اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العلمانية وأهمية التعليم المحايد

العلمانية وأهمية التعليم المحايد

نشر في: 21 مارس, 2023: 11:50 م

ميشلين زاناتا

ترجمة:عدوية الهلالي

تعود جذور فكرة العلمانية إلى العصور اليونانية القديمة. ولفترة من الزمن وضعتها المسيحية جانبًا، ثم عادت فكرة الفصل بين الكنيسة والدولة إلى الظهور في نهاية العصور الوسطى، في صراعات السلطة بين البابا وملك فرنسا. ومع عصر الإصلاح، أخذت الحاجة إلى التعايش الديني بعدًا جديدًا.

وعلى الرغم من أن كلمة "علماني" لم تظهر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلا أن هذه الفكرة القديمة جدًا ولها جذورها في الفلسفة اليونانية حيث تم تنظيم تاريخ الفكر حول حركتين متناقضتين: الأولى نتاج يقين ميتافيزيقي، والأخرى قائمة على استقلالية الفكر الفردي. اما الفكرة البسيطة القائلة بأنه من الممكن العيش بانسجام من خلال التفكير بشكل مختلف فيمكن أن تفرض نفسها بشكل طبيعي مع تقدم التقدم الاجتماعي والفكري.

لكن وصول المسيحية إلى مكانة الدين الرسمي في كل أوروبا تسبب لبعض الوقت في نسيان هذه القيمة التراثية وقد أوقف التواطؤ الكامل للسلطة السياسية والسلطة الدينية منذ فترة طويلة المسيرة نحو الاستقلال الذاتي. خاصة وأن هذا النموذج "الثيوقراطي" قد تم استبداله بتحالف العرش والمذبح، بين السلطة الملكية وسلطة رجال الدين لكن مثل هذا التحالف يؤدي إلى توترات، حيث تريد كل من القوتين السيادة.

وفي القرن الثاني عشر، أكد فيليب الرابع لو بيل بمواجهة البابا بونيفاس الثامن، تفوق الزمني على الروحاني إذ يستمد الملك شرعيته من الكنيسة ولكنه يؤكد سلطته على رجال الدين في دولته ويحد من خضوعه للكنيسة للروحانية.. ثم فرض هنري الرابع مرسوم نانت ردًا على الحروب الدينية المروعة. لكنه كان هشا وسرعان ما ظهرت عيوبه. بعدها وضع لويس الرابع عشر حداً لذلك، معتبراً أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى "ملك واحد، ودين واحد، وقانون واحد".

في الوقت نفسه، كانت الرحلة نحو استقلالية الشخص القادر على التفكير بنفسه طويلة جدًا أيضًا. ففي القرن الثاني عشر، سمحت إعادة اكتشاف الفلسفة اليونانية من قبل المفكرين المسلمين للعصر العربي الأندلسي العظيم، ولا سيما ابن رشد، وكذلك أعمال الكاثوليك مثل توما الأكويني، بالتمييز التدريجي بين الإيمان والعقل.ثم سيتم اعتماد عمل الفلاسفة بعد ذلك لفرض تطور العقليات مع تأكيد النزعة الإنسانية لمونتين، وروح قوانين مونتسكيو، وتقدم الفكر بفضل الشك المنهجي لديكارت، ومحاربة الخرافات والادعاء وحرية الضمير لبيير بايل، والتمييز بين الإيمان والاستدلال لسبينوزا، والليبرالية السياسية للوك اضافة الى عمل فلاسفة القرن الثامن عشر، روسو، ديدرو وكوندورسيه ولكن أيضًا الفلاسفة الإنجليز والألمان، خاصة كانط.ويجب أن يضاف إلى ذلك معركة جاليليو أو جيوردانو برونو،ونضال فولتير ضد التعصب الديني، والسخط الناجم عن إعدام شوفالييه دي لا بري بتهمة التجديف بحيث يمكن فصل نظام الروح عن الأمر الإلهي.

وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر وبمجرد توليهم مسؤولية شؤون الدولة، تولى الجمهوريون علمنة المجتمع من خلال إنشاء تعليم يحترم الحياد التام في المسائل الطائفية لأن الجمهورية لا تستطيع أن تحيا بدون مواطنين متعلمين،ولأن المواطنين المثقفين فقط هم الذين يفهمون مصلحة إدامة النظام السياسي الذي يجعلهم فاعلين في مصيرهم وبناء القومية.

ويجب أن نتفق على ان كلمة (علمانية) لاتعني التخلي عن الشعور الديني،ولاسيما عن الايمان الكاثوليكي لكنها اقرب الى مناهضة الاكليروس، التي تدعم دور الدولة والنضال ضد انتهاكات الاكليروس.ولم تدخل فكرة فصل الكنيسة عن الدولة رسميا الى الخطاب العام الا في نهاية القرن حيث تم تجنيد المدافعين عن العلمانية من البرجوازيين والمثقفين الذين يتغذون على أفكار التنوير ليقاتلوا ضد التعصب الديني.

وبصرف النظر عن المعارك السياسية الكبرى، تركز القضايا المتعلقة بالعلمانية على عدد قليل من القضايا الرئيسية، وأهمها بالتأكيد قضية التعليم.فخلال الفترة الوحدوية، أوكلت السلطة التدريس إلى رجال الدين الذين يمتلكون ثلثي المدارس كما كان يُدرج مسار الدين في البرنامج الإلزامي ويمارس رجال الدين حقًا حقيقيًا في التفتيش على التدريس.

وفي المدن الكبرى، أنشأ الليبراليون مدارس عامة، بما في ذلك للفتيات، ولكن في الخارج، كانت الكنيسة عمومًا قوية للغاية. وعلى مدار القرن، شهدنا تقدمًا أو انتكاسات في التعليم الرسمي غير الطائفي، وتحققت ذروة هذه المعركة خلال الحرب المدرسية الأولى (1879-1884)عبر وجوب إنشاء أو صيانة المدارس الرسمية، وتدريب المعلمين، ومكانة التعليم الديني في التعليم الرسمي، وضمان حقوق المرأة وتعليمها، وانشاء دور للايتام وتعليمهم وتنظيم الأعياد العلمانية.

· مؤرخة ورئيسة معهد العمل والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

 علي حسين تهلّ علينا النائبة عالية نصيف كلَّ يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها بعض النواب، حيث يظهرون بالصورة والصوت ليعلوان أن المحاصصة...
علي حسين

كلاكيت: عشرة أعوام على رحيل رينيه

 علاء المفرجي في الذكرى العاشرة لرحيل شاهد عصر الموجة الفرنسية الجديد، التيار الذي شكّل حدثاُ مفصلياً في تاريخ السينما ألان رينيه الفرنسي الذي فرض حضوره القوي في المشهد السينمائي بقوة خلال تسعة عقود...
علاء المفرجي

نحو هندسة للتوافق التنموي

ثامر الهيمص وليكن نظرك في عمارة الارض، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا. في...
ثامر الهيمص

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

رشيد الخيون أقام ديوان الكوفة بلندن(1993) أسبوعاً عنوانه "التُّراث الحي في حضارة وادي الرّافدين"، ففاجأنا دكتور بعلم الأحياء، معترضاً على إحياء "الأصنام"، وبينها كَوديا. لم نأخذه على محمل الجد، حتى كسرت "طالبان" تمثالي بوذا(مارس2001)،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram