اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > جهنم بين الأسطورة والدين..

جهنم بين الأسطورة والدين..

نشر في: 29 مارس, 2023: 08:53 م

سلام حربه

فكرة الموت واجهت الانسان السومري منذ اليوم الاول لخلقه على هذه الارض وصنع الاساطير لها، التي صورت عالم الموت او ارض اللاعودة (كي توكي) كما كان يطلق عليه، مرعبا قاسيا لا يحتمله البشر،

وهو تهديد باقصى العقاب للانسان الشرير من اجل ان يحتفظ الانسان المؤمن بالطريق القويم ويبقى مواطنا صالحا وحسناته تسمح له العيش في العالم العلوي (عليين) حيث الجنان والملذات اما العالم السفلي (سِجّين) فتنزل روح الميت الى هذه الارض حيث يصادفه نهر العالم الاسفل وسماه السومريون (هابور) وهناك يحييه ملاك برأس طير وينقله بقارب الى الطرف الاخر عالم الموتى، هذا العالم الحصين الذي يقع خلف سبعة جدران حصينة، سبع بوابات عظيمة وعندما يقترب القادم من البوابة الاولى يعلن البواب، ويدعى الغالا وهو من الحراس الشياطين، اسم الميت كي تسمعه الالهة اريشكيجال إلهة العالم السفلي، شقيقة عشتار الهة الخصب والجمال، وزوجة نركال إله العالم السفلي ايضا، يقاد عبر البوابات السبع وعند كل بوابة يتخلى عن متاعه وملبسه وزينته ليقف امام الالهة اريشكيجال ومجلس الالهة الكبار السبعة الانانوكي عريانا لتقرير مصيره ومكانه الذي يستحق والعذاب الذي يتلقاه ولا عودة له الى الحياة ثانية ويمرغ في الاوحال والاطيان والظلام والبرد والامراض والبؤس وطعامه سيكون التراب الى الابد. النار وسيلة العذاب الوحيدة في هذا العالم في معظم الحضارات والاديان.

جهنم تم وصفها في الحضارات والاديان اللاحقة وبتصرف عن الاسطورة السومرية. في الديانة الزرادشتية المجوسية ارواح الموتى تجتاز صراط (طريق) المؤمن يعبره بسهوله حيث تلقاه فتاة جميلة تدعى دينا ليعيش مع الاله اهورا مزدا وان كان شريرا لا يستطيع عبور الصراط ليسقط في الجحيم. اما في الحضارة المصرية حيث اطلقوا على النار اسم (سج) وتكون محاسبة الموتى امام (أوزير) اله العالم السفلي ورب الموتى، لكن عند المصريين الاقامة في القبر ليست ابدية، هناك محاكمة الى حياة اخرى وهي الحياة الابدية الخالدة والتي كانت تختم بها دعواتهم على المقابر. في كتاب البوابات (ان ابدانكم سوف تقوم من اجلكم، ان عظامكم سوف تلتحم من اجلكم، سوف ينزعون عنكم اكفان المومياء وتلقون جانبا اقنعة المومياء، تحرروا مما يضجركم كي تتمتعوا بالحقول يارو (الجنة)..) أما في الهندوسية فان عذاب النار مرحلة انتقالية، يتطهر الشخص من الذنوب لتنتقل روحه بعد التعذيب الى جسد جديد..

العرب في الجاهلية خلقوا جهنمهم الخاصة وهو وادي يقع بالقرب من مكة تستعر فيه النار بشكل دائم يلقون فيه اعداءهم وحاجياتهم وعُددهِم لتُحرقْ وليكونوا عبرة لكل من يناصبهم العداء ويهينهم. في الديانة اليهودية لم يتم ذكر جهنم في التوراة او تاريخ الملوك او كل كتبهم المقدسة بل خلت من ذكر الجنة والنار والبعث والنشور وهناك اشارات مبهمة الى الحياة الاخرى قد جاءت في سفر دانيال 2/ 12 (وكثيرون من الراقدين في تراب الارض يستيقظون هؤلاء الى الحياة الابدية، وهؤلاء الى العار للازدراء الابدي..) اما ذكر جهنم فقد جاء، كما ورد عند العرب في مكة، في مكان يقع بالقرب من اورشليم في الكتاب المقدس وكانت تقدم فيه ذبائح بشرية من الاطفال دون سن 3 سنوات من قبل الكنعانيين للالهة الكنعانية بعل ومولوخ وشبه هذا المكان بجهنم الموجودة، ووردت جهنم ايضا في سفر اخنوخ الذي يعود الى القرن الاول ق. م (البطريرك اخنوخ حملته الملائكة الى العالم الاخر مجتازا نهر النار وجبل الظلمات، حتى وصل الى مدخل الجحيم وهو هاوية قائمة الى الغرب بالقرب من أعمدة نيران السماء، داخل جهنم نجد صنفين من الموتى ينتظرون العذاب، الخطأة الذين عاشوا تعساء ويلاقون عذابات مخففة، والخطأة الذين عاشوا سعداء وتكون عذاباتهم ابدية..).

اما في الديانة المسيحية، العهد الجديد، فهناك الكثير من النصوص في الاناجيل التي تتحدث عن الجنة وجهنم والعذاب لأن المسيحية فيها بعث ونشور وسيظهر المسيح (ع) في آخر الزمان ويقيم العدل والجنات. لان السيد المسيح بعد موته نزل الى الجحيم (العالم السفلي) وردّ آدم وبنيه الابرار الى الفردوس ويبقى في الجحيم حيث العقاب الابدي ينتظر الاشرار المشككين بيسوع المسيح.. (فرفع عينيه وهو في العذاب، ورأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: يا أبي ابراهيم، ارحمني، وارسل ليعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني، لأني معذب من هذا اللهيب..) لوقا 16: 23- 24. ووردت جهنم في الاناجيل الاخرى (ثم يقول ايضا للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته) متى 25: 46. (وان اعثرتك يدك فاقطعها. خير لك ان تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضي الى جهنم) مرقس 9.

اما في الدين الاسلامي فقد تم ذكر جهنم في سور قرآنية عديدة حيث يحشر الهالكون في جهنم بواسطة 70 الف ملاك، ولجهنم سبعة ابواب وتتألف من سبع طوابق وهي لها ابعاد كبيرة، لو القي حجر من اعلى طابق استغرق هبوطه 70 عاما وتتضاعف الحرارة 70 مرة في كل طابق للطابق الذي يوجد اسفله، ومن ارتكب اكبر الخطايا يعاقب في الطبقات السفلى (الدرك الاسفل في النار)، والعذاب بالنار الحارقة في العديد من السور القرآنية الكريمة (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما) سورة النساء 56.. (وان جهنم لموعدهم اجمعين، لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم) سورة الحجر.. ان الله يتوعد الكافرين والمشركين بعذاب جهنم وهم في سِجّين ويكافىء المؤمنين بالجنان والعيش في عليين حيث الاشجار الدانية قطافها وانهار الخمر والحور العين.. (ان كتاب الفجار لفي سِجّين وما ادراك ما سجين كتاب مرقوم)سورة المطففين 7: 10 (وان كتاب الابرار لفي عليين وما ادراك ما عليّون كتاب مرقوم) سورة المطففين 18- 20..

تبقى فكرتا العقاب والثواب (الجنة والنار) قائمتين ما دامت الحياة ماضية ولا كبح لشرور الانسان وجرائمه وعصيانه الا بالوعيد له من خلال القصص والنصوص الدينية المقدسة بان الضالين عن جادة الحق ينتظرهم العذاب الجسيم في جهنم التي تفور نارها وتكون مسكنا ومأوى، للخارجين عن طاعة الله في الاديان السماوية والالهة في الاساطير القديمة، والغارقين في ملذاتهم الحسية والغافلين عن انفسهم والمشوهين لارواحهم التي هي مرآة الوجود الصادق. السومريون الذين ابتدأ تاريخ البشرية بهم لم يغفلوا هذا الأمر لأنهم كانوا يرومون الحياة الصالحة، حياة الفضيلة وتمام الاخلاق ولم يجدوا مثل التلويح بالعقاب ما بعد الموت في العالم السفلي ارض اللاعودة حيث ينتظر الآثمين العذاب والدمار وكي تكون هذه الاساطير والنصوص الدينية عبرة لكل البشر للمضي في طريق الحق والعدل والاخلاص..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

 علي حسين تهلّ علينا النائبة عالية نصيف كلَّ يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها بعض النواب، حيث يظهرون بالصورة والصوت ليعلوان أن المحاصصة...
علي حسين

كلاكيت: عشرة أعوام على رحيل رينيه

 علاء المفرجي في الذكرى العاشرة لرحيل شاهد عصر الموجة الفرنسية الجديد، التيار الذي شكّل حدثاُ مفصلياً في تاريخ السينما ألان رينيه الفرنسي الذي فرض حضوره القوي في المشهد السينمائي بقوة خلال تسعة عقود...
علاء المفرجي

نحو هندسة للتوافق التنموي

ثامر الهيمص وليكن نظرك في عمارة الارض، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا. في...
ثامر الهيمص

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

رشيد الخيون أقام ديوان الكوفة بلندن(1993) أسبوعاً عنوانه "التُّراث الحي في حضارة وادي الرّافدين"، ففاجأنا دكتور بعلم الأحياء، معترضاً على إحياء "الأصنام"، وبينها كَوديا. لم نأخذه على محمل الجد، حتى كسرت "طالبان" تمثالي بوذا(مارس2001)،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram