علي حسين
منذ الأيام الأولى لهذه الزاوية حاولت مثل أيّ مواطن أن أفهم كيف يفكر السياسي العراقي، لكنني عجزت.. أحياناً أسمع كلاماً منمقاً عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد. ثم راحت هذه الوعود تتناثر، ولم أعد أفهم لماذا يصرّ بعض الساسة والمسؤولين العراقيين على الاحتفاظ بجواز سفر دولة أخرى، ولماذا لا تعيش عوائل الكثير من المسؤولين في العراق؟. ثم رأينا قادة البلاد يتوزعون على دول الكرة الأرضية.
طوال الفترة الماضية، كان أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، يزيدون ويُعيدون في حكاية حبّ الوطن، والتي رسخها قبل ثمانية عشرعاماً المتقاعد الأبدي غازي الياور، الذي سمع العراقيون باسمه ليلة اختيارة لمنصب الرئيس.
لا أعرف ــ ربما لجهلي المستمر ــ معنى أن يكون وزير أو رئيس وزراء أو عضو برلمان، أو رئيس جمهورية مواطناً لدولة أخرى يحمل جواز سفرها، يتباهى به في مطارات العالم، كما لا أستوعب أن يحصل مواطن كندي مثل خضير الخزاعي أو هولندي مثل صلاح عبد الرزاق أو دنماركي مثل علي العلاق أو بريطاني مثل فائق الشيخ علي على تقاعد مجز ومخصصات وهو لايحترم الجنسية العراقية، وفي أي من البلدان سمعنا أو قرأنا أن رئيس الجمهورية يسكن في بلد آخر، ويتمنى أن يقضي بقية حياته فيه؟، ولعلكم تتذكرون حكاية المستر "بيكر مو الربيعي" وقد كتبتُ هنا قبل أكثر من عام عن واحدة من مفاجآته المثيرة، حين اكتشفنا أن مستشار أمننا الوطني يحمل جواز سفر بريطانياً باسم "بيكر مو".
إننا أمام عملية فساد منظمة، أبطالها يستغلون مناصبهم في الاستيلاء على رواتب تقاعدية ومخصصات وامتيازات ليتمتعون بها هم وعوائلهم في بلدان أخرى، ومن ثم فإن الصمت أمام هذا الطوفان من الخراب يبدو غريباً ومثيراً للأسئلة، وكان حريّاً باصحاب المناصب السيادية أن يسارعوا إلى التخلي عن جنسيتهم، بل كان عليهم أن يعلنوا للرأي العام استقالة أي مسؤول لا يريد التخلي عن جنسيته الأخرى.
أيها السادة عندما يستسهل المسؤول الكبير، الضحك على مواطنيه ونهب المال العام، يصبح كل شيء آخر بسيطاً أو مبسطاً. كالسطو على المال العام وبثّ الفساد في مؤسسات الدولة، والإنصات لأحاديث حمد الموسوي عن النزاهة.
ربما سيقول قارئ عزيز: ما الذي ذكرك بالرئيس غازي الياور والرجل ترك السلطة منذ سنوات بعدما تحول من رئيس إلى نائب رئيس، الذي ذكرني به تقرير قديم كنت أحتفظ به في أرشيفي كانت مجلة تايم الأمريكية نشرته أيام اختيار الياور رئيساً حيث جاء في التقرير: "لم تكن للياور إمكانية كبيرة وقدرات عندما تسنم منصب الرئاسة، فقد كان مرشح تسوية اللحظة الأخيرة"، في التقرير يتحدث الياور عن الحب والرومانسية فيقول: إن لم تكن قادراً على الحب، فكيف لك أن تحب وطنك؟ ويبدو هذا التصريح جعله يختار ان يعيش خارج وطنه.