ترجمة حامد أحمد
بتاريخ 15 نيسان الماضي اندلعت صدامات مسلحة في السودان ما بين جهتين عسكريتين رئيسيتين للسيطرة على البلد: قوة الاسناد السريع بقيادة زعيم مجلس السيادة السابق الجنرال محمد حمدان، حميدتي، دقلو، والقوات المسلحة السودانية بزعامة الرئيس السوداني عبد الفتاح البرهان.
الهجمات المسلحة تتسبب بخسائر كبيرة بين المدنيين فضلا عن موجات نزوح ضخمة لبلدان مجاورة، في حين تقوم القوى الدولية بإجلاء مواطنيها من البلد. وعلى الرغم من حالات متعاقبة لوقف إطلاق النار، فانه يبدو بان المعركة من المحتمل ان تستمر على مدى المستقبل القريب مع نتائج كبيرة على التوازن الإقليمي للقوى.
وبعد ان تم خلع البشير في انقلاب في نيسان 2019، حاول السودان اجراء تحول لمرحلة الديمقراطية. وقامت حكومة انتقالية بقيادة رئيس وزراء مدني، عبد الله همدوك، ومجلس سيادي برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان والجنرال محمد حمدان، حميدتي، دقلو، بتشارك السلطة فيها. الزعيمان العسكريان يمثلان الأقطاب العسكرية المتنافسة لحكومة البشير. البرهان هو قائد سابق للقوات المسلحة السودانية في ولاية دارفور المركزية، وحميدتي هو رئيس قوات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية تسيطر على قطاع التعدين (بالأخص الذهب في دارفور).
في تشرين الثاني عام 2021 حل الجيش مجلس السيادة وسقطت الحكومة الانتقالية. وبعد أسابيع من احتجاجات شعبية، تمت إعادة تنصيب همدوك رئيسا للوزراء ولكنه قدم استقالته في كانون الثاني 2022 بسبب انسداد سياسي. وسيطر البرهان على زمام أمور الحكومة وأسس مجلس سيادة جديد يتناقض مع الاتحاد الافريقي والوساطة الأوروبية النرويجية البريطانية الأميركية لحل ازمة السودان السياسية.
بعد اشهر من مفاوضات ومباحثات سلام وقع القادة السياسيون والعسكريون اتفاقية اطار عمل في كانون الاول 2022 تتوخى إزالة التدخل العسكري في الحكومة والاقتصاد والتأسيس لمرحلة انتقالية على مدى سنتين مع إدارة مدنية قبيل الانتخابات. في آذار عام 2023، نفس المسؤولين اتفقوا على تبني دستور جديد ونقل السلطة الشهر اللاحق لإدارة مدنية.
مع ذلك فقد استمر الصراع على السلطة، ولم يتم تحقيق هذه المواعيد. من بين اهم النزاعات الرئيسية بين الطرفين العسكريين هو دمج قوات الرد السريع بالجيش السوداني: حميدتي يريد تأجيل هذا الإجراء لعشر سنوات، في حين يأمل البرهان بتوحيد القوتين العسكريتين خلال سنتين فقط.
الوضع الحالي السياسي والإنساني
في 15 نيسان 2023 دخل الصراع بين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في العاصمة الى مرحلة جديدة من العنف. ظهرت الخرطوم وكأنها مركز ملحمي للانتفاضة، في وقت تضم بعض المواقع الرئيسية بضمنها أجهزة الاستخبارات الوطنية والمطار الدولي والابنية الدستورية. وتوسع الاقتتال بسرعة حول المدينة وأصبح يشكل تهديدا خطرا للاستقرار الإقليمي. بعض المحللين أشاروا في تقارير لهم أيضا الى زيادة حادة في عنف النزاع القبلي الداخلي في جنوبي وغربي البلاد والذي يلقي بظلاله على عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الحالي.
