TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: عقدة دبي

العمود الثامن: عقدة دبي

نشر في: 3 سبتمبر, 2023: 10:22 م

 علي حسين

غريب..! أمر بعض الشيوخ الخطباء، تراه يترجل من سيارة حديثة، خرجت من مصانع الغرب الكافر ، لكنه في الوقت نفسه يسخر من هذا الغرب الذي يحسدنا على ما نتمتع به . يجلس الشيخ على المنبر ينظر في وجوه الناس الذين يريدون الاستماع إلى خطبة تفيض عليهم بالمحبة والرحمة، والتآخي ، فإذا به يطالبهم بان يرضوا بالمقسوم ، ثم يصرخ محذرا :

"هناك من يأتي من دبي أو أوروبا متعجباً، مندهشاً يتحدث عن الشوارع والرفاهية "، يصمت الشيخ قليلاً ثم يضيف: وبعدين". وهذه "البعدين" عند الشيخ هي القيم التي غابت عن هذه البلدان ، حيث يرى الشيخ وهو يستحدم كل أدوات الغرب لتوصيل خطاباته،إن اوربا "الكافرة"تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية، وإنها تتطلع الينا خائفة من مصير مجهول ، ولأن الشيخ لا يريد أن يختفي عن الأضواء، فكان لابد أن ينتهج نهج نعيم عبعوب الذي وصف دبي ذات يوم بأنها مدينة من ورق، وأن بغداد تحت إدارته أفضل من نيويورك وطوكيو معا! بعد سنوات سنشاهد عبعوب يتجول في إحدى مدن أوروبا متنعماً بأموال بغداد التي "لطشها" في وضح النهار، فيما مطار دبي استقبل في الربع الأول من عام 2023، ما يقارب 22 مليون مسافر ، ونشاهد على الفضائيات العالم كله يتجول في دبي ، والشركات الكبرى تبحث لها عن مكان في هذه المدينة التي لا تتوقف حركة العمران فيها .

عن أي قيم يتحدث الشيخ،عن اللصوصية التي تغلغلت في معظم مؤسسات الدولة، عن إباحة سرقة المال العام، عن الإحصائيات الدولية التي تقول إن العراق من البلدان التي فيها أكبر عدد من المفقودين، عن ناطحات السحاب التي تزين شوارع العاصمة بغداد، عن حركة السياحة التي ننافس فيها سنغافورة، عن الاقتصاد الذي سنتفوق فيه على اليابان "الكافرة"؟. لم يكتف الشيخ بخطبته العصماء عن دبي وتخلفها أمام العراق، بل أراد أن يضيف بعض التوابل متهماً المثقفين في العراق بأنهم يروجون للرذيلة، وقبل أن تسأل كيف وأين ؟ ، يقول لك الشيخ: إنهم يطالبون بقوانين لإنصاف المرأة.

هل انتهت فصول الكوميديا؟ بالتأكيد لايزال العرض مستمرا ، فالشيخ مصر على أن البناء والتنمية ومحاسبة الفاسدين أمور دنيوية، علينا أن لا نشغل عقول الناس بها، فقط من حق الشيخ أن يتمتع برفاهية الدنيا، أما الذين يسكنون في بيوت الصفيح، والفقراء الذين أخبرتنا إحصاءات وزارة التخطيط قد وصل عددهم أكثر من 10 ملايين مواطن، والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية، فهذه أمور لا قيمة لها أمام القيم التي جاءت بها الديمقراطية العراقية .

المؤسف أن البعض لايزال يعيش عقدة البلدان التي حققت السعادة والرفاهية لمواطنيها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram