علي حسين
الجميع في بلاد الرافدين يتحدث عن طريق الحرير، وكيف أننا أضعنا فرصاً للتقدم، وتجد من يكتب المعلقات في فوائد هذا الطريق، ومعها بالتأكيد حديث عن الانجازات الكبيرة التي كان يمكن أن يقدمها السيد عادل عبد المهدي لولا تظاهرات تشرين التي جعلته يترك كرسي رئاسة الوزراء..
ووسط هذه الضوضاء، لا أحد يريد أن يعرف لماذا تخلفنا بينما العالم يتقدم من حولنا؟ والأهم لا أحد لديه الوقت ليدرس تجربة الصين وكيف تحولت من بلد زراعي فقير إلى أكبر قوة اقتصادية في العالم .
تقدم الصين كل يوم دروساً جديدة للعالم، فقد تمكنت من توجيه أكثر من مليار إنسان نحو ستراتيجية اقتصادية ودولية أذهلت الجميع، لم تعد الشيوعية إلزاماً في الصين ولكنها تجربة في محاولة إيجاد الرغيف الواحد على مائدة أكثر من خمسة أفراد في بلد يتجاوز المليار نسمة، فمارست التطوير وتعديل المسارات، حتى وصل الأمر أنه يندر وجود منزل في العالم لا توجد فيه قطعة صنعت في الصين.
أراد "دنغ كسياو بنغ" وهو يبني الصين الحديثة أن يفيد من تجربة دول مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية. سافر إلى طوكيو والمدن الأخرى. وزار الشركات الكبرى وفي النهاية اكتشف أن هناك روابط بين اليابانيين والصينيين إنهم شعوب يحبون العمل والنظام أكثر من أي شعب آخر في العالم.. أدرك الزعماء الصينيون أن التنمية هي فرصتهم الوحيدة، فتبنوا مبدأ العمل المتواصل ريثما يلحقون بركب الدول. لكن المعجزة الصينية لم تتحقق نتيجة عمل قلة متربعة على القمة، بل إن الشعب الصيني كله شارك في العزم والتصميم لإثبات قدرته على النجاح. ليست أسطورة أو خرافة أن الصينيين يعملون كفريق أو شركة واحدة، فلكل فرد دوره المحدد ومكانه الدقيق والمناسب. يقول توماس فريدمان: "إن المشكلة التي تقلق الأمريكان، أنهم يواجهون شعباً من المهرة والحرفيين، لا يتنقلون من عمل إلى آخر ولا يتغيبون إلا في حالة الطوارئ القصوى"..
لايريد البعض أن يعرف أو يفهم أن الصين تحولت في خلال العقود الأخيرة من بيوت بسيطة إلى مدن تضاهي نيويورك وباريس ومن دولة تسبح في شوارعها الدراجات الهوائية، إلى بلد يسعى لشراء جنرال موتورز.
إنها حكمة العصر الحديث. لقد بدأ العصر الصيني في البزوغ، في الوقت الذي يتراجع فيه العصر الغربي، سيذهل القارئ حين يعرف أن 70% من أشهر الماركات العالمية تصنع في مدن نائية في الصين.
أكتب عن الصين وانا اشاهد جماعة " طريق الحرير " يصرخون في الفضائيات دون ان يعرفوا ان مشكلتنا اليوم ليس في السير في طريق الحرير ، وانما في السير بطريق العلم ونبذ الجهل والخرافة والطائفية والمحسوبية ، والايمان بان عادل عبد المهدي لا يختلف عن سابقيسه أو لا حقيه سوى بقدرته على خلط الاوراق.