TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الخوف من المجتمع المدني

العمود الثامن: الخوف من المجتمع المدني

نشر في: 18 فبراير, 2024: 10:52 م

 علي حسين

شاعت في الآونة الأخيرة خطابات وكتابات تسخر من مفهوم المدنية وتعتبره دخيلاً على المجتمع ،وذهب البعض إلى اتهام دعاة المدنية بأنهم يريدون نشر الكفر والرذيلة وإشاعة الفسق حسب مفهوم أحد قادة حزب الدعوة – عامر الكفيشي – ، والسؤال الذي يجب أن نطرحه في هذه المرحلة ونحن نرى الكثير من الأحزاب الدينية تحاول أن تنزع جلدها وتستبدله بجلد جديد مكتوب عليه عبارة مدني .. من هو الإنسان المدني؟

 

بداية علينا أن نعرف كلمة ”مدني” كما جاءت على لسان فلاسفة التنوير وتعني الحر، وهي مشتقة من كلمة رومانية تشير إلى الإنسان الذي يسلك سلوك أهل المدينة ويقول إيمانويل كانط في كتابه ” ما هو التنوير ” إن : ” المواطن المدني المستنير في المجتمع المدني ، هو الذي يتحلى بالجرأة على استخدام العقل المستقل ذاتياً ، المبرأ من انحيازات عرقية أو طائفية أو دينية أو طبقية .. إلخ ، فهذه هويات خاصة طائفية جزئية"

ربما هذا هو أشمل تعريف للمواطن المدني ، وهو التعريف الذي وضع القواعد الأساسية للثقافة المدنية والمواطنة المدنية .. فالمواطن المدني حسب تعريف الفيلسوف الفرنسي ديدرو في موسوعته ، هو الذي لا يتكلم بلسان طائفة أو طبقة أو عقيدة ، بل بلسان المجتمع العام المتحرر من الالتزامات والانحيازات الجزئية الطبقية ، ولهذا يكون حديثه عن الجميع وللجميع ، من منطلق الهوية المدنية .. هوية المرء كعضو في مجتمع فعال وإنساني .

علينا أن ندرك جدياً أن المجتمع المدني ليس ضد الدين ، بل هو مجتمع يتسامح مع المعتقدات والعبادات مادامت لا تتدخل في إدارة الدولة ، فهو مجتمع ضد تسلط رجال الدين وليس ضد الدين كفكرة وعقيدة ، وهو ضد تحقيق المصالح الشخصية والفئوية باسم الدين ، فرجل الدين بشر تحكمه أحياناً مصالحه وانحيازاته الشخصية . ولهذا نجد في المجتمعات المدنية وخصوصاً في الغرب كيف تتمتع الأديان بحريتها ، بدليل أن معظم رجال الدين الذين هربوا من مجتمعاتهم ” المؤمنة ” في الشرق ، يعيشون برفاهية واحترام في الغرب ” الكافر ” الذي يشتمونه من على منابرهم .

تسود المجتمع المدني ثقافة خلاقة وفعالة للمواطن، وهي ثقافة تُلزم الدولة بمعاملة جميع المواطنين باعتبارهم أحرار متساوين ، حيث أن شرعية السلطة هي رهن إرادة المواطن الحر .

والمواطن في المجتمع المدني تصوغه ثقافة سياسية تدعم الفضائل المدنية مثل التسامح إزاء اختلاف الرأي والعقيدة ، وتحكيم العقل ومصالح المجتمع والإيمان بمسؤولية وحق الآخرين الذين هم أحرار عن أفعالهم ، ورفض ومنع كامل لأي امتيازات أو انحيازات لمنصب أو عقيدة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    هذه المفاهيم الاخلاقيىة والانسانية للمدني ،لا يفهمها ولايقبلها من المتحكمين في السلطة

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram