علي حسين
ما أن يصدر كتاب جديد للفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، حتى تجدني أبحث عنه في المكتبات فأنا أحرص على أن أقرأ وأتمعن في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذه الفيلسوفة التي كانت تمني النفس أن تصبح روائية، فهي تحفظ مقولة سارتر الشهيرة أن الأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، عندما أقرأ جديد جوديث بتلر أو سلافوي جيجيك أو ما ينشره الهندي أمارتيا سن، كنت دائماً أسأل نفسي من هو المثقف الحقيقي؟
دائما ما يطرح هذا السؤال : من هو المثقف ؟ هل هو الملتزم بقضايا الناس ، أم الذي يدور حول فلك الساسة والمسؤولين ، ام الذي يدافع بشراسة عن المضطهدين والمظلومين في هذا العالم؟ هل هو الكاتب الذي يكتب للنخبة ، ام الباحث عن السلطة والمال والمكانة الاجتماعية ؟
تذكرت نموذج هذا المثقف وأنا أقرأ مقال جوديث بتلر الالذي نشرته قبل ايام ، تؤكد فيه على ان ما يجري في غزة هو إبادة جماعية :" فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضاً السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير"
جوديث بتلر التي تعمل اليوم أستاذة في جامعة كاليفورنيا، تعيش في مدينة بيركلي، كتبت مقالاً بعنوان "بوصلة الحداد"، تقول فيه إن هناك من يستخدم تاريخ العنف في المنطقة ليبرئ اسرائيل ، فهي ترى ان العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين هو شيء طاغي:" فهناك القصف المستمر بلا هوادة وقتل الناس من كل الأعمار في بيوتهم وفي الشوارع والتعذيب في سجونهم وتقنيات التجويع في غزة والاستيلاء على البيوت. وهذا العنف بكل أشكاله هو موجه ضد ناس معرضين لأحكام الفصل العنصري " . وتضيف؛ هناك تاريخ من العنف في المنطقة يتراوح ما بين ضربات جوية ممنهجة ومستمرة واعتقالات قسرية وعمليات قتل استهدافية، مما أجبر ذلك الفلسطينيين على العيش في دولة موت على نحو بطيء.
نقرأ مقال بتلر فنرى كيف يفهم المثقف الحقيقي دوره في المجتمع ، وكيف يتغلب على مفردات مثل القومية والعشيرة والحزب ، الفيلسوفة اليهودية تنتقد ما يجري ضد الفلسطينيين ، دون ان تفكر ولو للجظة واحدة انها يجب ان تدافع عن " جماعتها " كما يحصل عندنا ، عندما ينحاز المثقف العراقي لطائفته وعشيرته .
في شقتها المطلة على البحر تتأمل بتلر في العالم الذي استحال أمامها إلى مريض يحتاج إلى جراحة سريعة لإزالة ورم خبيث من جسده، اسمه اللامبالاة والانحياز للظلم، وتؤكد على أن الحديث عن فكرة عقاب جماعي لشعب ، إنما سيجلب مظالم جديدة ويؤجج نار العنف في العالم.
اليوم عندما نرى الجهل يتفشى والمحسوبية تتمدد والانتهازية تسيطر على حياتنا ، فان هذا بالتاكيد سببه قلة المثقفين الشجعان، وكثرة الأدعياء الذين يحشون أفكار الناس بالفشل والجهل .