علي حسين
من على شاشات التلفاز نشاهد رجال أعمال عرب واجانب يتبرعون بمبالغ مالية ضخمة لدعم مشاريع خيرية ، ونقلت لنا الأنباء إن الملياردير الأمريكي وارن بافيت ماض في التبرع بكامل ثروته البالغة 65 مليار دولار إلى المؤسسات الخيرية التي تعنى بتطوير التعليم والصحة..
وكنت في هذا المكان قد أشرت قبل سنوات إلى الحملة التي أطلقها بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت تحت عنوان "التعهد بالعطاء" التي طالبت المليارديرات الأمريكيين بأن يتبرعوا بنصف ثرواتهم للأعمال الإنسانية والخيرية.. وهي بالتأكيد نسخة طبق الأصل من حملة مليارديريينا الجدد "التعهد بالنهب" حيث استطاع مسؤولونا "الأكارم" وبنجاح منقطع النظير تحويل ثروات البلاد إلى جيوبهم الخاصة .
طبعا، هناك فرق بين ثروة الأمريكي بافيت وزميله غيتس التي يهبونها لفقراء العالم وبين ثروات أغنيائنا الجدد الذين ينمون بها اقتصاد الدول التي يحملون جنسياتها من خلال حسابات سرية لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، فالمليارات التي تبرع بها ساوريس أو غيتس جاءتهم من استثمارات ومشاريع أقاموها في بلدانهم درت عليهم الثروة، أما ثروات ساستنا فقد جاءت من خطب رنانة ومناورة وانتهازية وفساد مالي، وشعارات طائفية.. ولهذا نحن نظلم أنفسنا إذا حاولنا أن نلبس ثوباً ليس ثوبنا، أو أن نحاول تقليد ساوريس أو غيره، فنحن أمة علمت الناس القراءة والكتابة والفروسية وأيضا كيف يُنتهب مال المدارس والكهرباء والصحة والحصة التموينية في وضح النهار..
لا أتصور أن عاقلاً واحداً يمكن أن يطلب من فلاح السوداني وأيهم السامرائي أو مشعان او حنان الفتلاوي وقبلهم المئات أن يتبرعوا بجزء من غنائمهم لضحايا الإرهاب، أو أن يقرروا إنشاء صندوق لدعم مهجري الموصل وتكريت والأنبار.. فكيف تطلب من صاحب الثروة الحرام أن يفعل خيراً.. وكيف تطلب من مسؤول استغل وظيفته لمنفعته الشخصية أن يوقف مالاً من أجل أبناء جلدته؟!
انظروا أين نحن بعد 20 عاما من الكلام عن التغيير ورفض التدخل الخارجي والمؤامرة الكونية وتأسيس نظام ديمقراطي لعراق جديد من 328 محافظة تسمى كل واحدة باسم نائب، حتى نقيم بعدها الأفراح ابتهاجاً بعرس الديمقراطية وتنفيذاً لوصية السيد إبراهيم الجعفري التي أوصانا بها مشكوراً في آخر خطبة ملحمية له: "لابدَّ أن نُسجِّله عيداً، ونتعالى على كلِّ الجزئيّات".
في كل يوم أعيد على نفسي سؤالاً واحداً: ترى لماذا ينبت التغيير في بلدان العالم وروداً للبهجة والإقبال على الحياة، بينما تحوّل في هذا البلد المظلوم "العراق" إلى سُحب من الكآبة والخوف من المستقبل المجهول؟.. للأسف الطبقة السياسية في العراق لم يشغلها مستقبل الناس ولا احتياجاتهم بقدر انشغالها بمعارك المحاصصة الطائفية والانتهازية السياسية