتى من يسمون أنفسهم "التكنوقراط"، وجميع من جلسوا على كرسي الوزارة أو تحت قبّة البرلمان.
في كتابه " قصة موجزة عن المستقبل" يروي المفكر الفرنسي جاك أتالي حكايات السنين المقبلة، والمستقبل الذي ينتظر بلداناً مثل الصين والهند والبرازيل وفيتنام. يقول أتالي: "هناك دول اختارت أن تحجز لها مكاناً في الصفوف الأولى من عربة المستقبل"... فيما تقول احوالنا اننا اخترنا أن نتحول إلى بلاد الى طوائف واحزاب .
خاضت فيتنام حرباً شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، فيما تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية وعلاقات متميزة حتى مع الدول التي شنت حروباً عليها، وعادت سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع، كان هوشي منه ينبه قادة الجيش أن "الدفاع عن البلاد ليست منّة يتحملها الشعب، فالتاريخ لا يصنعه شخص واحد."
بالأمس قرأت خبراً مثيراً من بلاد العم هوشي منه يقول إن الرئيس الفيتنامي نجوين شوان فوك، قدم استقالته من منصبه، وسيتوقف عن العمل كعضو فى المكتب السياسي، بناءً على طلبه الشخصي.
وقالت الصحف الفيتنامية إن فوك كان زعيماً استطاع أن يقوم بالكثير من المهام الجيدة منها إدارته لجهود مكافحة الفساد والسيطرة على جائحة كورونا . لكن هذا الرئيس يتحمل اليوم مسؤولية فساد بعض الوزراء ولهذا كان عليه أن يقدم استقالته من الوظيفة والحزب.
لو كنت مواطناً بأي بلد آخر في العالم، وأصغيت إلى مثل هذا الخبر، لفكرت بعدها بالانتحار. لكن العراقي يسمع الأخبار ويذهب إلى النوم مطمئناً.