اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > جيل الهشاشة النفسية في عصر نظم التفاهة

جيل الهشاشة النفسية في عصر نظم التفاهة

نشر في: 13 إبريل, 2024: 09:19 م

د. قاسم حسين صالح

تحديد مفاهيم

(الهشاشة النفسية)

تعني سمة او صفة في شخصية الفرد تتضمن: عدم كفاءة الذات، الأنجراح النفسي بسهولة، عدم ثبات المشاعر، لوم الذات، الشعور بعدم الراحة، سرعة الأنفعال، والميل الى طغيان المشاعر الصعبة على صاحبها بسهولة.

ولها مرادف آخر هو الهشاشة الأنفعالية.

وتعني وقوع الفرد بسهولة تحت سيطرة المشاعر الصعبة، وعدم قدرته على التعامل مع الانفعالات الشديدة التي تحصل له في المواقف الحياتية الصعبة، وتضخيم ما يحصل له من مواقف او ضغوط، فنقد خفيف يوجه له يتحول عنده الى كارثة، ولحظات من القلق تتحول عنده الى يوم من التوتر والفزع، فضلا عن تغيرات سريعة في المزاج.

نظام التفاهة

مصطلح مستعار من الفيلسوف الكندي (د. آلان دونو) يتضمن فكرة اننا نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام ادى، تدريجيا، الى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة.

تنويه:

يتحدث هذا المقال عن اكثر من مليار شاب ومراهق في بلدان تحكمها انظمة تافهة بضمنها الدول العربية، وينبّه الى ان العالم مقبل على ظهور بشر يختلف فكريا وسلوكيا واجتماعيا واخلاقيا ودينيا وسياسيا عن كل عصور تاريخ البشرية، وينذر بخطر ان يتحول الانسان في جوهره الى كائن غير بشري..والأخطر ان انظمة التفاهة الحاكمة والناس بشكل عام غير مدركين لهذا الخطر، لأن همّ الحكّام هو البقاء في السلطة وكنز المزيد من الثروة، ولأن الناس منشغلة بتدبير حياتهم اليومية.

التحليل

تساؤلات عن جيل هش

هل صار جيل الالفينات (المراهقون والشباب) مدللا مقارنة بجيل 1950 وما قبله؟

وهل صار يميل نحو تضخيم مشاكله الحياتية (الألم مثلا)التي كانت الاجيال السابقة تعتبرها عادية؟ وهل نحن امام جيل هش لا يقوى على تحمل اعباء حياته الخاصة وليست له القدرة على تحمل مسؤولية أسرة ولا تحمل دوره في تطوير مجتمعه؟ وهل صار لا يحمل رسالة انسانية ولا قضية وطنية يمكن ان يضّحي بحياته من اجلها كما كان يفعل اجداده؟.

في كتابهما (تدليل العقل الأمريكي 2018) شخّص جريج لوكانيوف واستاذ علم النفس جوناثان هايدت احدى نتائج الهشاشة النفسية لدى جيل الالفينات بقولهما ان شباب وفتيات هذا اليوم يضخّمون اية مشكلة في حياتهم لدرجة تصويرها بانها كارثة وجودية اصطلحا على تسميتها بـ(Pain Catastrophizing)..

وما يفعله هذا التضخيم في جيل الالفينات الهش ان وقوع احدهم في مشكلة تجعله يؤمن ان ما حدث له هو اكبر من قدرته على التحمّل،وانه حين يلتقيك يصف لك المشكلة بمفردات مبالغ فيها وبأوصاف سلبية لا وجود لها الا في مخيلته، وانها اكبر من طاقته مع انها تعدّ عادية جدا لدينا نحن الكبار حين كنا بعمره.

وما يفعله هذا التضخيم فيه انه يجعله يعيش كابوسا من الشعور بالتحطم الروحي والانهاك النفسي لا سبيل للخروج منها، ويحس بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة والاستسلام للألم بسبب هذه المشكلة.

