TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أحلام آزادوهي صاموئيل

العمود الثامن: أحلام آزادوهي صاموئيل

نشر في: 25 فبراير, 2023: 11:24 م

 علي حسين

ظلت ابتسامتها الرقيقة والحنونة، تفضح عن طيبة متناهية، وفي الوقت نفسه تخفي، مشاعر الأسى حيال ما وصل إليه العراق. آزادوهي صاموئيل التي تمنت أن تحضنها بلادها، وجدت نفسها في نهاية عمر من الطموح والعمل تعيش الغربة،

ولم تكن تعرف، لا هي ولا نحن محبوها، أن النهاية ستكون في سطور قليلة اختتمت بها حياة امرأة وفنانة رفضت الاستسلام وغردت خارج السرب.. وأنا أطيل النظر لملامح وجه آزادوهي صاموئيل المحببة إلى النفس أقرأ فيه رحلة التعب والمواجهة ممتزجة بأفراح ومسرات الماضي.. تعب في العينين وابتسامة يختلط فيها الحزن والشرود وبساطة ترتفع على التصنع فأغمض عيني وأنا أتخيل صوتها ممتزجاً بعبارات عذبة "شلونك عيوني". امرأة لا توحي ملامحها وحركاتها بأنها ممثلة وأنها بعد تتقمصت ذات يوم شخصية من شخصيات يوسف العاني أوغائب طعمة فرمان، في الحالتين مع آزادوهي الإنسانة وآزادوهي الممثلة نجد أنفسنا في حضرة امرأة اختصرت حياتها بكلمتين؛ المحبة والبساطة.

وأنا اقرأ خبر رحيلها، طافت بذاكرتي صورة آزادوهي صاموئيل وهي تقف على خشبة مسرح قاعة الخلد في كرادة مريم عام 1969 لتقول لفاضل خليل: "حسين.. أوف شوكت راح نرتاح، ونعيش ببيت نظيف كله ضوه وعصافير؟"، حياة هانئة كانت تتمناها (تماضر) بطلة "النخلة والجيران" وهي نفس الحياة التي تمنتها الفتاة الأرمنية التي اقتحمت معهد الفنون الجميلة في الخمسينيات لتسجّل نفسها أول طالبة تدرس فن التمثيل في العراق.

لم تكن الفتاة الجميلة تحلم أنها ستجلس مع إبراهيم جلال وتمثّل على خشبة واحدة مع يوسف العاني، وتتحدث مع زينب، وتسمع حكايات "الخال" خليل شوقي، وتحظى باهتمام قاسم محمد، كانت آنذاك، تملك حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبث الفرح في نفوسهم، جاءت آزادوهي من عائلة أرمنية، نقلت وعيها ووطنية عائلتها وعذابات المرأة العراقية إلى كل أعمالها الفنية، فهي من جيل مأخوذ بحب المعرفة، وبالإصرار على أن ينشغلوا بهموم الناس البسطاء.

تنتمي آزادوهي إلى طائفة من الممثلاث الأثيرات على قلب المشاهد.. ممثلة تتمتع بعفوية لها طعم خاص يترك أثراً في النفس.. حين تشاهدها تشعر وكأنك التقيت بإنسان قريب إليك تعرفه منذ زمن طويل.. فعند هذه الفنانة قدرة عجيبة على تشرب الحياة اليومية وحياة الشخصية التي تمثلها .

هل كانت آزادوهي تعتقد يوماً أن الفن لم يعد طريقاً إلى عقول الناس وقلوبهم؟، وأننا تحولنا إلى بلاد استبدلت تحايا العَلَم بأهازيج طائفية؟، وأن الناس ستنشغل بحكايات " سانت ليغو؟، وتقلبات نواب الصدفة؟، .

" عمة آزاو " كما تتمنى ضاحكة أن أقول لها- وأنت تغادرين عراقك الذي عشقتيه بكل جوارحك، لا أملك إلّا أن أواصل الحلم مثلك بعراق نظيف يملأه الضوء".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram