علي حسين
منذ الأيام الأولى لهذه الزاوية المتواضعة حاولت مثل أيّ مواطن أن أفهم كيف يفكر السياسي العراقي، لكنني عجزت.. أحياناً أسمع كلاماً منمقاً عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد. ثم راحت هذه الوعود تتناثر، ولم أعد أفهم لماذا يصرّ النائب العراقي على ترديد عبارات مثل " الخدمة العامة، ومصلحة الشعب، والمؤامرة الكونية التي تقودها البشرية ضده " ، وهو يعرف جيداً أن المواطن يضحك كلما ظهر نائب على شاشة الفضائيات يُزيد ويُعيد في حكاية المؤامرة.
قبل أسابيع قليلة أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون استقالته من البرلمان، والسبب أيها السادة لأنه انتهك القيود الصحية أثناء جائحة كورونا، وقام باستضافة بعض معارفه في مقر رئاسة الوزراء، وبعد أن قدم استقالته من منصب رئيس الوزراء، طُلب منه أن يترك البرلمان، فالمواطن البريطاني لن يقبل أن يجلس على تحت قبة البرلمان نائب خالف القانون. ولم يكتف حزب المحافظين الذي ينتمي إليه جونسون بالاستقالة بل أُجبر عدداً من النواب المقربين من جونسون على تقديم استقالتهم مع رسالة اعتذار، ونحن نقرأ مثل هذه الأخبار علينا بالتأكيد أن نتمعن في ما قاله عضو مجلس النواب العراقي بهاء النوري وهو يقول يجلس أريحية في برنامج أحمد الملا طلال ليقول : "أنا نائب وهناك من يتصل بي لمساعدته، وهذه مهمة النائب"، كلام جميل لو كان السيد النائب ذهب لإعانة عوائل فقيرة، أو زيارة أطفال مرضى في مستشفى السرطان، او وقف تحت قبة البرلمان ليسأل : اين ذهبت اموال الكهرباء ؟ لكن أن يشحذ كل همته لمساعدة سيدة تريد أن تحيل ضابطاً في الشرطة إلى التقاعد ، وأن تجلسه في البيت " مع خواته" ، فالأمر يتطلب منا أن نثير أكثر من علامة استفهام، خصوصاً إذا عرفنا أن السيد النائب اتصل بوكيل وزير الداخلية الذي هرع أيضاً لنجدة السيدة وطلب من ضابط المرور أن يتنازل عن الدعوى مقابل أن لا ينفذ أمر السيدة "ويكعد يم خواته في البيت".. النائب في الحوار التلفزيوني بدا منسجماً مع مقولات من عينة خدمة المواطن ومساعدته، وذهابه إلى مركز الشرطة جزء من واجبه النيابي، لأن المسألة إنسانية. وأنا أستمع لتبريرات النائب تذكرت الآلاف من المواطمين الذين لم يروا يوماً أحد النواب ذهب الى مراكز الشرطة من أجل الدفاع عن حقوقهم .
للأسف ما جرى يكشف بالدليل القاطع أننا أمام عملية فساد منظمة، أبطالها يستغلون مناصبهم في الضحك على عقول المواطنين، ومن ثم فإن الصمت أمام هذا الطوفان من الالاعيب يبدو غريباً ومثيراً للأسئلة، وكان حريّاً بمجلس النواب أن يوجه إنذاراً للنائب وهذا أضعف الإيمان، لأن الإيمان الحقيقي بدور مجلس النواب يتطلب منه أن يلغي عضوية السيد النائب "نصير المظلومين".