اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لماذا نحن بحاجة إلى اقتصاد معرفي وتعليم عالي دولي؟

لماذا نحن بحاجة إلى اقتصاد معرفي وتعليم عالي دولي؟

نشر في: 21 يناير, 2023: 09:03 م

محمد الربيعي

مقدمة

تراجعت الصناعة والزراعة والصحة والتعليم في العراق في الوقت الذي بدأت الدول النامية اللحاق بالدول المتقدمة عالميا في طريق الثورة الصناعية الرابعة، واذا لم يتم اتخاذ اية اجراءات استثنائية لتلافي هذا التراجع العلمي والتكنولوجي ولم نتدارك اخطار تدهور البيئة وضمور النمو الاقتصادي الان فلن يكون التقدم صعباً فحسب، بل سيكون مستحيلاً.

التحديات التي تواجه العراق

ولمواجهة تحديات الثورة الصناعية الرابعة سيتوجب على العراق الايمان بأن ثروة الأمم تعتمد بالدرجة الأولى على تقدم البحث العلمي فيها، وعلى العقول المبدعة التي تعمل فيه، ولا تتوقف على الموارد الطبيعية، أو ألارصدة المكدسة في البنوك.

لذلك لم يبق أمامه إلا أن يحاول النفاذ إلى تلك المنظومة العلمية العالمية من خلال التعاون البحثي أو المساعدة التقنية. ان احد اهم تلك الوسائل يكمن في دخول عملية بولونيا والذي كان احد اهم ما اقدمت الوزارة على تحقيقه في عهدها الجديد. كان هدف عملية بولونيا هو تعزيز ضمان الجودة وتسهيل الاعتراف بالمؤهلات وفترات الدراسة بين جامعات الدول المشاركة. وكان هذا ضروريا بسبب ان أنظمة التعليم والتدريب المختلفة في أوروبا جعلت من الصعب على الأوروبيين استخدام المؤهلات من بلد واحد لتقديم طلب للحصول على وظيفة أو دراسة في بلد آخر فكان من الضروري زيادة التوافق بين أنظمة التعليم لتسهيل الطلاب والباحثين عن العمل للانتقال داخل أوروبا. وساعدت في نفس الوقت، إصلاحات بولونيا على جعل الجامعات والكليات الأوروبية أكثر قدرة على المنافسة مع بقية الجامعات العالمية. كذلك دعمت عملية بولونيا تحديث أنظمة التعليم والتدريب للتأكد من تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة (محمد الربيعي، عملية بولونيا، 2018).

الاقتصاد القائم على المعرفة

وفقًا لشركة McKinsey Global، بحلول عام 2025، ستبلغ قيمة التقنيات الجديدة والناشئة مئة تريليون دولار. هناك ما يقرب من اثنتي عشرة تقنية يمكن أن تدر 33 تريليون دولار من العائدات السنوية.

تشمل هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأفكار، والحوسبة السحابية، والروبوتات المتقدمة،وأتمتة المعرفة، والمركبات المستقلة، والمواد المتقدمة، وعلم الجينوم من الجيل التالي، وأنظمة تخزين الطاقة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والطاقة المتجددة، واستكشاف النفط والغاز.

إن توجه الدولة ووزارة التعليم العالي بالخصوص لإنشاء اقتصاد قائم على المعرفة وقيادتهما لهذا المشروع هو مطلب مهم للغاية يمكن أن يساعد العراق على دخول حقبة جديدة.

تشمل المجالات ذات الأولوية التي يجب اعتمادها كاولوية للتحول الى اقتصاد معرفة ذات خصائص عراقية: الزراعة المتقدمة، والتكنولوجيا الحيوية الصناعية، وتكنولوجيا المعلومات الناشئة، وتطوير المعادن والتعلم المختلط (كورسات عالية الجودة على كافة المستويات جنبا إلى جنب مع الكورسات التقليدية).

وسيتطلب التحول الى اقتصاد المعرفة امتلاك خريجي التعليم العالي الى اتقان المهارات التي يتطلبها سوق العمل. يسرد تقرير مؤتمر دبلن (2012 EAIE) المهارات الأساسية التالية التي تم تطويرها من خلال التنقل الدولي والمهارات الأساسية المطلوبة من أصحاب العمل:

الوعي الذاتي، المبادرة والمشاريع، الرغبة في التعلم، التخطيط والتنظيم، النزاهة، الالتزام والدافع، حل المشاكل، المرونة، الإدارة الذاتية، العمل بروح الفريق الواحد، مهارات التواصل، لغات اجنبية، التشبيك، القيادة، خدمة الزبائن، مهارات التعامل مع الآخرين، مهارات التعامل مع الثقافات الاخرى، الثقة بالنفس، إِبداع، القدرة على التكيف، الطلاقة والدقة، الملاحظة غير المنحازة، التفكير النقدي، التكيف.

دور التعليم الدولي

يلعب التعليم الدولي والانفتاح على الخارج دورا مهما في بناء الشخصية الحضارية وما يرافق ذلك من وعي ومعرفة وتخطيط. لقد ثبت على نطاق واسع أن الطلاب الحاصلين على تعليم دولي يمتلكون ثقة عالية وآفاق فكرية واسعة، وقدرة كبيرة على تقدير وجهات النظر الأخرى التي قد تأتي في طريقهم في حياتهم المهنية. لهذا السبب، يُظهر هؤلاء الطلاب مهارات أكثر دقة في صنع القرار وحل المشكلات - مهارات أساسية ذات صلة بجميع مجالات العمل (راجع V R Yeravdekar & G Tiwari, 2014)).

العراق دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 42 مليون نسمة، وليس لها صادرات تذكر غير مواردها الطبيعية. وبالمقارنة، فإن سنغافورة الصغيرة، التي ليس لديها موارد طبيعية ويبلغ عدد سكانها 5.5 مليون فقط، تصدر 330 مليار دولار أمريكي. السر يكمن في قوة النظام التربوي والتعليمي حيث تحتل سنغافورة منذ سنوات، أعلى المراتب في السلالم الدولية التي تقيس قدرة الطلاب في القراءة والرياضيات والعلوم (محمد الربيعي، سنغافورة صرح كبير للعلم والتعليم، 2014).

بني النظام التربوي السنغافوري على ضروريات توفير الاستقرار والرفاهية لبلد متعدد الأعراق من خلال تنفيذ سياسات تسمى "سياسات البقاء"، هدفها تحقيق تماسك اجتماعي بين المواطنين ومنحهم فرص عمل وسكن صالح وتعليم كفء، وصحة وافرة، وفيها يرتبط التعليم إلى درجة عالية بالتدريب وبحاجة السوق، وتعطى أولوية إلى النمو الاقتصادي وتكوين مؤسسات إنتاجية جديدة وبناء رأس المال البشري قبل توزيع الموارد، ولكي تتم المحافظة على انتعاش الاقتصاد كان لابد له ان يكون مبنيا بالضرورة على التنافسية حتى في التعليم المدرسي والجامعي (المصدر السابق).

إن الركود او التراجع في الانتاج الصناعي والزراعي العراقي يظهر بوضوح الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة. إنها لحقيقة محزنة أن كل الادعاءات التي أطلقها القادة السياسيون من أجل القضاء على الفساد وبناء الاسس للتطور الاقتصادي ظلت بلا أساس.

اهمية التعليم والعلوم والتكنولوجيا

العنصر الأساسي للنمو هو تقوية دعائم التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، لكنها كانت دائما وعن عمد تعطى أدنى أولوية بحيث تمكن الفاسدين من الحفاظ على سيطرتهم القوية وهيمنة الاستيراد بدلاً من الاعتماد على الانتاج المحلي.

هناك اليوم اهمية كبيرة وحاجة ملحة في تحقيق الاتي:

اولا: استغلال القوة الكامنة في الكفاءات المتميزة والعقول الشابة المقبلة عليه.

وثانيا: تحقيق زيادة هائلة في تمويل البحث والابتكار.

وثالثا: تشجيع التواصل الكافي مع مراكز البحث المتطورة في الدول المتقدمة.

ورابعا: وضع حد لحالة الانفصال شبه الكامل بين البحث العلمي وبين قطاعات الخدمات والإنتاج في المجتمع.

وخامسا: القضاء على البيروقراطية الإدارية التي تغلب على نشاط البحث والابتكار.

دور الجامعة في التنمية

لا يختلف اثنان على إعتبار التعليم عنصراً هاما من عناصر التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة التعليم الجامعي. ولقد حققت الجامعات الحكومية نجاحا كبيرا في السنوات الأولى من إنشائها حيث كانت هيئات التدريس ذات كفاءة عالية، وكان التركيز على الجودة وليس الكم. وبينما نجد النمو الكمي في السنوات الاخيرة يحدث بوتائر سريعة، لا يرافق ذلك نمو في جانب النوعية وجودة التعليم. وبسبب عدم وجود بنية تحتية مناسبة من حيث هيئة التدريس والمكتبات والمعدات والمختبرات وتكنولوجيا المعلومات، فإن الجودة في التعليم العالي تواجه العديد من العقبات.

هناك اتجاه خطير للغاية مناهض للتطور تسببه بعض الاستراتيجيات المزمنة للوزارة وهو إهمال اهمية العلاقة بين أبحاث الدراسات العليا والاقتصاد الوطني، واهمال اهمية توفر الأموال التي تنفق على تعزيز برامج البحث.

وقد خلق ذلك موقفا مؤلما للباحثين وحتى للمسؤولين داخل الوزارة وفي الجامعات، ترك بسببه العديد من الباحثين المسرح العلمي في حالة من الإحباط، وزاد من الافتراس والسرقات العلمية والشهادات المزورة. بالحقيقة جعل ذلك أعداء العراق سعداء للغاية.

من المحزن أنه تم إنشاء جامعات اهلية وحكومية دون المستوى بالرغم من أنوفنا. الجامعات ليست مجرد بنايات. تمثل الجامعة هيئة تدريس من الدرجة الأولى تتمتع ببيئة بحثية ممتازة وبجهود متميزة لخدمة المجتمع تتعدى مجرد توفير كوادر علمية وتقنية.

تحتاج الوزارة إلى رؤية جديدة بشأن إنشاء جامعات جديدة تتضمن العمل على ادماج الكليات الاهلية الصغيرة والمتجاورة ووضع شروط اكثر رصانة وصرامة لانشائها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. Anonymous

    المقال رائع: يشخص ويعطي الحلول. مهم جدا أن نبدأ الآن فالفجوة تكبر كما ذكر بروفيسور محمد. أشك في من بيدهم القرار في العراق يفهموا هذا الطرح وإلا لما وصلنا لما نحن فيه. السؤال هو كيف نحقق تقدم بوجود الظروف الحالية؟ أرجوا أن اسمع اقتراحات. فارس المياح

  2. د. عبد الجليل حسن

    شكرا بروفسور على هذه المقالة التي تعكس الدور المركزي في معالجة الفجوة مابين التعليم العالي والتنمية الاقتصادية وتطوير البحث العلمي بما يخدم اقتصاد البلد والانفتاح على التقدم العلمي العالمي .

  3. وهبي الحسين

    تشخيص علمي دقيق لسبب تدهور البلد في جميع المجالات ووضت الحلول الجذرية الحقيقية لها . بحث ممتع ويرتقى الى بحث كامل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

 علي حسين تهلّ علينا النائبة عالية نصيف كلَّ يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها بعض النواب، حيث يظهرون بالصورة والصوت ليعلوان أن المحاصصة...
علي حسين

كلاكيت: عشرة أعوام على رحيل رينيه

 علاء المفرجي في الذكرى العاشرة لرحيل شاهد عصر الموجة الفرنسية الجديد، التيار الذي شكّل حدثاُ مفصلياً في تاريخ السينما ألان رينيه الفرنسي الذي فرض حضوره القوي في المشهد السينمائي بقوة خلال تسعة عقود...
علاء المفرجي

نحو هندسة للتوافق التنموي

ثامر الهيمص وليكن نظرك في عمارة الارض، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا. في...
ثامر الهيمص

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

رشيد الخيون أقام ديوان الكوفة بلندن(1993) أسبوعاً عنوانه "التُّراث الحي في حضارة وادي الرّافدين"، ففاجأنا دكتور بعلم الأحياء، معترضاً على إحياء "الأصنام"، وبينها كَوديا. لم نأخذه على محمل الجد، حتى كسرت "طالبان" تمثالي بوذا(مارس2001)،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram