علي حسين
غريب..! أمر بعض الشيوخ الخطباء، تراه يترجل من سيارة حديثة، خرجت من مصانع الغرب الكافر ، لكنه في الوقت نفسه يسخر من هذا الغرب الذي يحسدنا على ما نتمتع به . يجلس الشيخ على المنبر ينظر في وجوه الناس الذين يريدون الاستماع إلى خطبة تفيض عليهم بالمحبة والرحمة، والتآخي ، فإذا به يطالبهم بان يرضوا بالمقسوم ، ثم يصرخ محذرا :
"هناك من يأتي من دبي أو أوروبا متعجباً، مندهشاً يتحدث عن الشوارع والرفاهية "، يصمت الشيخ قليلاً ثم يضيف: وبعدين". وهذه "البعدين" عند الشيخ هي القيم التي غابت عن هذه البلدان ، حيث يرى الشيخ وهو يستحدم كل أدوات الغرب لتوصيل خطاباته،إن اوربا "الكافرة"تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية، وإنها تتطلع الينا خائفة من مصير مجهول ، ولأن الشيخ لا يريد أن يختفي عن الأضواء، فكان لابد أن ينتهج نهج نعيم عبعوب الذي وصف دبي ذات يوم بأنها مدينة من ورق، وأن بغداد تحت إدارته أفضل من نيويورك وطوكيو معا! بعد سنوات سنشاهد عبعوب يتجول في إحدى مدن أوروبا متنعماً بأموال بغداد التي "لطشها" في وضح النهار، فيما مطار دبي استقبل في الربع الأول من عام 2023، ما يقارب 22 مليون مسافر ، ونشاهد على الفضائيات العالم كله يتجول في دبي ، والشركات الكبرى تبحث لها عن مكان في هذه المدينة التي لا تتوقف حركة العمران فيها .
عن أي قيم يتحدث الشيخ،عن اللصوصية التي تغلغلت في معظم مؤسسات الدولة، عن إباحة سرقة المال العام، عن الإحصائيات الدولية التي تقول إن العراق من البلدان التي فيها أكبر عدد من المفقودين، عن ناطحات السحاب التي تزين شوارع العاصمة بغداد، عن حركة السياحة التي ننافس فيها سنغافورة، عن الاقتصاد الذي سنتفوق فيه على اليابان "الكافرة"؟. لم يكتف الشيخ بخطبته العصماء عن دبي وتخلفها أمام العراق، بل أراد أن يضيف بعض التوابل متهماً المثقفين في العراق بأنهم يروجون للرذيلة، وقبل أن تسأل كيف وأين ؟ ، يقول لك الشيخ: إنهم يطالبون بقوانين لإنصاف المرأة.
هل انتهت فصول الكوميديا؟ بالتأكيد لايزال العرض مستمرا ، فالشيخ مصر على أن البناء والتنمية ومحاسبة الفاسدين أمور دنيوية، علينا أن لا نشغل عقول الناس بها، فقط من حق الشيخ أن يتمتع برفاهية الدنيا، أما الذين يسكنون في بيوت الصفيح، والفقراء الذين أخبرتنا إحصاءات وزارة التخطيط قد وصل عددهم أكثر من 10 ملايين مواطن، والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية، فهذه أمور لا قيمة لها أمام القيم التي جاءت بها الديمقراطية العراقية .
المؤسف أن البعض لايزال يعيش عقدة البلدان التي حققت السعادة والرفاهية لمواطنيها.