ثامر الهيمص
نقصد هنا باخوات النقابات, هو جميع الانشطة الماثلة في الذود عن مصالح شريحة متجانسة, من التجار الى رجال الاعمال وصولا الى الجمعيات الفلاحية وجمعية الاقتصادين والمحاسبين وباقي التخصصات التي لا تنتظم في الجهاز الحكومي مرورا بغرف التجارة والصناعة.
فهذه الشرائح تعرضت للتدجين البعثي ومسخ اهدافها سواء من جهة المصالح او الموقف الوطني العام الحاضن للتفتح بحرية العمل كمجتمع مدني. من هنا ننطلق بكيفية نقل هذه المنظمات من (القوة الى الفعل)، للذود عن مصالح منتسبي هذه المكونات, كونها تمتد افقيا وليس مناطقيا او مذهبيا او اثنيا. فمرشح نقابة عمال السكك يستطيع تمثيل عمال القطارات المنطلقة من البصرة بذات الايقاع من دهوك. سيما ونحن مقبلين لدور بنقلة موضوعية في مشروع طريق التنمية مثلا, وهكذا جميع الجهات المعنية الساندة والمستفيدة مباشرة من المشروع الذي بات خشبة الانقاذ من تبعات ونتائج الاقتصاد الريعي الحالية وفي المستقبل المنظور قريبا باذنه تعالى. كما انه الضامن الوحيد لوحدة وطنية حقيقية’ لم تعد الشعارات والذكريات تستوعبها عمليا. حيث التاريخ تحول لذكرى طالما يتبارى ويتنافس على الاسبقية، ولكن البيدر مختلف. اذن نحول العكازة الى اداة متفاعلة مع الواقع الذي يحرك بنوايا عراقية.
وبالتفاتة بسيطة هي ان الشعوب اغلبها مرت بمرحلة التشرذم الداخلي الا انها نهضت بالشرائح الافقية وبالاستفادة من تراث غزير. (يقينا ان الاسلام غني بالمبادئ النبيلة: العدل, المساواة الممكنة بين المؤمنين, المؤاخاة في الله, العطف على الضعفاء (خصوصا عند الشيعة), التضامن والتكافل. ولكن حتى تتكون ثقافة سياسية, لا مناص من ان ترمى هذه المبادئ الى تطبيقها بكيفية ملموسة في نواة الدولة, وليس طرحها كبرنامج حكم, بكلمة فليشمل مجال المطالبة المثالية اليات الحكم. من هنا اهمية الثورة الايرانية على صعيد الواقع, لانها اظهرت مقاومة مظفرة ضد الدكتاتورية, هذا الافراز الحديث, كان ذلك باسم الاسلام. فيما كانت الحركات الرافضة, في الماضي, تتكسر على جدران الاستبداد الموروث من الشرق العتيق, (هشام جعيط /ازمة الثقافة الاسلامية /ص 113/ 2000/ط1/ دار الطليعة بيروت).
الدرس الايراني ما زال ماثلا في الاقتصاد الذي مازال منذ اكثر من اربعين عام, وهذا لا يتم الا بما تقدم به د. هشام جعيط / التونسي، اذ كانت الهوية الوطنية الجامع المانع المحلق فوق الهويات الفرعية, ورغم ذلك باتت ايران دولة عظمى في الشرق الاوسط على الاقل.. نعم لا يمكن استنساخ اي تجربة لا ختلاف المقدمات التي ادت لواقع اخر. ولكن هناك مبادئ اساسية مشتركة عامة للشعوب, ركيزتها العدل ثم المساوات وليس العكس. فمثلا البطاقة التموينية منذ النظام السابق وحتى الان عمليا او في الغالب, هي في الاعم المساواة على حساب العدل, لندفع الثمن من خلال مؤسسات المساعدات’ وفي ظل تراجع القطاعين الاساسين وهما الزراعة والصناعة لنخسر بتسديد فاتورة البطالة الناجمة عن هذا التراجع, اذ ليس من العدل ان يتساوى الناس بغض النظر عن دخولهم. لتصبح العملية هي تجميد الاختلاف لصالح الجهات المعنية بنتائج الانتخابات اولا’ وبتعزيز جمهور البطالة المتنامي الناجم عن تراجع القطاعات الانتاجية في الزراعة والصناعة. اذن جمهور البطالة الان مصدره بات معروفا ليكون مجرد ساحة انتخابية تتقلص او تكبر حسب الموسم الانتخابي وبموجب ايقاع الوارد من النفط الخام الذي بات يشكل 97% من موازناتنا السنوية, معززة لمناهج الاستيراد وانفتاحية البنك المركزي الذي بات اغلب نشاطه متمحورا حول النافذة التي فتحها بريمر (طيب الذكر للمستفيدن من بركاته). ومعلوم ان اسعار النفط لا علاقة لها بالاقتصادات العالمية بدون الضواغط السياسية وتياراتها الرئيسية بالاضافة لاعتبارات التلوث وشبح الطاقة النظيفة, وما يضيفه لكل ذلك من قلق على منتجي النفط الخام.
وبما اننا كنا جاهزين موضوعيا لتلقي العولمة ومناهجها الاقتصادية التي كان الحصار في التسعينات حاضنة نوعية لاستقبالها, اذ نفذ صبر العراقيين, ليس بسبب واحد بل بعلة ما تمخض عنه مشروع صدام المتخبط المستثمر في طغيانه, وكان السبب الاساس هو غياب الشرائح الافقية اجتماعيا واقتصاديا, وليس من خلال كانتونات ال300 حزب وتيار الان كلا منها لا يملك مشروعا او برنامجا تنميا للعراق, اذ كيف يمكن ذلك وهو متدرع محاصر في في افق المذهب او العنصر او المناطقية؟
لذلك يستحيل البرنامج الشامل بافق ستراتيجي والامر محصور في اربع سنوات’ وفتاح الفأل لم يقل لنا ما بعدها حيث فشلت لخمسة مواسم انتخابية, وكانت الكهرباء الوطنية جدا شاهدا ونذير. لتتركنا لديمقراطية المولدات بحكم مؤبد, والتي تواكب محاولات اجهاض مشروعنا الوطني في طريق التنمية الوليد. بغياب الزراعة المانع الاساسي الصناعة التي لا يمكن تصور قيامها بدون كهرباء بسعر مؤثر ايجابا في الجدوى الاقتصادية لاي مشروع خاص او عام, لندفنه بأسم التقادم في حين كان ولا زال الاستيراد والكهرباء الوطنية الحاجز الكونكريتي عن نهوض الصناعة والزراعة, ببركات رائد حقوق الانسان.
فتحت شعار الديمقراطية المتعولمة. اعلن وفي تلك اللحظة بالذات اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش الاب (قيام النظام الدولي الجديد)واحتاج الامر الى برهنة تاريخية لكي تعلن النخبة الامريكية على اوسع نطاق في عهد خليفته كلنتون اسما (تجاريا) لهذا النظام هذا الاسم هو العولمة…! ومذاك تغيرت قواعد اللعبة لدى صانعي السياسة الخارجية الامريكية وخصوصا على مستوى العالم الثالث (السابق) لقد اصبح الاسم الرمزي (الكودي) للسياسة الدولية للعولمة الديمقراطية, ولكن كيف تقوم الديمقراطية؟ ذلك عن طريق تداول السلطة. وايضا عن طريق حركة المجتمع المدني والنسوية وحقوق الانسان. (د. محمد عبد الشفيع عيسى / الاقتصادللعولمة والتكنولوجيا / نحو رؤية جديدة /ص312/2004). اي بعد ترسيخ الهويات الفرعية, بعد فراغات الحرب الباردة, من خلال شعارات حقوق الانسان التي مضى على اعلانها حوالي ثمانين عاما, اين كان الكاوبوي عن تطبيقها دوليا؟. في مجزرة حلبجة وسربنتسا والان في غزة, اذ راينا ذلك في الليل والنهار وفي الصيف والشتا, شاخصا موثقا فاعلا.
كان ولا زال وضع ديمقراطيتنا وليد هذا النفاق تأسيسا وعمليا, واعلى ما لون بلدنا هو الفساد بمحاصصة, لا يطرب لها اهلها، محرجون كونهم اصحاب قضية مختلفة عن الشركاء, لتمتد الى داخل المكون ذاته, لتملا الشاغر بالعشائرية والمناطقية, وغالبا لم تكن هذه الجهات منظبطه, لتدفع الجهة الساندة فاتورة الدين باهظة ومحرجة للحليف لتتسم السياسة بدهاليزها, بالميكافيلية المقيته.
فما دام السبيل مغلقا على النقابية وحاضنتها الاقتصادية من جمعيات واتحادات ومؤسسات ساندة ومراكز ابحاثها ياولوياتها, فإن المواطنة والوطنية في خطر. اسوة بخطورة تولي صندوق النقد الدولي بالقيمومة على مقدرات الدين العام بشروطة وتحيزاته كمحتكر وبأملاءات سياسية تنسجم مع ارادة المساهم الاكبر, اذن هناك توئمة بين المنظومة المهيمنة والصندوق. اذ لم نسمع ان هناك فعالية لعمال الصناعة الرسمية او الاهلية بالتحديد اذ شلل هاتين الصناعتين كأنه قدر, لتبتلعهم البطالة بمواعيد التعاقد, ولم نسمع عن ضغط حقيقي فاعل من الجمعيات الفلاحية عن مشكلات الري والتصحر وتقديم حلول. سوى ضغوط مطلبية محدودة بمنطقة احيانا, كما نرى فعلا لنقابة المعلمين العتيدة امام فشل التعليم والتربية, وغياب اليات العمل التقليدية, من بناء المدارس اذ لازال الطين ماثلا والدوام الثلاثي, والمعالجة بخمس درجات او عشرة, ودور ثالث باكثر من درسين, ناهيك عن جداول الاستثناء في القبول بالمدارس المتميزه من ابناء المسؤولين والحبل جرار للجامعات, لتزداد البطالة, شاملة الا ذوي الحظ العظيم؟؟؟؟. من ابناء النخبة التي يقال انها تعيش خارج الدستور والقانون المشرع قبل وبعد 2003. من هنا يبدأ السبيل لديمقراطية المجتمع المدني’ وليس ديمقراطية العولمه العتيدة المعمدة بدم تشرين الشخص الثالث, كما صرح رئيس الوزراء عندئذن. هذه القوى التي ملأت الفراغ النقابات والجمعيات الحقيقية وليست كيانات اسقاط الفرض. لتفرز لنا هذه الفراغات ببعض العشائر التي كان سلاحها للايجار والمكاسب الانية على حساب جيرانهم من عشائر اخرى, او بتحريض ربما لصالح مرشح ديمقراطي في انتخابات محلية.
ليس هكذا تورد الابل، يافلانيين.