وحذر محللون أيضا من تبعات ذلك بحدوث موجات نزوح ولجوء لبلدان مجاورة مثل مصر وتشاد واثيوبيا او جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي 27 نيسان اتفق الطرفان على تمديد مهلة وساطة سعودية أميركية انسانية لوقف اطلاق نار امدها 72 ساعة ( بدأت من 24 نيسان) لفترة 72 ساعة أخرى. في 1 أيار الحالي اعلن مبعوث الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرثيز، بان كل من البرهان وحميدتي ابديا عن رغبة للدخول في مفاوضات. في 2 أيار أعلنت جنوب السودان انها كانت وسيطة في هدنة وقف اطلاق نار لمدة 7 أيام بين قوات الرد السريع وقوات الجيش السوداني من 4 الى 11 أيار.
مبادرات وقف اطلاق النار هذه فشلت ودوامة العنف تزداد يوميا. هجمات جوية وعمليات إطلاق النار ما تزال قائمة ولم يبد أي طرف من جانبي النزاع أية نية بالانسحاب. في هذه الاثناء فان ظروف العيش بالنسبة لمدنيين أصبحت صعبة. وقدرت الخسائر بين المدنيين باكثر من 400 قتيل ولكن من الصعوبة الحصول على إحصائية دقيقة. في 2 أيار 2023 قدرت منظمات الامم المتحدة ان أكثر من 100 الف سوداني غادر البلاد الى بلدان مجاورة بضمنهم لاجئون من تلك البلدان، مبينة ان هذا الرقم قد يرتفع بسرعة ليصل الى اكثر من 800 الف. وبلغ عدد النازحين داخل البلاد اكثر من 330 الف شخص. معظم المستشفيات قد تم غلقها او تعمل في ساعات الطوارئ فقط. اما المخازن والأسواق والبنوك فقد أوقفت عملها خشية هجمات القصف. ونتيجة لذلك فان أسعار المواد الغذائية ارتفعت وان حالة النقص الحاد في المواد الغذائية ومياه الشرب الموجودة أصلا قد ازدادت سوءا. الاحتياجات الإنسانية في تزايد سريع مع الاخذ بنظر الاعتبار انه حتى قبل اندلاع المعارك الاخيرة فان 65% من نفوس السودان يعيشون تحت خط الفقر. وتقوم السفارات الغربية بإجلاء رعاياها.
التبعات الإقليمية والدولية
يشير التقرير الى ان الصراع على السلطة في السودان ستكون له تبعات خطيرة على محاولات البلاد للانتقال الى الديمقراطية وكذلك على صعيد الاستقرار الإقليمي. في السابق أقدم الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على دعم تطبيق الإصلاحات الديمقراطية على نحو قوي ووفروا تمويلات كبيرة. مع ذلك فان هذا الامر فشل في تحقيق الأهداف المتفق عليها.
كلا الطرفين يحاولان تعزيز تحالفات داخل وخارج البلاد. واستنادا لمعلومات صحفية سودانية فان البرهان يحظى بدعم ثوار دارفور وبعض المجاميع الإسلامية. حميدتي كسب دعم قسم من الديمقراطيين بانتقاده للعودة القوية للإسلاميين.
عدة قوى إقليمية ودولية لديها مصالح اقتصادية وسياسية في السودان والذي قد يهدد التحول الديمقراطي في البلاد هذه المصالح. الصين وروسيا كانت لهما استثمارات كبيرة في استخراج الموارد الطبيعية في السودان ومن المتوقع انهما سيحاولان الحفاظ على مصالحهما الاقتصادية والأمنية في البلاد. واستنادا لخبراء فان الاقتتال قد يستمر على مدى المستقبل المنظور. وان جهود دبلوماسية قوية تشمل لاعبين إقليميين رئيسيين مثل الاتحاد الافريقي والجامعة العربية واتحاد القرن الأفريقي للتنمية قد يلعبون دورا كبيرا في الحيلولة دون تفاقم الصراع وفي تقديم مساعدات إنسانية لمساعدة المدنيين في تجاوز هذه اللازمة.
عن مركز أبحاث البرلمان الأوروبي