علي حسين
في 22 آذار 1945 اقترع البريطانيون على خسارة تشرشل الذي قاد بلادهم إلى النصر في الحرب العالمية الثانية.. لم يفعل صاحب شارة النصر الشهيرة، شيئاً سوى أن قال لسكرتيرته: "ماذا نفعل ياعزيزتي.. إنها الديمقراطية التي ستجعلني أنصرف إلى هوايتي المفضلة.. الرسم والكتابة".
وبعد سنوات يقترع الفرنسيون ضد التعديل الدستوري الذي اقترحه ديغول.. ولم يفعل الجنرال الذي حرر فرنسا من الألمان سوى أن وجه رسالة قصيرة للشعب جاء فيها: "اعتبارا من اليوم أتوقف عن ممارسة عملي رئيساً للجمهورية الفرنسية". في عراق اليوم تصرّالعديد من أحزاب السلطة التي فتحت لها أبواب مغارة علي بابا، على المضي قدماً في إعادة إنتاج نظام فاشل لكنه مستبد، ولهذا نرى هذه الأحزاب ترفض التخلي عن كراسي السلطة محذرة من أن تتحول البلاد إلى فوضى، كما ردد ولا يزال يردد السيد نوري المالكي.
لا أريد من هذا المقال، مقارنة ساستنا بديغول أو تشرشل.. فأكيد لا أحد منهم لديه هواية الرسم والكتابة.. وأيضا لا أحد منهم يؤمن بأن السياسي يمكن أن يتقاعد ويجلس في بيته.. فنحن لا نملك برلماناً يذهب إليه المسؤول ليقدم كشف حساب بما قدمه للناس.. وما من قضاء يحاسب المخطئ.. لا شيء سوى دولة رئيس مجلس الوزراء، ومعالي مقربيه الذين أضاعوا عشرة أعوام من أعمارنا.
من سوء الحظ أنه بعد سنوات ما يزال الكثير من سياسيينا يمارسون لعبة الضحك على عقول البسطاء، ومن سوء الحظ أيضا أن مسؤولين كباراً يتغنون بالديمقراطية كل صباح لكنهم لا يمانعون من الانقضاض عليها حين تتعارض مع مصالحهم الخاصة.
ما الذي علينا أن نتعلمه من تجارب الشعوب؟ إن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالعدالة الحقة لا مكان لها في ظل رجال يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الاعتقاد، بأنه لا خيار أمام الناس سواهم.. لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الفشل على معظم أرجاء العراق.
اليوم الناس بحاجة إلى بناء دولة حديثة. وهذا يعني أن كل "البكتيريا" المضرة التي تكونت على جسد مجالس المحافظات، لا بد من مكافحتها وإزالتها بأجود أنواع "مبيدات" الديمقراطية.. فلا مكان لمسؤول وسياسي يعتقد أن المنصب فرصة للإثراء بسرقة البلاد.. فالمكان فقط لدولة، تتحقق فيها الحريات العامة، ويجد فيها المواطن مناخاً للتعايش لا للسيطرة من طرف واحد. هذه هي الدولة الحقيقية التي لن تقف في انتظار إشارة مرور من محمد الحلبوسي، أو موعظة من حنان الفتلاوي، او مراسيم كوميدية من رئيس الجمهورية !