 بغداد / مؤيد الطيب

في ظل التدهور المستمر لحالة المواطن، وتذمره اليومي من الوضع بصورة عامة، في كل جوانبه الاقتصادية والسياسية والامنية والخدمية، فوجئ الكثيرون وهم يرون دراسة تقول إن شعبنا هو من أسعد الشعوب في العالم، حيث أكدت دراسة بريطانية سعادة الشعب الذي جاء ترتيبه في المرتبة 36 من بين 151 من بلدان العالم في تمتعه بالسعادة.

واعتمدت الدراسة على اطر جديدة لم تألفها الدراسات الاخرى، حيث لم يتم التركيز فيها على الرفاهية المادية ومستوى الخدمات الموجودة في البلدان، بل اقتصرت الدراسة على حرية التعبير و أوقات العمل ونوعيته، بالاضافة الى الترابط الاسري والاجتماعي، فيما اعتبر نواب ومراقبون ومختصون إن هذه الدراسة لا تمت لحال المواطن بأي صلة، واصفين إياها بـ"غير الدقيقة"، ومعترضين على ماجاء فيها من الترتيب وأسموها بـ"الكوميديا السوداء".
واعتبرت عضو لجنة حقوق الإنسان النائبة أشواق الجاف إن التقرير الصادر عن المنظمة البريطانية، غير دقيق، رغم احترامها له، لكنها أوضحت إن التقرير أما أن يكون خاطئا أو ربما اعتبر حجم الألم لدى المواطن معكوسا وقاسه أو اعتبره سعادة.
وأكدت الجاف في اتصال هاتفي مع "المدى" إن "حرية التعبير التي يتكلم عنها التقرير غير موجودة، حيث وصلت لمجلس النواب، فنحن أيضاً في البرلمان نعاني من قمع للحرية ولا نستطيع أن نتكلم بكل صراحة، والكثير من النواب لا يستطيعون إبداء آراءهم بوضوح وبصدق، فكيف بحال المواطن مع حرية التعبير وأنا كنائبة أجد ما يقيدني ويحجّم حريتي".
وأوضحت الجاف إن "الروابط الأسرية موجودة فعلاً لكن مع استمرار الكوارث التي خربت نفسية المواطن، من هجمات إرهابية وحروب طائفية مرت عليه، وجوع وفقر وازدياد بنسبة الجريمة، أدى ذلك إلى التأثير بشكل سلبي على نفسية المواطن وأثر على الروابط الاجتماعية لديه، ولجنة ووزارة حقوق الإنسان ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية تعمل وتضع تشريعات من اجل معالجة هذه المشاكل، لكنها ما زالت مستشرية وبتزايد".
وأشارت الجاف إلى إن "قضية أوقات العمل ونوعيته ما زال المواطن يعاني منها حيث تأثيرات الطقس والزحامات تأثر بشكل كبير على مزاجه، إضافة الى الموضوع الأخطر وهو التفجيرات المستمرة في الشوارع وخوفه البالغ منها الذي يجعله متوتراً بشكل مستمر"، وتابعت إن "الشعب مظلوم بشكل كلي ولم يأخذ حقه المنصوص عليه في الدستور".
رئيس الجمعية النفسية العراقية الدكتور قاسم حسين الصالحي أشار إلى إن "هذه الدراسة نوع من أنواع الكوميدية السوداء، لأنها تصف شعباً كارثياً بفواجعه بأنه سعيد، بينما لا تتوفر فيه شروط السعادة المتفق عليها عالمياً وفق دراساتٍ وبحوث، فأن أهم سبب لسعادة أي شعب هو الشعور بالأمان، وهذا ما يفتقده المواطن منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فأنه يعيش الخوف والرعب اليومي وبحالة توقع دائم للموت بشكل مفجع، وسايكولوجياً إن كل إنسان يفتقد الشعور بالإمان فلن يشعر بالسعادة بشكل مطلق".
وأضاف الصالحي في تصريح لـ"المدى" أمس إن "المؤشر الثاني للسعادة والمتفق عليه أيضاً هو الكفاية الاقتصادية، فأين هي هذه الكفاية ولدينا بطالة بين الشباب هي الأعلى في المنطقة، أما المؤشر الثالث وهو إن هناك أكثر من مليوني مواطن يعيشون تحت خط الفقر وبحسب اعتراف وزارة التخطيط رغم إننا نعيش في بلد من أغنى البلدان في العالم، أما المؤشر الرابع فلدينا بحدود مليوني أرملة و5000 طفل يتيم، فأي شعب لديه كل هذه الكوارث ويوصف بأنه سعيد، لكن الدراسة صادقة إذا كانت تعني بالعراق المنطقة الخضراء فقط، لأن الذين فيها يعيشون في سعادة ورفاهية وحياة تعتبر نوعا من الخرافة بالنسبة للمواطن العادي، ما كانت تتسع لها حتى أحلامهم الفنطازية".
فيما أكدت الناشطة المدنية في مجال حقوق الإنسان هناء إدور إن "البلد يعيش الفوضى، وهذا التقرير لم يبن على أسس صحيحة، لأن من يعيش خارج البلد ولا يرى الأحداث الحاصلة، يأخذ الأمور من زوايا شكلية وليس من جوانب عميقة، وإذا كان هناك فضاء صغير لحرية التعبير فهذا لا ينفي وجود مضايقات شديدة جداً بهذا الاتجاه وعمل على تقنين هذه الحرية، ولا استبعد أن تخرج الحكومة بقرارات جديدة لتحجيم حرية المواطن".
وأضافت إدور في تصريح لـ"المدى" أمس "بالنسبة للأواصر والترابط الأسري والاجتماعي، ارى ان الإنسان عندنا اصبح مشوها، ولا أعرف ما هي القياسات التي اتخذتها تلك المنظمة واعتمدتها في تقريرها، فالموضوع لا يأخذ بتجاور بعض العوائل، لأن هناك مقاييس اجتماعية مهدمة، وقيما أخلاقية كثيرة لدى الناس أصبحت مشوهة، بالإضافة الى السرقات وجرائم القتل والاختطاف المتزايدة، والمآسي لحقت كل البيوت والعوائل في هذا الجانب، فأين السعادة الموجودة في ذلك".
وأوضحت أدور إن "البلد في مرحلة كسل وخمول وعدم إنتاج، وحتى الموجودون في وظائف حكومية يمثلون نسبة كبيرة من البطالة المقنعة، فأن خروج الموظف في وقت مبكر من وظيفته أو أن يكون الدوام الرسمي له يومين مقابل يوم واحد، فهذا لا يعني سعادة بالمعنى الحقيقي، بل تعني سوء الإدارة وعدم تطبيق السلوك الوظيفي بما يخص الالتزام، وإنجاز العمل، وهذا ما يدل عليه عدم إنجاز الميزانيات المصروفة للوزارات ودوائر الدولة سنوياً، حيث يصل صرفها لأقل من 50 بالمئة، مما يدل على عدم وجود عمل في تلك الدوائر أو الوزارات".
وكانت مؤسسة الاقتصاد الحديث The New Economic Foundation ومقرها لندن، قد نشرت مؤخرًا قائمة "شعوب الارض الاكثر سعادة" ضمت 151 دولة، وقد احتل العراق المرتبة السادسة والثلاثين، فيما تصدرت قائمة الشعوب السعيدة سبع دول فقيرة من امريكا اللاتينية ودول الكاريبي، حيث كانت الاولى فيها هي كوستاريكا، وجاءت دول خليجية مثل الكويت والبحرين وقطر والإمارات بمراتب متأخرة لتكون بذلك أتعس شعوب العالم!.
ويعتمد مؤشر البحث الذي أجرته مؤسسة الاقتصاد الحديث على رفاهية الفرد من حيث التمتع بحياة سعيدة وطويلة وذات مغزى وصديقة للبيئة.
وقد حلت بريطانيا في المرتبة 41، متقدمة بذلك على دول مجموعة الثماني، فيما جاءت الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة 105 لتكون بذلك في الثلث الأخير من القائمة. وقد احتلت الكويت المرتبة 143، وجاءت بعدها دول خليجية مثل البحرين في المركز 146، ثم قطر في المركز 149، متقدمة على دولتين فقط في اقصى ذيل القائمة، وهما تشاد ثم بوتسوانا الأفريقيتان.
وجاءت اليابان في المرتبة 45 وفرنسا في المرتبة 50 والدنمارك في المرتبة 110 من القائمة، فيما تصدرت الجزائر قائمة الدول العربية باحتلالها المركز 26 في القائمة. وجاءت الأردن بعدها مباشرة في المركز 27 ثم بقية الدول العربية على النحو الآتي: فلسطين (30)، العراق (36)، تونس (39)، المغرب (42)، سورية (47)، السعودية (56)، اليمن (68)، لبنان (69)، ليبيا (81)، مصر (91)، السودان (101)، جيبوتي (106)، جزر القمر (112)، والامارات (130)، الكويت (143)، البحرين (146)، قطر (149).