اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > تانغو الخراب

تانغو الخراب

نشر في: 15 مارس, 2023: 11:32 م

رنيم عامر

تأخرتُ كثيراً في مشاهدة فيلم تانغو الشيطان Satantango إنتاج عام 1994، لأنني أردتُ أن أقرأ الرواية التي اقتُبس عنها الفيلم أولاً. وكانت هذه خطوة صحيحة –بالنسبة لي على الأقل-. الرواية من كتابة الكاتب الهنغاري لاسلو كراسنا هوركاي، صدرت عام 1985، ترجمها إلى العربية الحارث نبهان وصدرت عن دار التنوير بعنوان (تانغو الخراب). يبلغ طول الفيلم سبع ساعات، لذا فأن مشاهدته بمثابة تجربة زمنية قائمة بحد ذاتها. الفيلم من إخراج المخرج الهنغاري بيلا تار Béla Tarr. واستغرق عامان لصناعته.

في مقابلة معه لإحدى الصحف، يتحدث تار عن صداقته بكاتب الرواية قائلاً "قرأتُ الرواية في ليلة واحدة، ووقعتُ في حبها، ثم اتصلتُ بلاسلو، ولم أكن قد عرفتُه من قبل لأن هذا كان أول كتاب له. وهكذا بدأ تعاوننا. أعتقد أنه أحد أكثر الكتّاب الموهوبين في العالم. أنا أحب أعماله". ثم يُكمل حديثه قائلاً "كان لاسلو يعيش في الأراضي المجرية المنخفضة، وقد شهد كيف كان يعيش الناس، وحوّل ما رآه إلى هذه الرواية الجميلة... في تلك الأراضي، الأمر كما في الصحراء، لا يوجد وقت ولا مسافة، قد تقضي ساعات وأسابيع دون أن ترى شيئاً. أنت تعيش خارج الوقت. سيتولّد عندك إحساس مختلف عن الوقت هناك عمّا إذا كنت تعيش في المدينة. من هنا جاء البطء الدرامي. عليك أن تفهم أولاً حياة المكان، من بعدها يتكوّن عندك شعور بكيفية تصويره... أنت تفكّر في العالم وتفكر فيما فعلته من قبل وما عليك القيام به. لديك أسئلة جديدة ولا يمكنك إعطاء أجوبة قديمة للأسئلة الجديدة... ونحن لا نعرف ما يحدث في العالم، بينما أنا مهتم بالعالم وليس فقط بتصويره".

بين الفيلم والرواية:

في مناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعرض تحفته السينمائية، سُئل بيلا تار هل كان يتوقع أن فيلمه الذي مدّته سبع ساعات سيتردّد صداه لمدة خمسة وعشرين عاماً من تاريخ عرضه لأول مرة، أجاب تار "ومن يهتم! أنا لستُ متنبئاً. كنت وما زلت مجرد صانع أفلام قبيح وفقير. لا أملك أية قوة. لا أملك أي شيء سوى كاميرا لعينة".

يحكي الفيلم والرواية قصة انهيار حياة وتدهور مالي وأخلاقي لمجموعة من الفلاحين في هنغاريا ما بعد الشيوعية، لكنهم يستعيدون الأمل بعدما تصل إليهم أنباء عودة البطل المنتظر (إيرمياس) الذي ظنوا أنه مات، عاد إليهم بطلهم المُنتظر ووجدهم فريسة الخراب والبؤس، فنصب لهم "شباك العنكبوت" "لعبة إبليس"، لتكتمل الدائرة بالعودة من حيث بدأنا سواء في الفيلم أو الرواية.

يقول تار في نفس المقابلة "كنتُ أشاهد حياتي وأُظهِر العالم من وجهة نظري. بالطبع، يمكنك رؤية الكثير من الهراء الدائم، يمكنك رؤية الذُلّ في كل وقت، يمكنك دائماً رؤية القليل من هذا الدمار. يمكن للناس أن يصبحوا في غاية الغباء ويختاروا هذا النوع من الهراء الشعبوي. إنهم يدمرون أنفسهم والعالم ولا يفكرون بأحفادهم. لا يفكرون إلا بالنجاة من هذا الهراء. وهذا محزن جداً. لكن هذا الحزن مستفز. إنه يدفعك للتصرف".

وعن سبب صناعته أفلاماً طويلة، يقول تار "هدفي الدائمي هو أن أصنع أفلاماً خالدة. لهذا أنت لا ترى سيارات في أفلامي، أو إذا رأيت سيارة فهي ذات شكل أبدي". ويكمل الحديث بين نوبات السعال قائلاً "معظم الأفلام تحكي قصة على النحو التالي: حركة، حقيقة، حركة، حقيقة. وهذا يسمم السينما، لأن الشكل الفني ليس إلا صورة مكتوبة في الزمن. لا يتعلق الأمر بالطول، بل بالثقل. إنها مسألة هل بوسعك أن تهزّ الناس أم لا؟". وعن أفلام الوقت الحاضر يقول "هذه ليست أفلاماً... إنها فقاعات، بلب، بلب، بلب، جُملٌ من الفقاعات".

ويرى تار إن المشكلة هي أن معظم الأفلام تتركنا عالقين على السطح "يروي الناس قصة ونعتقد أن شيئاً ما يحدث معنا. لكن لا شيء يحدث معنا. نحن لسنا جزءاً من القصة. نحن نقضي وقتنا ولا أحد يهتم بما يفعله الوقت بنا. وهذا خطأ فادح. لقد صنعتُ أفلامي بطريقة مختلفة. الفيلم لغة، وهناك لغات ضمن تلك اللغة. تلك هي لغتي. وإلا كيف يمكنني التواصل معك من دونها؟".

أما عن السياسة وتأثيرها على أفلامه، يقول تار "بالنسبة لي فالسياسة تجعل كل شيء بسيطاً وبدائياً جداً. انعدام الاستقرار الاجتماعي أمر ثابت في كل أفلامي. أنا أتحدث طوال الوقت عن الفقراء، الناس البؤساء، مَن لم يحظوا بفرصة أبداً. هذا ما هو متساوٍ في كل أعمالي"، ويضيف قائلاً "كصانع أفلام عليك أن تؤمن بالناس، بقوتهم، لأنك إذا لم تؤمن بالناس فلماذا إذن تصنع الأفلام؟ لأية غاية؟ إذا لم يكن عندك أمل فعليك ألا تصنع الأفلام. أنت لا تصنع الأفلام من أجل المال، لأن المال يأتي ويذهب. لا يتعلق الأمر بالمال. أنت تصنع الأفلام لأنك مجنون لعين يؤمن بالناس ويؤمن أن الناس سيشاهدون أفلامه وسيتأثرون بها. أنت تصنع الأفلام لاعتقادك أن الناس طيبون، ولكنهم يرتكبون أحياناً أفعالاً غبية. سيدفعون الثمن في النهاية، لكنهم لا يرون ذلك الآن. لذا، ماذا بوسع صنّاع الأفلام فعله؟". طرح تار هذا السؤال ليُجيب عليه بنفسه قائلاً "إنها مهمتنا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

سعادة عابرة" لسينا محمد: شاعرية سينمائية مرهفة

(وادي المنفى).. فيلم واقعي عن اللاجئين السوريين في لبنان

في ختام مهرجان "كارلوفي فاري" فيلم "غريب" للمخرج "زينغفان يانغ" ينال الجائزة الكبرى

مؤسسة البحر الأحمر تكشف عن الفرق المُختارة من تحدّي صناعة الأفلام

مقالات ذات صلة

سعادة عابرة
سينما

سعادة عابرة" لسينا محمد: شاعرية سينمائية مرهفة

قيس قاسميرسم المخرج الكردي سينا محمد على سطح لوحته السينمائية، التي يُسمّيها "سعادة عابرة" (2023)، نافذة صغيرة، يطلّ منها على موطنه، بعين رسّام سينمائيّ يتأمّل، من الأفق الذي تُشَرعه، عيش أهله، ثم يذهب بخياله...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram