غالب حسن الشابندر
كلمة قاطعة قاصمة أعلنتها جماهير الحسين عليه السلام ، جوهرها أنْ لا تساهل مع أي محاولة لاستغلال الملحمة الحسينية لأغراض دعائية دنيوية ، لقد كان رد الفعل الحسيني الجماهيري سريعا ، عفويا ، وكان شجاعا بمعنى الكلمة ، فبمجرّد أن نطق (رئيس الوقف الشيعي) بمدح رئيس الحكومة والمسؤولين وأعضاء البرلمان من على (منبر الحسين) أثناء خطابه بمناسبة تبديل الراية حتى علت هتافات الرفض والاستنكار ، ذلك إن الضمير الشيعي الاثنى عشري مشبَّع بحقيقة صارخة، راسخة ، أن الصحن الشريف يجب أن يبقى صحن الحسين وحده ، لا يشاركه فيه أحد ، مهما كانت منزلته الدينية والدنيوية والرسمية ، وليس من شك أن بادرة رئيس الوقف الشيعي كانت سيئة للغاية ، وبناء عليه ، يكون موقف هذه الجماهيرتاريخيا ، بل إنقاذيا ،لان هذ الموقف سيتحول دون تكرار هذه العملية البشعة، وكأن الذين بدر منهم هذا العمل لم يستذكروا التاريخ ، فما من جبّار عنيد حاول استغلال الصحن لمآربه وأهدافه باء بالخسران المبين .
الصحن الشريف يعبق بأنفاس الحسين ، وليس منبر دعاية ولا مدح حتى لو كان الممدوح من أتقى الناس ، ومن أعلمهم ، ومن أزهدهم ، ومن أكثرهم جهادا في سبيل الله والانسانية ، فكيف بنا إذا كان الممدوح سلطة سياسية، رئيس وزراء ، ووزراء وموظفين كبار وأعضاء برلمان …
إنها بادرة يهتز لها العرش ، ويجب أن لا تمر بسلام ، لأنها جريرة بحق القيم والمباديء، بل لأنها يمكن أن تؤسس لبادرة آثمة ظاهراً وباطنا.
يتساءل كثير من الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن موقف المرجعية الدينية من الحدث ، الحدث الجلل، الحدث الذي اخترق ناموس الديانة الاسلامية بروحها الجعفرية … يتساءلون عن الموقف ، وليس بدعا إذا قلنا إن المرجعية الدينية بنكهتها الدينية، وضميرها العلوي لا يمكن أن تنسجم مع هذه الممارسة ، خاصة وإنّها سدت أبوابها بوجه المسؤولين منذ أكثر من ثلاث سنوات .
ليس من حق أحد أن يمنع رئيس الوقف الشيعي أو غيره أن يمتدح أو يذم السلطة ، وقد يكون المدح حقا وقد يكون باطلا ،ولكن نقطة الرفض تكمن في إستغلال الصحن وتجيير المناسبة الدينية للمدح والذم ، فهنا نقطة الخلاف ، وهنا جوهرالرفض ، وإن كان ما حصل في الصحن لا يخلو من دلالة على رفض الراهن الحكومة بشكل وآخر .
كلنا يستذكر موقف المرجعية السيستاني من وضع صورة المرجع على شاشة الفضائية العراقية لحظ إطلاقه حكم الجهاد الكفائي للتصدي إلى داعش ، حيث بعد دقائق من بادرة الفضائية العراقية حتى أصدر مكتب السيد أمره أو طلبه بحذف المشهد ، إزالة الصورة ، مشيرا إلى أن البديل هو خارطة العراق !!
هذا هو الدين ، وهنا تكمن الروحية الحسينية الخلّاقة ، وإنطلاقا من هذا الموقف يمكن أن نحرز موقف المرجع الاعلى مما حصل في الصحن الشريف .
الصحن الشريف هو صحن الحسين ، موضوعا ، وذاتا ، ومدحا ، وأحتفالا ، وطقسا ، لا صحن حزب ولا حكومة ، ولا مرجع ، ولا مذهب ، بل ولاحتى دين ، وإن كان الحسين فداء الدين .
موقف الجماهيركان مشرّفا ،ويثبت أن الحسين ما زال يعيش في ضمائرنا .