علي حسين
هل يُمكن لشخص يحكم بسلطات مطلقة أن ينجو من الفساد الذي تولده هذه السلطة المطلقة نفسها؟ هذا السؤال ظل يؤرق ماركيز لأكثر من عشر سنوات، فأراد أن يجيب عليه من خلال روايته "خريف البطريرك " التي أراد أن تكون صفحاتها كلها جواباً على سؤال من هو المستبد؟ يقول ماركيز لصديقه يلينيو مندوزا "ما من مستبد يمكنه أن يحكم إن لم تكن هناك بطانة تهتف لكل فعل يقوم به، لا تنظر إليه إلا عبر صورة رسمتها له، على رغم تناقضها الكلي مع صورته الحقيقية عند الناس".
يعيش المسؤول الفاشل في عالم من الوهم ينسجه له المقربون من حوله.. يصنع عالمه الخاص ويعيش فيه، يتوهم أن وجوده يحقق الازدهار للبلاد أما المصفقين له والمقربين منه فنراهم أمام شاشات الفضائيات يبثون الفرقة ويعيدون إنتاج اللفشل.. حاشية المسؤول أو السياسي لا تجد نفسها إلا وهي تدور حول فلك القائد الملهم.. ويستبد بها الحماس أحياناً بأن تطالب باستنساخ هذا القائد، فيما يصر البعض أن هذا المسؤول من المصلحين في الأرض، لتضيف على مسؤول حكومي هالة من التبجيل والقداسة.
في ظل هكذا مقربين وساسة تصبح السياسة في العراق كأنها أوراق متناثرة من كتاب "الأمير" لميكافيللي كل واحد يريد أن يصبح جزءاً من نظام تسلطي، نظام لا مكان للبسطاء فيه، إلا بالشعارات والخطب وراء الميكرفونات.. فلا واجبات ولا مسؤوليات تجاه هذا الشعب، بل "منّة " إذا تنازل المسؤول وتمشى وسط حماياته في أحد الشوارع، ومنّة اذا تواضع وتحدث مع الناس عبر سياج من الحمايات المدججين بالسلاح، ومنّة إذا تكرم وحضر اجتماع للبرلمان ليناقش قانوناً يهم الملايين، ومنّة إذا وافق أن يصافح المختلفين معه في الرأي.
إن نيل المكاسب هو القيمة التي تسود ويعمل على شيوعها وتعميمها أولئك الذين يعتبرون الولاء بديلاً للخبرة والمعرفة وللوطنية، ومع أن هذا الولاء قد يرتدي قناع الحزب الذي يصنعه الحاكم أو يستخدمه لتصنيع نفسه، وليس من المستغرب أن يرى الحاكم المستبد أن القرابة هي الضمان الأول للولاء، ولهذا يكون أقرباؤه هم حاشيته وهم أول المستفيدين، تعمل الحاشية على إيهام الحاكم بأنه محبوب من الجماهير وذلك من خلال الحشود المسخرة بفعل الإرهاب المنظم لمظاهرات التأييد.
مشكلة المسؤول النرجسي والفاشل هي انعدام التواصل مع الناس، وفي عدم الثقة بالجميع وفي الاعتقاد بأن خطبه يمكن أن تكون بديلاً للمدارس والطرقات والصحة والأمن والرفاهية الاجتماعية.. في بلد المستبد الجميع يتقاتل على حقائب مليئة بالمناصب والغنائم.. وفي هذا التهافت ينسون أن هناك شعباً يعيش على حافة الخطر.
في العراق اليوم تتحول الدولة إلى حلم للمنتفعين والانتهازيين والسراق ممن يجدون مصلحتهم في مغارة علي بابا.