علي حسين
الخطابات التي أُلقيت في الأيام الماضية في أروقة البرلمان ومن على شاشات الفضائيات حول جنة العراقيين الموعودة والتي أطلق عليها تبركاً وتيمناً اسم "الموازنة" يجب أن تتوقف، ليحل بدلاً منها حوار حقيقي حول المتسبب في ضياع مئات المليارات من أموال الشعب في مناقصات وهمية ومشاريع لم تر النور،
علينا أن نتساءل: كم مشروع وُضع له حجر الأساس، ثم تبين أن الأمر مجرد فصل من مسرحية كوميدية لن تنتهي؟، كم مرة سمعنا أحد المسؤولين بأن هذا العام هو عام الاستثمار؟، من ينسى المالكي وهو يبشر عام 2010 بنظرية جديدة قال في مقدمتها: "إن عملية الإعمار لا تتم عن طريق المال والمشاريع لأن ذلك وحده لا يأتي بالشركات إذا لم تكن هناك إجراءات وظروف ملائمة للاستثمار"؟، ولم يطلب أحد من إبراهيم الجعفري أن يخرج على الناس في خطاب مسجل ليقول وبالحرف الواحد "إن عام 2008 سيكون عام الإعمار وسوف تتحرك عجلة الإعمار فعلا"، ومن أجبر رئيس البرلمان أسامة النجيفي ليقول آنذاك هذه الجملة الكوميدية: "حصلنا على موافقات دولية لتحقيق المشاريع والدولة ستتكفل بذلك"؟.
حكايات كثيرة يضمها ملفالحكومات التي تعاقبت منذ عام 2004 للإعمار والاستثمار، ففي كل عام نسمع الأسطوانة نفسها وهي تردد ذات النغمة "هذا عام الإعمار" لنكتشف في النهاية كم مشروع دفن تحت ركام التصريحات والخطب النارية.
المواطن البسيط لا يشغله الصراع الدرامي الدائر حول الموازنة، فهذا المواطن يريد ان يسأل عن المئة مليار دولار التي تبرع بها مجلس النواب لبعض فئات المقاولين والتجار والسياسيين لكي يجعلوا "الجو بديع والدنيا ربيع" ليقفل معه كل المواضيع تيمناً بحكمة المرحومة سعاد حسني، ولهذا فهو لايهتم بهتافات النواب لانه جيدا ان اعوام الخيبات لا يريد لها ان تنتهي .
في كل مرة أسمع فيها أحد النواب المتحمسين يزداد يقيني، بأن النائب "العزيز" لا يعرف ما هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الحكومة، فالقضية لا تتعلق بمعارك النواب ولابصولتهم. القضية تتلخص في غياب العدل الاجتماعي، وتوحش منظومة الفساد، فالذين يصرخون في البرلمان، ومن على شاشات الفضائيات ويرتدون مسوح المسكين هم من يساهمون في ضياع أموال البلاد، ويحولون مؤسسات الدولة إلى شركات خاصة بعوائلهم وأقاربهم.
مرت عشرون عاماً من التغيير ولم نرَ ملامح عهد جديد بين السياسي والمواطن، ولا تغيير في عقلية المسؤول وطريقة تفكيره، فلا يزال النائب والمسؤول ومعه السياسي يعتقدون أنهم يعيشون عصر الهتافات، فيما الناس تريد أن تعيش عصر المسؤول الموظف، الذي تستطيع مساءلته إن أخطأ، وتحاسبه، فقد انتهى عصر المسؤول الذي يدعي معرفة علوم الارض والسماء .