TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أنا إنسان

العمود الثامن: أنا إنسان

نشر في: 15 فبراير, 2023: 11:49 م

 علي حسين

هل تتخيل يوما ان مسؤول عراقي كبير يمكن ان يقدم استقالته ومعها خطاب قصير يقول فيه : ياجماعة اعذروني لا استطيع ان اقدم خدمة للناس ، سيبدو الامر اقرب الى النكتة في بلاد الرافدين ، لكنه حدث في بلاد تحترم مواطنيها ..فغدا ستنشر الصحف معظم الصحف البريطانية، صورة لرئيسة وزراء أسكتلندا "نيكولا ستورجون" وهي تبدو حزينة إلى حدّ البكاء، وتعلن استقالتها من منصبها.

 

أتمنى عليك عزيزي القارئ أن لا تذهب بك الظنون بعيداً وتعتقد أنّ هذه المرأة، اتهمت بـ"لفلفة" ميزانية الدولة، ولا تفرح، فتعتقد أنها وظّفت أقاربها وأبناء حزبها وجعلتهم مستشارين . مشكلة رئيسة الوزراء أنها تشعر بالضجر والتعب، قالت للصحفيين إن "هذا العمل هو امتياز ولكنّه صعب للغاية"، مضيفة "أنا إنسان". وقالت "كان بإمكاني أن أعمل بضعة أشهر إضافية، ربما ستة أشهر، عام، ولكن مع الوقت كانت طاقتي للقيام بعملي تقل، ولم يعد بإمكاني القيام به بنسبة 100 في المئة، وهذا ما تستحقه البلاد". وفيما أكدت أنّ قرارها نضج بعد وقت طويل، أشارت إلى تغييرات ضمن عائلتها ، وصعوبة "تناول القهوة مع صديق، أو الخروج بمفردها للقيام بنزهة". مع كلمات السيدة ستورجون تذكّر عزيزي القارئ معارك البرلمانيين الطائفية، وصولة عادل عبد المهدي ضد الكفرة المتظاهرين، وقانون نوري المالكي للانتخابات الذي يريد أن يفصّله على مقاسه، ودموع محمد الحلبوسي على الحشمة والفضيلة التي يفرّط بها العراقيون، وقرار وزارة الداخلية مراقبة الإنترنيت ليل نهار، والحرب التي يخوضها النائب الهمام أحمد الجبوري "ابو مازن" لتحويل مناصب الدولة إلى ملكية خاصة تباع في المزاد، وعودة الامير السعيد علي حاتم السليمان .

ربما يسخر البعض من رئيسة وزراء أسكتلندا لأنها قدمت استقالتها لمجرد إحساسها بأنها ربما لا تستطيع تقديم خدمة جيدة لمواطنيها، في الوقت الذي خاض فيه مسؤولونا حروبهم الطائفية من كلّ نوع ولون، وفي كلّ اتجاه، احتلوا المؤسسات الحكوميّة، أبادوا مدنيّة الدولة، طاردوا الكفاءات، وضعونا على سلّم البؤس، أدخلونا موسوعة غينيس في عدد الشهداء والمهجّرين. وبعد كل موجة خراب نجدهم يجلسون ويتضاحكون ويقررون التقاط صورة فوتوغرافية، لكي يطمئن الشعب أنْ لا سبيل أمامه سوى الإذعان لصوت "الزعماء الملهمين".

أيها القارئ العزيز، نحن في كلّ مرة نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنه لا شيء مهمّ في هذه البلاد سوى سلامة كراسي المسؤولين، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في حريق مستشفى ابن الخطيب .

لو سألتَ أيَّ مواطن عراقي عن موقف رئيسة وزراء أسكتلندا، فقد يموت قهراً أو ضحكاً! لأنه لا يستطيع أن يقول لأصغر مدير دائرة، يسرق وينهب، قدم استقالتك.والأهم أن المسؤول والقيادي العراقي لا يمكن أن يخطئ ويقول "أنا إنسان "

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram