TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: زمن اعتقال

العمود الثامن: زمن اعتقال

نشر في: 13 ديسمبر, 2023: 12:23 ص

 علي حسين

كنت أنوي أن يكون عنوان المقال "زمن جميل مضى"، ولكني خفت، ربما يتهمني البعض بأنني من أنصار العهد المباد، وأحن للماضي وأتأسى عليه، وهذه التهمة أصبحت جاهزة اليوم لاجتثاث أي مواطن، لا يعجبه العجب من تطورات الديمقراطية العراقية، لكن أعذروني أيها السادة، الجديد الذي نعيشه باهت، بلا لون ولا طعم، ولهذا نتأسى لرحيل الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم والمصائب. نتمنى أن نُصبح دولة سوية تُكرّم الذين يستحقون التكريم، وأن لا يُصر النظام السياسي في بلاد الرافدين على اعتبار الفشل والأزمات دليلاً على النجاح.

غادرت اعتقال الطائي عالمنا بعد أن أثقلت حياتها الخيبات والمرض، أدار الوطن لها ظهره، لكن صورة الفتاة الجميلة القادمة من مدينة الحلة ظلت تشغل المشاهدين الذين يجلسون امام الشاشة ينتظرونها مساء كل يوم أحد.

انتقلت من فن النحت الذي درسته في كلية الفنون الجميلة، إلى فن مخاطبة الناس. وعندما اكتشفها الصحفي اللامع علي زين العابدين اكتشف معها أيضا محبة العراقيين للسينما الحقيقية، وليست سينما اليوم التي استبدلت كيرك دوغلاس وصوفيا لورين وبندر تشوك وفاتن حمامة، بعالية نصيف ومثنى السامرائي وبطل أفلام الأكشن مشعان الجبوري، فيما احتكر عباس البياتي ومحمود المشهداني وعتاب الدوري البطولات الكوميدية بامتياز.

تحوَّلت اعتقال الطائي إلى وجه محبوب يتابعه العراقيون، مثلما يتابعون بلهفة إطلالة مؤيد البدري ورياضته الأسبوعية التي منذ أن تركها، لم يعد أي برنامج رياضي يثير اهتمام العراقيين. باستثناء برامج الردح السياسي التي انتشرت منذ سنوات، فيما قررت القنوات الفضائية استبدال اطلالة مؤيد البدري ببرامج الابتزاز الرياضي، زمن كان فيه كامل الدباغ ياخنا في سياحة علمية ، والهادئة خيرية حبيب وهي تتجول في دهاليز الفن، وإطلالة الحاج راضي الذي كانت الأنظار تذهب إليه، والضحكات تجلجل في حضرته.

كانت اعتقال الطائي مغرمة بما تقدمه، سواء في التلفزيون، أو الكتابة أو المواقف الحياتية، تعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، وإنساناً يبذر الخير لمجتمعه. لم تكن المذيعة صاحبة الابتسامة الهادئة تتوقع انها ستعاني من غياب رعاية الوطن واهتمامه بعد غياب الدكتاتورية، في الوقت الذي ينعم فيه نُواب الوقت الضائع وسياسيي "ما ننطيها" بخيرات هذه البلاد.

نستذكر زمن اعتقال ونتأسى عليه، لأن الحاضر الذي نعيشه يحيط به الخراب، بلا لون ولا طعم، ونبحث عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم ومفردات الانسداد والانبطاح. ونتمنى أن نُصبح دولة سوية تكرم الذين يستحقون التكريم، ولا تنشغل بالبحث عن من يجلس على كرسي رئاسة البرلمان بعد أن يقدم التنازلات لاصحاب القرار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram