اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مثقفون: التكريم يكمن بوعي أثرهم وبمراجعته بوصفه منجزا تاريخيا تأسيسيا

مثقفون: التكريم يكمن بوعي أثرهم وبمراجعته بوصفه منجزا تاريخيا تأسيسيا

نشر في: 20 مايو, 2024: 11:45 م

هل من وسيلة لاستعادة رموزنا الفكرية والثقافية

لا نأتي بجديد إن تحدثنا عما تعنيه الرموز الثقافية الفكرية في المجتمعات المتحضرة فهي بالنسبة لهذه المجتمعات، قيمة عليا، بل وثروة وطنية لا يمكن التفريط بها تحت أي ظرف، حتى وإن اعترضت أفكارها قيم هذا المجتمع، وأفكاره،

حيث يكفي أنها جزلت بعطائها المعرفي درجة استحقت بها الخلود والشهرة. فالكاتب والروائي الكبير اندريه مارلو لم يكن ديغولياً بل يسارياً وشيوعياً ليمنحه ديغول اليميني امتياز حقيبة الثقافة مرتين في بلد علامته الاساسية صناعة الجبن وصناعة الثقافة مثل فرنسا، ويفخر هذا الأخير وهو أول رئيس للجمهورية الخامسة، أن يتوسط بعمل نجله سكرتيراً للروائي الفذ فرانسوا مورياك. وأمير بافاريا لم يكن أحمقاً ليترجل عن عربته، فقط ليخلع قبعته وينحني عند العربة التي تقل بيتهوفن تحيةً لمروره.

ومرة عندما أرادت إيطاليا أن تكرم مخرجها الكبير فريدريكو فلليني بعد أربعين عاماً من مسيرته الابداعية، بشخص رئيس جمهوريتها ساندرو بيرتيني بمنحه نيشان الاستحقاق من رتبة الصليب الأعظم، وهو وسام لا يمنح لأقل من منصب رئيس أو ملك. حضر رئيس الجمهورية بيرتيني في الوقت المحدد لمراسيم التقليد، لكن فلليني تأخر أكثر من نصف الساعة، وعندما حضر، توجه الى بيرتيني، بقصد الاعتذار عن التأخير، ولكن قاطعه بيرتيني قائلا: لا عليك إنه يومي وليس يومك. . فسيذكر التاريخ أن في زمن بيرتيني كٌرم المخرج العظيم فيللني.

هكذا تعامل الرموز الأدبية والفكرية في العالم المتحضر، بوصفها رموزا وطنية أسهمت بشكل كبير في رفع شأن البلد، -وذلك لعمري إنجازا كبيرا لها-.

وهل لي أن أذكر ما فعلته بلدان العالم لهؤلاء الرموز في بلدانهم، من خلع اسمائهم على شوارع وساحات، وتحويل بيوتهم الى متاحف تضم مقتنياتهم وآثارهم في الحياة، ومراكز دراسات تحمل أسماءهم، أو جوائز كبيرة تحمل اسماءهم، أو صورهم في طوابع البريد او العملة الوطنية، أو إقامة ي لهم، وغير ذلك من صور الاستذكار والتكريم.

ما الذي فعلناه نحن لرموزنا، غير جلسات التكريم والاحتفاء والاستذكار وربما التأبين -لا فرق -والتي لا تسمن ولا تغني عن جوع؟ فإذا كان الكثير منهم قد قضى في مدافن الغربة وقسوة المنفى، في أعوام تسلط الدكتاتورية فإن من يعيش بين ظهرانينا بعد زوالها، مازال يعاني قسوة النسيان وشظف العيش والإهمال المتعمد.

كان على المؤسسات المعنية بثقافة البلد، وبالتحديد وزارة الثقافة ان تتهيأ قبل وقت طويل، وقبل ان تحل علينا ذكرى مئوية السياب، بأن تشهر استعداداتها المختلفة لهذه المناسبة الوطنية الكبيرة، وأن تخصص لها الميزانية المالية التي تستحق، بل وتعلن عن برنامجها، لا أن تعالج هذه المسألة باحتفالات سريعة، لا تظهر الدور الكبير الذي احدثه هذا الرمز للأجيال اللاحقة.

فالسياب ليس شاعرا حسب، وليس أديبا فقط، بل أنه فعل ما لم يفعله الكثير من أقرانه، فهو يتصدر طليعة مؤسسي الشعر الحر في الوطن العربي رفقة نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي، بل يذهب مؤرخو الشعر أن له السبق التاريخي في هذا المجال. الشاعر الذي أصبح الشعر العربي قبل ثورته هذه غير الشعر بعدها، وهذا يكفي إنجازا عظيما له.

والشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر أضناه الروتين القاتل وهو يجاهد للحصول على راتب تقاعدي يكرم له شيخوخته، والسبب فقدانه (إلاضبارة)!!، وإلاضبارة لمن لا يعرفها هي رزمة الأوراق التي توثق بيان خدمته الوظيفية في مؤسسات الدولة لأكثر من ربع قرن..هكذا إذن.. مبدع كبير بقامة حسب الشيخ جعفر بحاجة إلى (دليل) يؤكد خدمته لوطنه والدليل هنا(اضبارة) لا يمكن لها بأية حال أن تلخص العطاء الإبداعي الثر لهذا الشاعر الذي ترك أثراً لا يمحى في مسيرة الإبداع العراقي والعربي.أتساءل إن كان القائمون على جائزة سلطان عويس قد منحوا جائزتهم هذا الشاعر الكبير بموجب ما ورد في إضبارته من علاوات وترفيعات وخدمة وظيفية سليمة!! أم هم منحوها له بوصفه قد (أسهم في قيام حركة الشعر العربي الجديد وفي إثرائه، فقد طور القصيدة المدورة العربية بطريقة جعلتها امتداداً للشعر العربي في عصوره السابقة، كما أعطتها جدة متميزة في النص المعاصر،& وتمكن بخبرته من صياغة النص الشعري في توازن لغوي وجمالي وفني، وفي أشكال متنوعة ومستويات عدة طور فيها التقنيات الغنائية والدرامية والسردية، موظفاً المأثور الشعبي والتراث العربي، وتكشف نصوصه عن تواصل مع الحضارة الإنسانية، كما تعكس إفادته من المنجز الشعري العالمي الحديث مع تفرد صوت الشاعر وانفتاحه على الفكر والفلسفة والفنون المواكبة لروح.

وغائب طعمة فرمان مؤسس الرواية الحديثة في العراق، واحب الاسهامات المهمة في السرد العراقي.. يكرم في الدوحة، حيث أحتفت بسيرته وبثقله الأدبي المؤثر عبر جائزتها المرموقة بأختيارشخصية أدبية تركت بصمة واضحة في مسيرة الأدب العربي.

وفي موسكو أقيم له تمثال في موسكو في مكتبة اللغات الأجنبية بروسيا الاتحادية، التي كان الكاتب غالباً ما يرتادها للمطالعة، في اتحاد الكتاب الروس.. نعم في موسكو وليس في إحدى ساحات بغداد التي بدأ منها رحلة الحياة الوعرة، وحيث ولد وشبّ وأبدع الكثير في سنوات شبابه . ربما إن مدينته لم تعد تذكره رغم كونه قامة عملاقة في ميدان السرد الروائي العراقي والعربي.

والقائمة تطول: علي الوردي، زها حديد، جواد سليم، فائق حسن، طه باقر، فيصل السامر، رفعة الجادرجي، الجواهري.. وغيرهم الكثير.

نستذكر ونستعيد رموزنا الثقافية بالأماسي والجلسات الثقافية وربما بالحديث عن ذكرياتنا معهم.. هل يكفي ذلك..؟ ما هي برأيك الوسيلة التي يجب أن نقوم بها في تخليد رموزنا الفكرية والأدبية، كي تكون منهج عمل مع أي منهم.. غير ما نفعله في أغلب الأحيان مع ذكراهم.. وكأننا نقيم مجلس عزاء جديد لهم؟

سؤال توجهنا به لبعض مثقفينا، عن الوسيلة التي يتعامل بها العالم المتحضر على أستكار رموزه الفكرية والثقافية، ومقاربتها بما تفعله الدولة مع نظرائهم في العراق، غير التأبين، وإقامة طقوس العزاء لهم، ومن ثم نسيانهم.