ويورد الكاتب الدكتور اسماعيل عرفة امثلة واقعية على ذلك نلتقط منها مثالين،الأول: شكت طالبة بكلية الطب برسالة وجهتها لطبيب نفسي (ارجوك ساعدني، انا غبية جدا، لا اعرف كيف اتكلم مع ناس، وردودي احيانا سخيفة، لكني صافية من داخلي والله..انا 22 سنة وفي كلية الطب). وكان رد الاستشاري النفسي (هذه مجرد تهيؤات، ودعك من جلد الذات، ستعلمك الحياة مع الزمن كيف تتعاملين مع المواقف).

والثاني:سؤال موجه لرجل دين (يا شيخ، عمري 21 سنة وأرى الدنيا كلها مظلمة وخانقة، وغير قادر على العيش..انا تعبت،ونفسيتي متدمرة، وأرى كل شيء سوادا. انا قريب من ربنا الله، لكني اشعر اني محتاج لامرأة تكون معي، لكن صعب الزواج والظروف صعبة). ويعلق الدكتور عرفة بأن المشكلة هنا ليست في احتياجه للزواج، فهو مطلب فطري وضروري، وانما المشكلة في تعطيله لكل شيء في حياته فقط بسبب احتياجه للزواج.

ان مثل هذه الحالات النفسية تحصل في كلّ، الاجيال لكنها صارت شائعة في جيل الالفينات، بحيث يصورها وكأنها نهاية العالم بالنسبة له. والملاحظ ان هذه المشاكل تأتي من شباب وفتيات تجاوزوا عمر العشرين..ما يعني انهم تجاوزوا مرحلة المراهقة وانتقلوا الى مرحلة النضج.

مراهقون..في العشرينيات!

يتفق علماء النفس وعلوم الحياة على ان مرحلة المراهقة تبدأ بعمر 14 سنة وتنتهي بعمر 18 او 19 سنة. ويخبرنا علماء اميركيون وبريطانيون وكنديون بأن فترة المراهقة تمتد في الجيل الحالي الى منتصف العشرينيات! ما يعني ان الشاب او الفتاة يكون في عشرينيات عمره مراهقا في مشاعره، وفي تعامله مع مشاكله الحياتية اليومية وضغوطها النفسية، وفي علاقاته مع الاخرين ومع الجنس الاخر..

ما يعني ان طالب او خريج الجامعة في جيل الهشاشة النفسي هذا يساوي في مشاعره وفهمه للحياة والناس أيام كان والداه طلبة اعدادية!

وتساءل العلماء الاجانب المعنيون بهذا الشأن عن سبب استمرار مرحلة المراهقة طوال هذه المدة، ولماذا تأخر نضجهم النفسي والفكري ونموهم العقلي وتفاعلهم الاجتماعي الى تسمية هذا الجيل بجيل رقائق الثلج Generation Snowflake

لأن رقائق الثلج هشة جدا وسريعة الانكسار،لا تتحمل اي ضغط، ويعني سيكولوجيا انه هش نفسيا..يتحطم شعوريا عند اول ضغط حياتي يواجهه، وانه يشعر بالضعف في مواجهة صعوبات الحياة، ولا يعرف كيف يسيطر ويتغلب عليها،ويصل نفسيا الى ان يلعب دور الضحية.

وتوصل علماء آخرون الى ان جيل الهشاشة هذا يطغي عليه شعور قوي بالتفرّد والتميز والريادة، وانه صاحب استحقاق..يريد من الاخرين معاملة راقية له، وحفاوة بالغة، وولاءا خالصا لافكاره. بل ان عددا من المراقبين توصلوا الى ان هذا الجيل يرفض ان يكبر! بمعنى انه يرفض ان يتولى مسئوليات مرحلة الرشد، ويظل طفلا في تعامله مع متطلبات الحياة،وينهار عند اول مواجهة حقيقية مع مشكلة حياتية اطلق عليها الكاتب دان كيلي في كتابه Men Who Have Never Grown Up متلازمة (بيتر بان) اشارة الى عدم رغبة جيل الشباب في النضج، وتصرفهم بشكل غير مسئول امام واجباتهم الحياتية،ورغبتهم الدائمة في التهرّب من اي ضغط حياتي ما يجعلهم اطفالا كبارا في المجتمع.

الأنترنت.. سبب

لا يعنينا هنا تاريخ الأنترنت يوم قررت وزارة الدفاع الأمريكية انشاء شبكة اتصالات لأغراض امنية عام 1969، يديرها جيل الكبار، وكيف بدأت تقديم خدماتها للناس بدءا من عام 1985 لتصبح اكبر شبكة في تاريخ البشرية، فما يهمنا هو سوء استخدام الأنترنت وما احدثته من هشاشة نفسية في جيل الألفينات..نوجز اخطرها في ادمان الأطفال على العاب الفديو الذي اعتبره الأطباء مرضا نفسيا حقيقيا، ولها خطر اجتماعي هو ان هذه الألعاب تصبح وسيلة تواصل بين الأطفال بدلاً من التواصل بين الناس في عالم الواقع، فضلا عن انخفاض مستواهم الدراسي بسببها.

ولأول مرة في تاريخ البشرية يجري التشهير والتفضيح لجيل الألفينات(اطفال،مراهقون، شباب) يصل في دقائق الى الملايين يؤدي الى العزلة والأكتئاب والأغتراب والأنتحار. وقد شاعت هذه الظاهرة في اميركا وحظيت باهتمام السينما الأمريكية فانتجت فلما دراميا عنها

بعنوان Disconnect نبه الأمريكيين الى العلاقات والاتجاهات التي تم تدميرها بسبب اساءة استخدام الأنترنت.

وظهر ما يعرف بالمخدرات الرقمية – الألكترونية.. نغمات موسيقية صاخبة يتم تحميلها على مشغل الأغاني المدمجة المختلفة ويبدأ المراهق والشاب يستمع إليها في غرفة خافتة الإضاءة عبر سماعات خاصة للإذن في حالة استرخاء بعد تأثير ذبذبات النغمات على الدماغ نتيجة التفاعلات الكيميائية والعصبية فيشعر بحالة نشوة التخدير مثل الذي يتعاطي المخدرات الحقيقية.

واسهمت الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل (فيسبوك، تويتر، انستغرام...)بان جعلت من كثير من تافهي مشاهير السوشيل ميديا والفاششينستات يظهرون لنا بمظهر (النجاح) الذي حققوه فعلا وفقا لمعياري المال والتفاهة، لا كما كانت معايير الأجيال السابقة القائمة على العمل الجاد وحسن الخلق والعلم والثقافة والفن..ما يؤكد صحة مقولتنا بأن جيل الألفينات مصاب بالهشاشة النفسية.

نظم التفاهة

تسهم نظم التفاهة في تعزيز الهشاشة النفسية لدي جيل الانترنت، حيث يشكل العمل السياسي بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير.. المساحة الخصبة لازدهار نظام التفاهة كما يؤكد (الان دونو) صاحب كتاب نظام التفاهة، الذي يضيف بأن التافهين لا يجلسون خاملين، بل هم يؤمنون بانهم يعرفون كيف يعملون بجهد..ويصل الى القول بان التفاهة تشجعنا بكل طريقة ممكنة على الاغفاء بدلا من التفكير، والنظر الى ما هو غير مقبول وكأنه حتمي، والى ما هو مقيت وكأنه ضروري..وتحيلنا في النهاية الى اغبياء، ليؤكد صحة مقولتنا بأن انظمة التفاهة عززت الهشاشة النفسية لدى شباب هذا الجيل..

واذا ما ادركنا ان هذا الجيل هو الذي سيحدد مستقبل الوطن، فأن المسئولية الوطنية والأخلاقية والأجتماعية تدعونا الى ان نتدارك ذلك بمقترح لجريدة المدى تبادر فيه الى عقد ندوة علمية يشارك فيها علماء النفس والاجتماع والمفكرون ورجال الدين والصحفيون والأعلاميون وممثلون عن الحكومة والبرلمان لوضع استراتيجية تضمن احتواء ظاهرة الهشاشة النفسية لدى جيل يشكل ثلثي المجتمع وعليه يتوقف مستقبل اغنى بلد بالمنطقة واول بلد في تاريخ الحضارات في العالم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram