علي حسين
منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن البلاد العجيبة اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا مروراً بكنزابورو أوي وميشيما، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي، وكنت مثل كثيرين أعتقد أنّ اليابان حصلت على جائزة نوبل للآداب فقط، فإذا بها حصدت منذ عام 1949 وحتى العام الماضي أكثر من 30 جائزة توزعت في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، شعب يكتب بحروف عجيبة، لكنه يقدّم لنا كلّ ما يسهّل علينا الحياة.
بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره "العمل حتى الموت"، اليوم الحكومة اليابانية تواجه مشكلة باقناع المواطنين بأن يتوقفوا عن العمل ولكن المواطن الياباني يصر على العمل لساعات متاخرة. ولا تسأل ياسيدي القارئ لماذا نحن أفضل من اليابان عندما قررنا أن يتمتع العامل والموظف بمكرمة عبارة عن "عطلة بين عطلة وعطلة".
وعلى ذكر اليابان وعجائبها كنت أعيد قراءة كتاب ممتع بعنوان "العرب من وجهة نظر يابانية" كتبه البروفيسور "نوبواكي نوتوهارا" وهو باحث وأستاذ جامعي قام بجولات كثيرة في بلدان العرب، اطلع على حالهم وأحوالهم.. السيد "نوتوهارا" يخبرنا أنهم في اليابان يعجزون عن فهم، كيف لا يحترم المسؤول القانون ويذكر السيد نوتوهارا مثلاً من بلاده فيكتب: "أذكر مثلا في تاريخنا القريب السيد تاناكا من أقوى الشخصيات التي شغلت منصب رئيس الوزراء عندنا. لكن الشرطة اعتقلته من بيته وذهب إلى السجن بالقبقاب الياباني، عندما اكتشفت الصحافة فضيحة لوكهيد، حيث حوكم وسجن كأي مواطن عادي".
ما هذه الإساءة أيها البروفيسور الياباني؟ هل تعتقد أن المسؤول مواطن عادي يمشي على الأرض؟، إنه ملاك، لا يأتيه الباطل، وإذا أخطأ، فإن الشعب هو السبب لأنه يريد منه مستشفيات وسكن وطرقات وعمل ومدارس حديثة، والمسؤول العراقي مشغول بإرشاد الشعب إلى الطريق المستقيم ومحاربة الانحلال ونشر الفضيلة .
في حوار تلفزيوني عرض قبل أيام مع إحدى الفضائيات العراقية يشكو السفير الياباني في العراق من الصداع الذي يعانيه بسبب عدم معرفته ما يدور في العراق من تخبط، ويخبرنا أن التبادل التجاري بين العراق واليابان صفر في صفر، اذكركم ان حجم الاستثمارات المتبادلة بين اليابان والسعودية تقترب من 200 مليار دولار.
وأعود لكتاب البروفيسور نوتوهارا الذي يخبرنا أنه لاحظ أن الدين أهم ما يتم تعليمه عند العرب، لكنه للأسف لا يستخدم في منع الفساد.. فالمسؤول فاسد جداً ومتدين جداً.
نحن ياسيدي لا نزال نشاهد المسؤول العراقي يظهر بكل ترفه وهو يوصينا بالحذر.. بعد 20 عاماً من الديمقراطية تبين أن هناك أكثر من عشرة ملايين عراقي تحت خط الفقر ومحموعة مليارديرية تكونت ثرواتهم من سرقة اموال هؤلاء الفقراء .