علاء المفرجي

 

- 2 -

الناقد والروائي حسن كريم عاتي

الثقافة وعي، وهي ترتبط بالإنسان تحديداً، وبها نحدد هويته الإنسانية من خلال الانتماء لهذا الوعي. وعلى أهمية جميع مفردات الاهتمام بالمثقف كذات، غير إنها تأتي تاليةً على الاهتمام بالبيئة الثقافية.

قد يتبادر إلى الذهن إن الثقافة ترتبط بالآداب والفنون حسب، بينما الثقافة ترتبط بجميع مجالات المعرفة. فالمثقف معني بنتائج تأثير ما قدمه في الآخر، سواء المختلف أم المتفق، وحين يحقق هذا الهدف، فأنه يكون بأبهى حالات النشوة، وأقصى حالات الحضور والتكريم. فمن غير المجدي أن تلتقي عيون المارة بنصب لفنان أو أديب أو عالم، هو غريب عنهم، تلك الغربة التي يخلقها الجهل به. ومن غير المثمر أن يقتصر الاهتمام بذوي الاهتمام المماثل لاهتمامه.

لذلك فأن أهم عناصر تخليد رموزنا، هو خلق بيئة ثقافية تتجاوز النخبوي، لتصبح حالة شعبية بشيوع أسئلتها واهتماماتها وهمومها التي عملت في حياتها على مناقشتها والإجابة عنها أو محاولة الإجابة.

خلق مثل هذه البيئة يتطلب إستراتيجية. فالثقافة بطيئة التكوين والتأثير، لأنها ترتبط بالوعي والتجربة. وكثيرة الكلفة، لأن مفرداتها واسعة ومتنوعة على سعة الحياة وتنوع الاهتمامات. لذلك يتطلب الاهتمام بأجيال الطفولة والمراهقة والشباب، والرهان على إمكانياتها مستقبلاً في خلق فكر جدلي. يحترم الآخر المختلف، ولا يُجرم مناقشته، يحرص على حرية تفكيره، ولا يُرغم الآخر عليه.

ذلك الجيل حين تلده الحرية والمعرفة، سيجترح أساليب حقيقية لتخليد رموزه بمغزى مختلف ودائم الحضور.

ريسان الخزعلي

إن َّ استذكار أو استعادة رموزنا الإبداعية في: الفكر، السياسة، الأدب، الفنون، الاقتصاد، العلوم، الثقافة ، من خلال الجلسات والأماسي والاصبوحات، ينمُّ عن وعي ٍّ أخلاقي / اجتماعي / فني يعكس حاجات التخليد في مقاومة النسيان أو التناسي، ومَن يقوم بهكذا نشاط سيكسب خلوداً ضمنيا ًأيضا ً.

نعم في وطننا رموز تستحق منّا التخليد كي نجعل من الذاكرة يقظة على استمرار ولا يطالها المحو، ومن دون ذلك سينتصر الفراغ ، والخواء الروحي. ومن دون ذلك أيضاً سيفرغ محتوانا الإنساني من عبقريته، ويسود الاستهلاك بخط ٍّ بياني منحدر.

وبالرغم من أهمية استذكارات الأماسي والجلسات، إلّا أنَّ حاجيات أهم لابد َّ من التوافر عليها في تحقيق الغايات الأعلى: أن يُشار إلى رموزنا في المناهج الدراسية وبكل المراحل، أن تُسمّى المدن والشوارع والمدارس بأسمائهم، أن تقام المهرجانات التي تناقش ابداعهم في مدنهم على الأقل أو على مستوى أوسع أن تنشغل الدراسات الأكاديمية بقراءة نتاجهم وتحليله تاريخياً وفنياً، إعادة نشر نتاجهم في المجلات والكتب، برامج تلفزيونية للتعريف بهم، ترجمة الأهم من إبداعهم وتسويقه إلى الدول الأجنبية، إقامة النُصب والتماثيل للّامعين جداً منهم، في مدنهم أو في العاصمة، استدراك الوضع المعيشي والصحّي للأحياء منهم، تحقيق مكتبات الراحلين وتوثيق محتوياتها.

الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي

هذه واحدة من القضايا التي يفترض ان يكون لها سياق وفق تقاليد صحيحة، تحتفي بالمبدع بشكل يليق بمنجزه، وعندما أشير لكلمة (المنجز) هذا يعني اننا نحتفي بمن قدم عطاءات كبيرة ومهمة للأدب والفن في العراق، وكان مؤثرا في واقعه الاجتماعي وأثر في أجيال جديدة على مستوى الكتابة او في مجال الفن، لا أن يكون الاحتفاء بمن كانوا على الهامش تماماً، الأمر الآخر يحدث فعل الاحتفاء في حياة المبدع وليس بعد موته، فلا جدوى من أن نحتفي برجل رحل عن عالمنا ولم ننتبه له في حياته، وربما مات وهو في اشد حالات مرضه وعوزه وحرمانه، وابتعاد الجميع عنه.. وتلك واحدة من المفارقات في العراق، فنحن نحتفي بالموتى ونتخذ موقفاً حاداً من الأحياء في الكثير من الحالات التي كنت شاهد عيان عليها، ايضاً طرق الاحتفاء بالمبدع (الحي) تأتي في العادة يابسة دون روح، ويكتفي الاغلب بشهادة تكريم أو لوح وسواهما، لم نسمع ان الدولة احتفت بأديب أو فنان ووفرت له بيتاً أو راتباً تقاعدياً، أو ساعدته في علاجه إلاّ في حالات نادرة في السنة الاخيرة، وهذا يؤشر أن فعل الاحتفاء يأتي من باب الترويج لهذه الجهة او المؤسسة او المنظمة ليس إلاّ، بمعنى تخدم تلك الجهات أكثر من المحتفى به.

الكاتب كريم راهي

أرى، وهذا ما ليس صعباً العمل به، أن الأصلح في الاحتفاء بمنجز أحد رموز الإبداع، بشتّى صنوفه، هو تكريم المحتفى به في أثناء حياته، لا بعد رحيله كما هو سائد في الأوساط "الثقافية" حالياً، فهو تكريمٌ في آن، ودافع للمزيد من العطاء في آن آخر. وهو في الوقت نفسه، وهذا هو الأهم برأيي، باعثٌ على الفرح في نفوس من يستحقون التكريم، وهو غاية الاحتفاء العُظمى.

هل ننتظر أن يتهاوى مبدعونا الواحد تلو الآخر فيأخذ بعضهم العجز أو الشيخوخة؛ عنك من يغيّبه الموت، لكي يكون من اللازم أن نحتفي برحيله؟ إن مبدعين في مجال الفنون السمعية والمرئية وما إليها، عنك في مجالات الفكر والأدب، لا يزالون على قيد الحياة، وينتظرون أن تلتفت إليهم المؤسسات غير الربحية، حكومية أو شبه رسمية، لتحتفي بإنجازاتهم قبل أن تنتهي ذكرى أحدهم إلى جدارية في حديقة عامة أو صفحة ثقافية خاصة بمناسبة مرور عام على ذكرى رحيله، في هذه الصحيفة أو تلك. وإني لا أود الدخول في مشاقّ تعداد أسماء الذين لا زالوا أحياء منهم، فهي لا تزال لامعة يُشار إلى إبداعاتها بلا عناء يُذكر.

إن غاية ما نتمنى أن تقوم كل الجهات المعنيّة بالإبداعات الفكرية، من نقابات وجمعيات ومؤسسات ثقافية، بجردة حساب لحصر كل من ترك أثراً ذا قيمة، لم يُلتفت إليه، والاحتفاء بفرادة منجزه، قبل أن يكون ذلك بعد فوات الأوان، فأن ينعم بالسرور وهم أحياء، لأوفى من أن يُجازون بعد طيّ لافتات السواد.

الفنان التشكيلي ستار كاووش

غريبة هذه الحياة التي نشق غبار أيامها ونحن نمضي الى المجهول، حيث ينتظرنا الظلام هناك، والأكثر غرابة هو إننا ننسى كوننا ذاهبون لا محالة، لذا نستفيق فجأة حين يداهم الموت أحداً نعرفه أو قريباً عشنا معه، فنمضي بالرثاء وتدبيج الكلمات الجميلة التي لا يسمعها المتوفي ولن تصل اليه أبداً، لأن المتوفي ببساطة لا يمكنه سماع المديح، ولن يتفاعل مع أية كلمة نقولها عنه مهما كان جمالها وقوة تأثيرها. الحياة تُلهينا غالباً عن الاشخاص الذين يستحقون الاحتفاء بهم، وغالباً ما تكون توقيتاتنا متأخرة في قول كلمة أو إعطاء حق أو حتى إلقاء تحية. البلدان تُشيِّدُ التماثيل لمبدعيها، فيما نحن نهدم التماثيل! والكثير من المدن توهب المنح والجوائز والمكانة لرموزها، فيما نحن نستذكرهم بعد الموت.

هناك دروساً كثيرة في التاريخ حول إهمال تقييم العباقرة والموهوبين وإعطائهم المكانة المستحقة، وعلينا ان نتعلم هذا الدرس جيداً. الانسان هو الكنز الحقيقي لأي بلد، وبكل بساطة علينا أن نضع هذا الانسان في مكانه المناسب. وليس من اللائق أن ننتظر حتى يشيخ أحد رموزنا أو يموت لنمنحه الاهتمام اللائق؟ فبعدَ أن قاسَمَنا إنجازه وإبداعه أثناء الحياة التي عاشها معنا، فلماذا ننتظر الموت لنقول كلمتنا بحقه؟

الناقد د. جمال العتابي

تكتسب الأوطان واجهاتها الحضارية عبر رموزها الفكرية والثقافية والعلمية والفنية أو ما سواها. نحن هنا في بلدنا أحوج ما نكون للاحتفاء بتلك الرموز لمكانتهم الانسانية والوطنية، كما يندرج ضمن الفضائل النبيلة وقيم الاعتراف بجهود المبدعين في حضورهم أو غيابهم. هذا المشروع يفتح نافذة مشرعة على مزيد من الأسئلة والنقاش حول الأسلوب الامثل في رعاية المبدعين، وضمن الأهداف الرئيسة لأية ستراتيجية ثقافية تتبناها الدولة تسهم في توفير الخيارات المتعددة في تحقيق غاياتها وأهدافها، وعبر مشاريع ومبادرات نوعية تكفل حياة كريمة ومستقرة للمبدعين، ضمن تقاليد راسخة تأخذ بالإنتاج وترعاه، لا بالصيغ الكمالية والمزيفة، ولا باللهاث وراء الهبات والعطايا، فالبلدان المتحضرة يقاس تقدمها بمقدار اهتمامها بالفكر ومنتجيه.

ولعل احدى الإشكالات التي تواجهها الثقافة بعد عام 2003 تلك المتمثلة بعلاقة السياسي بالمثقف، وتهميش دور الثقافة في المجتمع (نحيل القارئ الى مراجعة سريعة لنص الدستور العراقي)، ان سلسلة من الوعود طوال تلك السنوات غير كافية لتحقيق مطالب المثقفين في اصدار تشريعات خاصة برعاية الرواد والعلماء من المبدعين.

المسرحي والأكاديمي عقيل مهدي

تبقى الرموز الثقافية البارزة كينونات معرفية حاضرة في آفاق فنون الادب والفكر، والعلم، بعد رحيلهم، وربما تبقى الجلسات والأماسي في الملتقيات الثقافية عتبة اولى، بدلالاتها القيمة الرفيعة وهي توثق وقائع حيّة، لما يخزنه المعقبون من عايش اولئك الافذاذ، من ذكريات قيمة، ومحاولتهم لتدوين مآثرهم في تخصصاتهم الرصينة، على اختلاف خبراتهم المعرفية، وأحكامهم القيمة التنويرية، المتحضرة وهنا يتعين علينا البحث عن مقترحات داعمة متجاوزة، للمراسيم الخزينة، بالانفاتح على توظيف (المسرح) في الانفتاح على ذكراهم، بزهوٍ (ابداعي) جليل وتشخيص حيواتهم، ومنجزهم الثمين، بمنظومة فكرية منهجية، وفرضيات بأنساق رؤيوية، بناءة متسقة تسعى لتغيير الواقع وإعادة بنائه نحو الافضل بإنتقاء محاور آيديولوجية تقدمية، بعقلانية نقدية جدلية، متطورة على مستوى الفهم، والتأويل والحداثة، من اجل تكريس (الشرعية). فتحولات ديمقراطية تحرص على الحقوق المدنية، وتعزز الحوار الخلاق بين فئات الشعب، بغض النظر عن اللغة والدين والعرق، بعيدا عن التنمط المتطرف، والانحراف وهي تنتحل معالجات لفظية زائقة بمظاهر خداعة وهنا تلعب الثقافة في الفنون، والآداب والفكر الملتزم، دورا مرئيا في مخاطبة الوجدان الشعبي العام، وتحفيزه على (التأويل) لما يقترحه المسح على سبيل المثال، من إيصال معانٍ متعددة في خطاب العرض، المنفتح على دلالات ايجابية بناءة بعيدا عن الانغلاق والجهل والنرجسية المقيتة.

الكاتب والإعلامي ستار الحسيني

اعتقد ان حرقة ذرف الدمع من عيني او احتقانها بحبسه... أورده في مواقع التواصل الاجتماعي عبر الرثاء او الاشارة المعنوية اليه. ... لا يكفي حين يصلنا خبر رحيل زميل لنا او أديب شدنا إليه مطبوع، أو مقالة قرأناها فنقشت في ذاكرتنا وشماً له. ...

فكل الذين أثروا في تبرعم حياتنا الثقافية وخزائننا المعرفية.... ذهبوا وطوتهم ذاكرة الزمن وتبنتهم القبور دون ان يتلذذوا بنخب التكريم المعنوي او المادي. ..

فاذا تجاوزنا بدر شاكر السياب ومظفر النواب مثلا في الشعر فإن عشرات الادباء سيخجلون من تذكير القائمين على المؤسسات الثقافية رسمية كانت ام غير رسمية من الاشارة بأحقيتهم في تكريمهم ولو بورقة شكر لأتحمل غير حبرها وهي اسقاط فرض لفعالية ما كان المقصود بها رصفهم مع انصاف وارباع الكتاب والادباء. ...ولو عدنا الى الاستذكار. ...وهو نوع من انواع التكريم فإننا نجد ان مجلات العراق التي كانت تصدر في سبعيناته وثمانينياته كانت لا تخلو من الاستذكار وتخصيص عدد خاص بأديب جل ذكره. ..فقد خصصت مجلة الاقلام مثلا في الثمانيات عدد خاص في ذكرى وفاة الشاعر حسين مردان وكتبت باستذكاره وتأبينه اجمل الاقلام رشدي العامل وعبد الوهاب البياتي وأخرين لا تحضرني اسماؤهم. ...او حتى الاحتفاليات بالذكرى الالفية او المئوية كانت من اجمل طقوس التكريم في ازاحة الستار لتمثال له كما حصل في الذكرى الالفية للمتنبي والندوات التي اقيمت له والقصائد التي مجدت تراثه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت

حوار مع الروائية الفيلسوفة أيريس مردوخ : الرواية الجيدة هي هِبة للإنسانية

"الزنا".. أحدث روايات الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو

هل دجلة الخير للجواهري نهر؟

كيف تموت منتحرا؟

مقالات ذات صلة

فشل الذكاء الاصطناعي في مضاهاة الخلق الأدبي والفني
عام

فشل الذكاء الاصطناعي في مضاهاة الخلق الأدبي والفني

د. نادية هناويمنذ ثورة أوروبا الصناعية في القرن التاسع عشر، والعالم غير الصناعي ينظر بعين الريبة إلى المستحدثات الصناعية والمبتكرات العلمية، متوجساً مما ستصل إليه الثورة العلمية من اختراعاتٍ وتقنياتٍ، فيضع احتمالاتٍ مستقبليةً فيها...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram