علي حسين
قد يبدو العنوان غربياً للقارئ العزيز، فمن هو هذا المثقف الذي تبلغ قيمته "200" دولار في العام، أي ما يعادل أكثر قليلاً من نصف دولار في اليوم الواحد؟.. كتبت هذا المقال ، وأنا أخشى أن يتصور البعض بأنني أحاول أن أسيء لمكانة المثقف العراقي أو أنني أمارس نوعا من انواع البطر..
ولكن ياسادة ماذا أفعل وأنا أقرأ أخبار البشرى التي زفتها العديد من الوكالات الإعلامية ومعها مواقع التواصل الاجتماعي وجميعها تعلن أن منحة المثقفين ستوزع أخيراً. سيقول البعض أليس جميلاً أن تهتم الدولة بالمثقف وتخصص له مبلغاً من المال يعينه على مصاعب الحياة؟، وأنه تفتح خزائنه له ، بعد أن تصور الجميع أن الدولة غير معنية بالمثقفين، وأنها مشغولة البال بتوفير أكبر عدد من كراسي المستشارين. لكن الحمد لله ها هي الدولة "بجلالة قدرها" تخصص مبلغ "317" ألف دينار عراقي عدا ونقدا لكل مثقف ، ولا يأخذكم الخيال بعيداً وتتوقعون أن هذا المبلغ يومي أو أسبوعي أو حتى شهري. إنه ياسادة مخصص لعام كامل، عام به "365" يوماً ولو ضربنا وقسمنا المبلغ لكان نصيب المثقف كل يوم أقل من ألف دينار، فالبيان الذي نشره تحت عنوان "هام.. إطلاق منحة المثقفين" يقول بالحرف الواحد إن المنحة ستوزّع، بمبلغ (317000) للشخص الواحد. بعد هذا البيان سنقرأ الأناشيد الوطنية للنقابات والاتحادات التي تشكر "فخامة" الدولة لأنها ترعى الفنانين والأدباء والصحفيين وعموم مثقفي العراق الذين بلغ عددهم والحمد لله أكثر من نفوس سلطنة بروناي، فالسجلات الرسمية للنقابات والاتحاد تخبرنا بأننا الدولة التي يعيش على ترابها أكبر عدد من الصحفيين والأدباء والفنانين .
لعل أسوأ ما ابتليت به حياتنا هو ذلك النمط من المثقفين الذين يتحدثون في الفضائيات عن قيم الحرية والمساواة ويناضلون، فضائياً، ضد الانتهازية، لكنهم يتسللون خفية و"يتسلقون" لاستلام عطايا الدولة، يصدعون رؤوسنا بأحاديث عن استقلالية المثقف، ثم لا يتورعون عن التقاط صورة مع سياسي "لفلف الأخضر واليابس".
حاول المرحوم جان بول سارتر في كتابه "دفاعاً عن المثقفين"، أن يعطي تعريفاً للمثقف فكتب : " المثقف هو الشخص الذي يمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة".
على مدى عام كامل ظلت المنظمات الثقافية تُمني النفس بأن تبادر االدولة إلى توزيع منحة المثقفين، ، في الوقت الذي نهب فيه "ساسة الصدفة" مئات المليارات. ، فيما يسعى الذين يَحسبون أنفسهم على خانة الثقافة إلى مغازلة المسؤول من أجل الحصول على عطاياه.
وانا اكتب هذه السطور لا انسى بالتاكيد ان هناك الكثير من المثقفين العراقيين الحقيقيين الذين يمثلون نموذجا للمثقف صاحب الرأي الحر والشجاع ، والذي يرفض الوقوف في طابور المُنح .