TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: لماذا تكرهون الديمقراطية؟

العمود الثامن: لماذا تكرهون الديمقراطية؟

نشر في: 1 مايو, 2023: 09:41 م

 علي حسين

أحد الأصدقاء أعلن بقناعة واضحة عن أنه لا يؤمن بالديمقراطية ولا يعترف بأنظمتها التي تشكلت حديثاً في العالم الثالث، الصديق كان قبل سنوات من أشد المتحمسين لكل شيء فيه رائحة الديمقراطية، وأمنيته الوحيدة التي لازمته طوال سنيّ حياته هي أن يرى العراق أنموذجاً يحتذى به في مجال هذه الممارسة السياسية، ولأن كل ذلك لم يحدث،

واستولى على البلد سياسيون يتعوذون بالله كلما سمعوا لفظة ديمقراطية وعدالة اجتماعية، فقد سحب اعترافه بالديمقراطية، صاحبي يقول إنه كان يعتقد أن قادة البلد سيبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في تعليم الناس الفلسفة والأخلاق الحميدة، وإنه اكتشف أنهم بدل أن يحرسوا الحدود ضيعوا استقرار المدن، جاءوا باسم المحرومين والمظلومين وتحولوا إلى أغنى طبقات المجتمع، صدعوا رؤوسنا بخطب عن دولة القانون فيما هم يهرّبون أموال الشعب، دمروا الحياة السياسية وأقاموا بديلاً عنها تجمعات شعارها المحسوبية والانتهازية، يدعون إلى النضال وهم يقفون حجاباً أمام أبواب الأميركان.

قلت لصاحبي: لماذا اليأس؟ إن عقوداً من انعدام الحياة الديمقراطية لم تترك لنا أي أثر لمعرفة أصول فن الحكم، لقد عشنا في زمن مجرد ذكر الحرية فيه أمر مرعب، كنا نعيش متلاحمين مع الصمت والخوف، علمنا صدام أن نخرج مصفقين لمنصات الإعدام، فقال صاحبي: والآن ماذا حدث؟ كنا نعتقد أن الحرية حق، والأمان حق، وحب الحياة حق، فإذا نحن أمام ساسة حولوا الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين، كم مثير للاشمئزاز أن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية نراهم اليوم يمارسون الوحشية والاستبداد التي مارسها صدام وأبناؤه ومقربوه من قبل، ويمضي صاحبي بالتساؤل؛ ترى عن أية ديمقراطية تتحدثون؟، هل هي ديمقراطية اللصوص والمزورين، أم ديمقراطية التفاهة والسفاهة والبلادة والشراهة، هل هي ديمقراطية إقصاء الكفاءات والخبرات واحتضان أصحاب الصوت العالي والصاخب؟

أفهم جيداً لوعة صاحبي فقد كنا جميعاً نتمنى أن تسود دولة المواطنة وأن يصبح العراقيون جميعاً متساوين بالحقوق والواجبات، وأن يكون شعارنا الكفاءة أولاً، وأن نبني دولة مدنية لا تميز بين المواطنين ولا تعادي الأديان، لكن الواقع يقول إن المساواة مهددة في الطرقات والجامعات ومؤسسات الدولة، لم يعد المواطن يصدق شعارات الدولة المدنية، كيف تكون الدولة مدنية وفي دوائرها ومؤسساتها وفي الطرقات قوى سياسية تريد فرض تعليماتها ولو بالترهيب؟.

أقول لصاحبي الكاره للديمقراطية، إن تحقيق حلم الدولة المدنية ليس مسؤولية النخب السياسية وحدها، وإنما إصرار النخب الثقافية ومعها قطاعات واسعة من المجتمع هو الحل الوحيد لمواجهة دعاة دولة المحسوبية والانتهازية، صحيح نحن أضعف تنظيماً ولم نختبر حيل السياسة ونتعرض باستمرار لحملات تكفير وتخوين متتالية، ولا طاقة لدينا على الدفاع الجاد من دون تضامن الأغلبية. علينا أن لا ننسى الحلم بعراق مدني ديمقراطي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram