TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: كوميديا الشهادات!!

العمود الثامن: كوميديا الشهادات!!

نشر في: 23 يناير, 2023: 11:07 م

 علي حسين

منذ أن اخترعوا مسمى "ديمقراطية التوافق" أصبح الفساد في بلاد الرافدين محمياً بقوة الأحزاب والقانون والسلاح، وأصبح الفاسد والمرتشي مدللاً ونجماً، تفتح له الفضائيات أبوابها ليقدم دروساً في الوطنية والنزاهة حتى أننا فتحنا أبواب لجنة النزاهة البرلمانية ليدخلها النائب مثنى السامرائي صاحب ملفات فساد المناهج الدراسية،

ولم يُعرف عن نظامنا السياسي الديمقراطي أنّه ضد الفساد، بل على العكس من ذلك، هو نظام يتيح أحسن الفرص للسراق والانتهازيين والمتلونين، ليتحولوا بين ليلة وضحاها إلى أصحاب قنوات فضائية ومشاريع تجارية ومولات وجامعات وأرصدة في بنوك الخارج والنماذج موجودة داخل قبة البرلمان وبمختلف الأطياف والشعارات.

في إحصائية مثيرة أجراها أحد الزملاء اكتشف أن أكثر من نصف المسؤولين والنواب حصلوا على شهادات عليا أثناء فترة الجلوس على كرسي المنصب أو عضوية البرلمان. وأضاف الصديق الذي أثق بدقة معلوماته، أن ثلاث دورات للبرلمان والحكومة أنتجت المئات من أصحاب الشهادات العليا، بل ذهب الغرام بالبعض منهم أن حصلوا على شهادات عليا باختصاصات لاعلاقة لها بما درسوه في الجامعة، فنجد أحد الوزراء يتحول من طبيب إلى ماجستير في العلوم السياسية، وآخر من روزخون إلى دكتوراه في علوم الاتصالات، وثالث يسجل رقماً قياسياً في شهادات التخرج فيحصل على بكالوريوس في الهندسة، وماجستير في علم النفس ودكتوراه في العلاقات الدولية.. أما عن بطل فضيحة "جهاز كشف الزاهي" فقد اكتشفنا أنه حصل على الدكتوراه في القانون، في الوقت الذي عشنا معه مهزلة أمنية لم تشهدها بلاد مثل الصومال!

لا أجد تفسيراً واحداً إلا أن ما يجري هو عبث من نوع خاص، عبث لا يختلف كثيراً عن تصريحات بعض النواب الذين يطالبون بفتح ملفات الفساد، وأن يتولوا مسؤولية النزاهة في العراق .

والأخطر من هذا أن يرفع البعض شعار"دعهم يمرّون" لترسيخ قواعد زواج الفساد بالمنصب الحكومي، ولينال المزوّرون التكريم والحماية، وليستعد الناس المساكين لظهور سياسي آخر يطالب بتأمين تشريعات تحمي الفاسدين في المرحلة المقبلة، وإقرار قانون يكفل البقاء للأفسد، والوقوف بصلابة ضد المغرضين من الذين يرفعون شعار المواطنة والكفاءة والنزاهة، لأنها شعارات أثبتت زيفها، فهي تريد الالتفاف على صوت الجماهير التي ما تزال تنتظر طلّة وزير آخر يحمل دكتوراه في الضحك على الشعوب..!

لا حدود في جمهوريات الطوائف لأي شيء سوى المصالح الضيقة، لأن المصالح العليا هي المواطن العراقي الذي يجب أن يشعر بالأمان والكرامة والحرية والعدالة قبل الائتلافات والتحزبات الطائفية.

المواطن هو الأمن والمستقبل في الدول الديمقراطية.. حيث لا يتعلم الشعب الديمقراطية ولا الوطنية من تجمعات طائفية .

إذا لم يدرك ساسة العراق في هذه اللحظة أن مصلحة البلاد ليست فى كيانات طائفية أو في تمكين أشخاص معينين من التحكم بشؤون العباد.. فإن "كوميديا الشهادات" لن ينتهي أبداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Qwen

    حقيقية الأمر من فعلت هذه الأمور هي جمهورية الطوائف! وجعلت من اللاشيء يتبوء أماكن جد جد جده لايحلم بها،.... كان يا ماكان في قديم ا ل ز م ا ن... تحياتي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram