اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > بمناسبة معرضه للسيراميك في عمان..ماذا يحدث في أعمال ضياء العزاوي؟

بمناسبة معرضه للسيراميك في عمان..ماذا يحدث في أعمال ضياء العزاوي؟

نشر في: 4 يونيو, 2023: 10:58 م

سهيل سامي نادر

باستخدامه مواد صلبة بارزة، البرونز ولدائن صناعية في معرض للنحت عام 2021، والسيراميك في معرض عام 2023، يُظهر ضياء العزاوي التنوع باستخدام المواد،

والكيفية التي يطوّع فيها هذه المواد لأسلوبه الفني بكل ميزاته المبهرة الذي ظهر في الرسم والتخطيط والطباعة وفن الدفتر وتصميم الأثاث.

لقد شاهدت هذه الأعمال أثناء وجودي في عمان، فرأيت أنها، فضلاً عن جدّتها، ومظهرها الصنعي المتماسك، تحتفظ بأسلوب الفنان مجسّداً هذه المرة، مضيفاً إليه سحر الظهور البارز في المكان والفضاء.

في تحولاته واستخدامه للمواد، يُظهر ضياء العزاوي تصميمه الذاتي المثابر بعدم خسارة ماضيه وإن ابتعد عنه زمنياً، بل وحتى وهو يقدم اكتشافات جديدة على مستوى الشكل والإنشاء. وفي كل معرض جديد يذكرنا بلمسته القديمة، ببصمته الأسلوبية التي تختزن ذاكرة فنية مدربة على القيام بتحويرات جمالية تتآلف فيها العناصر الفنية القديمة والجديدة، لتبدو معاً كأنها ولدت تواً من لحظة انفعال.

يحتفظ ضياء العزاوي، في سياق نشاط متعدد المظاهر والمواد، بمكتسبات ماضيه الفني المثير، بذاكرته الفنية في تحويل خلاياه اللونية إلى انفجار، أو العودة بها إلى أجسام حروفية ومساحات متراكبة تندمج في حقل الرسم الواسع والمتجدد، ثم تتخذ مظهرا آخر في فن الطباعة أو النحت والسيراميك، من غير الأعمال التي تولد على يديه في لحظة تضامن مع قضية عادلة أو ذكرى وطنية وقومية أو عند انفعال جامح.

الأسلوب الفني

في السبعينات، كما أذكر، كان ضياء العزاوي يكتفي بإسقاط شكل قوي واحد على مساحة ملونة مشغولة بحساسية. كان تعبيرياً وانفعالياً، مع رغبة في استخدام رموز عراقية من الآثار أو الفولكلور، وبوساطتها انفتح عمله الفني على استعارات أعاد تشكيلها فنياً، ولقد شكّلت نزعته الجمالية واستخدامه للون عاملي توازن وعتبة لتجارب فنية متنوعة.

في ما بعد ولّد ضياء العزاوي أسلوباً تجتمع فيه مجموعة كبيرة من الموتيفات والأشكال والخطوط والحروف والخلايا اللونية والخواطر البصرية الآنية في مساحات أوكتل أو أجسام تمسكها وتحوّلها إلى تنظيم مستقر. هذا الأسلوب سيبدو دائماً جديداً، بل إنه يتجدد حقا، نظراً لأن الفنان ينوّع اختياراته الفنية والجمالية على النحو الآتي:

- بتغيير المساحات والنسب والحجوم ومن ثم توليد رؤية جديدة.

- بتحويل موتيفات سابقة إلى مادة تأمل جمالي معيداً تشكيلها وفق ذائقته وفي سياق موقعها على مساحة العمل وارتباطاتها بالمجموع.

- تنوع المواد الفنية وإدراك خصائصها واستخدام اتضاحها الذاتي بذكاء.

- الروح العاطفية الطافحة بالحيوية، والتنفيذ البهيج والمعبر.

- استخدام مواد لونية هارمونية داخل شكل جامع.

- المزج ما بين الحروف والتخطيطات والموتيفات والمساحات بما يشكل أجساماً أو كتلاً تعبيرية محددة.

- اختيار قضايا راهنة وعاجلة على المستوى السياسي والجماهيري يعيد تفسيرها ذاتياً.

إزاء ذلك اعتمد الفنان على صياغة تعبيرية درامية تظهر فيها علاقات تتجدد ما بين المساحات والأجساد والاسقتطاعات الجسدية (رأس، وجه، سيقان، يد، أصابع). في هذه الصياغات يلتقي على الدوام بنظام توزيعي ما بين مساحة تستقر عليها كتلة وثّابة منشّطة بأشرطة ملونة وعلامات متنوعة، وما بين تشظيات ومساحات وكتل تجتمع في جسد جامع. هذا التوزيع تطوّر عندما حوّل الفنان عمله الفني إلى زوبعة من التشظيات التي لا تستطيع العين حصرها، إلا في الاندماج بها، كعلامات دالة على قضية، ودعوة لها. فهي تشظيات أجساد كما هي تشظيات العمل الفني نفسه وقد تفجّر بمواده المتراكمة في سياق تأمل يستعيد انفجارات بانفجار أوسع، كما في أعمال صبرا وشاتيلا وتل الزعتر.

وبنفس الروح، لكن بتحويل التشظي إلى تراجيديا متجسدة من هشيم لا يمكن ردّه إلى أصوله، نفّذ عملاً تجهيزياً افترش مساحة واسعة على أرضية واحدة من صالات كارنيغي تمثّل خراب الموصل وحلب. في هذا العمل عكس تماما أعمال الجمع والتنسيق التي نراها في أعماله، فلا جمع ولا تنسيق ولا شكل غير صورة خراب كامل متساقط ومنثور وبقايا أثرية لمدينة جرى اقتلاعها وتسويتها بالأرض.

هذا العمل التراجيدي صوّر أيقونا لخراب واقعي جدا، واقعي إلى حد مخيف، إلى حد أن الفن الذي يمثل البقايا مثّل صورة الواقع مثلما شكّلته إرادة غاشمة. لقد بات للخراب ايقوناً!

في العودة إلى أسلوب ضياء العزاوي الجامع والإنساني ثمة تفاصيل هائلة ممسوكة بنسيج مُحاك باتقان، تبدو على السطح ككتلة تجميعية تمارس دوراً درامياً وتحمل طاقة انفجارية يمكن لشظاياها أن تحتل مساحة العمل الفني كله. بيد أن تشكيله الدرامي الأصيل المعروف ناتج عن توزيع لعلاقات قوى بين تفاصيل مرصوصة رصاً والفراغ، وتكاد تفيض عليه، لكنها تتماسك، لكي يؤدي السطح المتبقي التحديد الرصين لها، وبهذا تظهر أيضا التفاصيل المتشابكة المشغولة مثل نسيج السجاد. إن أعمال المعلقات السبع والنشيد الجسدي أمثلة على مثل هذا النسج التي تتضافر فيه فنون الطباعة وطبقات من الرسم الذي يكاثر الأشكال الايقونية المتراصة والمضغوطة بمساهمة الحروف والخطوط والكتابات والوجوه والرؤوس، وأجزاء جسدية مع أشكال رمزية. هناك تظليل يُغلق ومساحات بيضاء تَفتح، وهناك توسّع في مساحات مشغولة بأشكال إبقونية ورمزية تسحب العمل إلى الداخل وأخرى تفتح العمل إلى الخارج.

في سياق هذا الوصف العام تظهر حالة الفنان العاطفية والانفعالية متشابكة مع الضرورة الفنية وأسلوبه الفني. وإذا ما استعدنا سيرته الفنية، فسنجد أعماله المكرسة للقضايا الوطنية والقومية المحملة بالأسى والأحزان الثقيلة، لا تبدو غريبة عن لعبته الفنية وأسلوبه في النسج، فهي بقدر ما تحتفظ بقيمتها كوثيقة فنية مكرسة لقضية، تواصل وظيفتها الفنية التعبيرية.

والحال أن عمله الفني مفتوح على تذكاراته وحياته الشخصية، مفتوح على الحياة بتنوعها. هو شخصياً مبهور بالحياة، يواصل رحلتها بشجاعة المنتج، وبحسّه الجمالي والثقافي الذي يستوعب لحظات الانفعال والتأمل والإرادة في إنتاج أعمال متنوعة تمنح المتعة للمشاهدين.

إزاء ذلك فإن جميع صياغات الفنان الأسلوبية وإسهام اهتماماته الفكرية بها لا تدفعنا إلى تبني فكرة ما، بل علينا أن نستنتجها، وفي كثيرمن الأحيان يخفيها في ألوانه المشعة، أو في إيماءات علاقات القوى ما بين الجسديات والمساحات. إنه يقدم اقتراحاته بأسلوب ممتع ويمضي.

اللون ووظيفته

ثمة عنصر بصري مثير ميّز أعماله نظراً لوضوحه وإشعاعاته وإغراءاته المباشرة وظهوره القديم، وهو اللون. غير أنني أعيد هنا تقييمه بدمجه في حركة الإنشاء والنسج، وتلك ميزة تركيبية بقدر ما هي تشكيل بصري مثير. فاللون لا يظهر كمساحة مجردة بل كحركة في بناء، وإذا ما ظهر كمساحة فهو يبدو خلية مترابطة بالجسديات التي يولدها نسيج العمل. نعم ثمة (باليت) هارموني للفنان يُحدث التماعاً واندفاعاً للعمل إلى الخارج، وهذا ما يفعله اللون المشع، لكن إذا أمعنا النظر فسنكتشف أن اللون يمارس وظيفة الخلايا المتحركة الرشيقة التي تبدّد الرتابة وتحلّ المتعة. والحال لا يعمل اللون وحده، وإذا ما أعملت ذاكرتي فإن الهارمونية اللونية المتحركة ولدت مع متحركات من طبيعة ثقافية وأعني بها الحروف التي بصرف النظر عن دلالاتها الثقافية، فإن رشاقتها، صنو رشاقة الخلايا اللونية، تمارس وظيفة الحركة والايقاع والتناغم. لعلّ هذا يفسر ظهورهما معا في لعبة موسيقية في الجسديات التجريدية دون غيرها.

والحال إن الفنان يستبدل بين الحين والآخر الحروف بشرائط ملونة، وبالعكس، تستبدل الشرائط الملونة والخلايا اللونية بالحروف ذات الامتداد والتي تشي بالحركة أو تمارس وظيفة هارمونية أو طباقية.

أوصاف من معرض السيراميك

يساعدنا معرض السيراميك (تخيلات متحققة) الذي أقيم على قاعة "كريم" بعمان بإعادة اكتشاف ضياء العزاوي على نحو جديد. استخدم الفنان الفخار الذي اشتغل عليه بمقتضى حساسيته وإمكاناته العالية في التشكل النحتي، مبتعداً تماما عن تقاليده الوظيفية التقليدية، ثم أطلق طاقات التزجيج الملون المشع والمبهر، والآخر المُطفأ، محافظاً على أسلوبه العام في التصميم وجمع الأشكال الايقونية والموتيفات.

قدّم الفنان موتيفات قديمة متحورة ومتولدة من تفسير جديد في بنائها كرليفات متوسطة المساحة تسحب نظر المشاهد بضياءاتها الملونة، كما في أعمال (رجل حالم) و (حديقة مفرحة) حيث يتضافر التشخيص والتجريد. وثمة أعمال تحيلنا الى رسم قديم وقد حوّل مادته الى السيراميك كما في (عاشق الطيور) حيث يجتمع التجريد والتشخيص والبروز النحتي، في حين تحررت جدارية كبيرة بعنوان (جانب الطريق) من هذا التجميع، كما تحرّرت من أي بروزات للمادة، فهي تجريدية آسرة حملت بصمات الفنان القياسية: حرية الرسم، تكوين واسع يضم تكوينات وحركات لونية هارمونية.

وبعمل مشابه مثّل عدداً من المساحات المحددة والحركات اللونية الهارمونية مع بروفيل رأس مضطجع أحمر اللون شكّل بؤرة قوية مهيمنة من دون أن يخل بتوازن اللعبة الفنية المثيرة (رجل حالم رقم 1).

ثمة جداريتان خزفيتان متولدتان من موتيفات قياسية للفنان في الرسم، الأول بعنوان (ينتظر صديقه) يظهر فيه الرأس الذي يتشبه بالرأس الآشوري المستيقظ، والى جانبه رأس آخر مستلق. مثّل العمل جسدين إنسانيين ظهرا باللون الأسود على خلفية بيضاء، وبيضاء على خلفية سوداء، والخلفيتان تتممان الجسدين، في تنظيم متوازن، وتحديدات خطيّة قوية بالأسود والأبيض. العمل مركب كأجزاء على خشب نظراً لحجمه، وله مظهر صنعي متين، وهو نظير سيراميكي لتجميع رسوم وموتيفات مركبة.

الثاني بعنوان (رجل حالم رقم 2) يمثل هو الآخر شكلاً قياسياً نجد له نظيراً في الرسم لرأس تجريدي يبدو جسداً كاملاً نفّذ بنفس تكنيك الأول وأقل حجماً، تبدّا فيه، هو الآخر، المظهر الصنعي المتماسك وألوان الأبيض والأسود والرمادي.

لم يغامر الفنان في تزجيج هذين العملين باللون، إذ قيّمهما في كفايتيهما الذاتية، مفضّلاً التقشف اللوني الذي حافظ على تماسكهما البنائي ووقارهما الشكلي.

وفي جداريتين أخريتين اتصفتا بالبساطة والوقار أطفأ الفنان بريقهما بصبغة وردية، محافظاً على نسيج المادة المطبوع عليها استعارات أثرية بتكنيك قائم على الحزوز في التحديد الخارجي وطباعة الموتيفات لإضفاء الحيوية. أخذت الجدارية الثانية شكل مثلث متساوي الساقين ومثلت موقعا أثريا.

وهناك عمل ثالث لوّن بلون ترابي بعنوان (تخطيط بغداد متخيل من الأعلى)، اتخذ شكل جسد غير منتظم مليء بالحزوز والاستعارات من أعمال سابقة للفنان حيث الحروف نفسها تتجرد وتتحول إلى شرائط أو تحديدات وموتيفات وخطوط تبثّ الحركة.

المعروف عن الفنان أنه خريج الآثار، ويعرف ما يجري في الحفريات، وقد أفرد عملين نحتيين بثلاثة أبعاد وبلون التراب، أظهرا موقعين أثريين متجسدين في شكل معماري، أضفى التصغير عليهما طابعا خياليا وارتسامياً.

العديد من الأعمل نفذها الفنان بالنحت الثلاثي الأبعاد، تفرد اثنان منها بتمثيل تشخيصي اختزالي. الأول (طوطم زهرة الصحراء): لون صحراوي، قاعدة اسطوانية مشغولة بقليل من الموتيفات التي بدت كأنها كتابة موسيقية، تنتصب عليها زهرة الصحراء. الثاني لا يخلو من تعبير فكاهي (حارس هديته) حيث شاخص في وقفة منضبطة وتقع هديته على مبعدة منه: جسم يكاد يكون رأساً مسطحاً أو شيئاً لا نعرف هويته يقف بعيدا عنه.

أغلب المنحوتات المجسدة جاءت تجريدية، وأكثر من هذا تجريبية، ولولا التزجيج اللوني المميز لبعضها ما عرفت أنها لضياء، فهي مبنية بأضلاع ملونة منكسرة تشكل موتيفات تعمل مع الفراغ المحيط. ويمكن أن نميز اثنين منها تمثلان حركة موتيف مستعاد من الفنان اتخذا عنوانا دالاً (هدية فريدة)، وهما حقا فريدان أشبه بشباك نافذ في مظهر مستقر وألوان هارمونية.

وكما هو متوقع من الفنان الذي يعدّ معارضه الجديدة بحرص شديد، ارتفع معرض السيراميك هذا إلى مستوى جمالي رفيع من حيث أسلوب العرض وإعداده، إذ تتنوع الأشكال والأحجام والمساحات والألوان، ومثلها المفاجآت. إن ضياء لا ينسى تقاليد معارض الخزف القياسية، كما لا ينسى طريقته، فالكؤوس لا تمارس وظيفتها كبطن بل كحامل شكل يشبه الثمرة، والصحون لا تتجوف بل هي أشكال دائرية تستقبل سطوحها موتيفات وعلامات وحركات لونية وخطيّة تنتمي لأسلوبه المميز.

عمان. 25-5-2023

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram