لاهاي عبد الحسين
أثار مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 موجة من الانتقادات الواسعة التي عبرت عن الرغبة بالتمسك بالقانون الساري بدون تعديلات، ليس لأنه أفضل القوانين، وانما لأنه أفضل المتداول والمستخدم. كان واضحاً من مضمون الصفحتين اللتين قدمتا للموافقة عليها أن واضعيها لم يكلفوا أنفسهم محاولة التعرف على الجوانب الاجتماعية المرتبطة بمقترح التعديل، والنظر إلى ما يمكن أنْ يترتب على أية تغييرات مقترحة فيها. رافقت موجة الاعتراضات الواسعة من قبل أغلبية من النساء وأعداد من الرجال حملة تنمر واساءات للنساء العراقيات أخذت من بعض الشخصيات التي بادرت بالتعبير عن رأيها هدفاً لها كما في حالة بعض المحاميات الشابات اللواتي نالهن الكثير من التعسف والتهكم والإهانة. الحسن في هذا أنّ هؤلاء المحاميات والاعلاميات والمشتغلات في مجال الثقافة العامة لم ينسحبن أو يتراجعن عن مواقفهن، وبقين ثابتات على مواقفهن الرافضة والمستنكرة لمقترح التعديل. بل كان لظهور ما سمي بـ "الكتلة النسوية" الرافضة لمقترح التعديل في مجلس النواب العراقي، التي تكونت من ثلاثين نائبة تقريباً من مجموع (97) نائبة من مختلف الكتل والجماعات السياسية المنضوية تحت قبته صدى طيباً كسب لهن التأييد والاحترام لتحركهن المسؤول. وبذلك أظهر كل هؤلاء حقيقة أن النساء العراقيات لم يعدن كما كن في الماضي طيّعات للخضوع، والانسحاب والتواري عن الحضور برغم شراسة ما تعرضن له من اساءات أقلها الابتعاد عنهن، والامتناع عن دعمهن ابتداءً من زملائهن في العمل ومروراً بطيف واسع من المشتغلين في المؤسسة الأكاديمية والمؤسسات الثقافية والأدبية الأخرى.
يباهي داعمو مقترح التعديل في أنهم يرومون إعطاء العراقيين حرية "اختيار المذهب" الذي ينتمون إليه تيمناً بالمادة الدستورية رقم (41) التي تنص على "أن العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية وحسب مذاهبهم". وهذه حجة لا مبرر لها من حيث أن القانون الساري يعترف بذلك ويثبته في عقد الزواج. واقعياً، ومن خلال التجربة الشخصية لكل العراقيين الذين تزوجوا أمام المحاكم العراقية فإنهم يستطيعون استذكار أن السؤال الأول الذي يوجهه قاضي الأحوال الشخصية عند القيام بتحرير عقد الزواج للزوج هو عن المذهب الذي يختاره. وهنا يسجل فيما يتعلق بالمهر المؤجل أنه يحق للزوجة الحصول عليه عند "المطالبة والميسرة" بالنسبة إلى أتباع المذهب الجعفري، وهو حق لها عند حلول "أحد الأجلين"، الطلاق أو الوفاة بالنسبة إلى أتباع المذهب الحنفي.بما إن مقترح التعديل يقر للعراقي والعراقي "عند ابرام عقد الزواج أن يختار تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 أو أحكام المذهب الشيعي أو السني لتطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية"، فإن التساؤل عن الجدوى والمبرر أمام هذه الحقيقة المؤكدة يلح بقوة.
على نحو تفصيلي، يدعو مقترح التعديل إلى قبول عقود الزواج التي تم تحريرها خارج المحكمة وهو الأمر الذي يعاقب عليه القانون الحالي. لا شك إن التلاعب بهذا النص القانوني والسماح بقبول عقود الزواج خارج المحكمة سيعرض آلاف العراقيات، ولأجيال قادمة إلى هضم الحقوق وابتذالها. كما أنه سيساهم بإنشاء نظام ظل ينافس القضاء الرسمي الوطني الذي يؤدي وظيفته بأمانة، ويفتح بوابات التحايل والتزوير في تحرير عقود الزواج من قبل أشخاص لا يحملون المؤهلات الكافية، ويحاولون مزاحمة أصحاب الخبرة والكفاءة من قضاة ومحامين. وبذلك سيؤدي مقترح التعديل إلى حالات من الانقسام المجتمعي التي لا تحمد عقباها. لعل أحد أهم واجبات المشرع المسؤول العمل على تمتين سلطة القضاء الوطني وتعزيزها وتفادي المساس بهيبتها لتسيير أمور الناس الأمر الذي سيعود على المجتمع بالسلامة والأمان والاستقرار.أما التحرك بخلاف ذلك فإنه يطرح عشرات التساؤلات بشأن المغزى والفائدة المرجوة، والغرض.
من جانب آخر، يبدو وكأن مقترح التعديل أختزل مشكلات النساء العراقيات بفكرة "الزواج،هو الحل"، والزواج المبكر على وجه التعيين. وبسبب الافتقار لأي مراجعة علمية أو استشارة اجتماعية ظهر واضحاً أنّ المشتغلين على مقترح التعديل لا يحيطون علماً بالكثير من الحقائق الاجتماعية التي تظهرها نتائج البحوث والدراسات الاجتماعية التي يمكن أن تعيق إمكانات التطبيق للقانون، وتجعل منه حبراً على ورق. تفاخر الدول بالقدرة على سن قوانين تحظى بالدعم والمشاركة الشعبية وليس قوانين معزولة، ومختلف عليها. على سبيل المثال، تؤكد الدراسات الاجتماعية أن هناك علاقة طردية بين الزواج المبكر وارتفاع معدلات الطلاق. أي، أنه كلما زاد عدد الأفراد المتزوجين بسن مبكرة، كلما كانوا أكثر ميلاً للطلاق للتخلص من أعباء اجتماعية وفردية لم يتهيؤا لها جيداً. لا توفر الجهات الرسمية مثل الجهاز المركزي للإحصاء أو مجلس القضاء الأعلى بيانات عن أعمار المطلقين ولكن يمكن الاستدلال على ذلك من خلال ارتباط موضوع الطلاق في العراق بالحضانة واشكالاتها. لا يعاني الأشخاص المتقدمون بالسن من مشكلة الحضانة عند الطلاق بسبب تقدم سن الأبناء وربما تحررهم من الأعباء العائلية لتأسيس عوائلهم الخاصة بهم. ولكن الحضانة حيث الصراع والتصادم بين الآباء والأمهات يحدث للمطلقين الشباب. يمنح القانون الحالي الأمهات حق حضانة الطفل ابتداءً حتى سن العاشرة بالتساوي بين الذكور والإناث، ويسمح بتمديد فترة الحضانة إلى سن الخامسة عشرة لكلا الجنسين أيضاً. ويعطى الأولاد حق الاختيار بعد تلك السن، ليعيش مع أي من أبويه، أمه أو أبيه. وهذه قسمة عادلة ضمنت للأمهات اللواتي يرتبطن ارتباطاً عضوياً بأنجالهن حقاً طبيعياً ومعنوياً وأخلاقياً وهو الأمر الذي تقره كل النواميس والعقائد والأخلاقيات الإنسانية في العالم. كما إنّ منح الأم حق الحضانة من حيث المبدأ لا يصادر سلطة الأب أو يلغي حقه في متابعة شؤون الأولاد. يحتفظ الأب بحق المشاهدة والمعايشة وله أمر تزويج الابن أو البنت،وله أيضاً أن يستشار بشأن السفر والانتقال للعيش في هذه المدينة أو تلك أو خارج البلاد، وإن كان لفترة قصيرة. يجادل بعض المتحاملين خطأً على الضد من هذه الحقوق التي يقرها القانون لكلا الأبوين كما لو كان عدواً شخصياً للمرأة إذ لا يستحي من الادعاء بأن أحد أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في العراق يتمثل في اطمئنان الأمهات على حقهن بالحضانة. وهذا ادعاء كاذب ومصطنع من حيث أنه يمكن الجزم أنْ لا وجود لامرأة مستعدة للتضحية بحياتها الزوجية والعائلية. كما أنه لا وجود لامرأة تتزوج وهي تضع أمر الطلاق أو تستسهله نصب عينيها. يقسم الأزواج على العيش المشترك بإخلاص عند حصول الزواج. معروف أن النساء المتزوجات وبخاصة الأمهات منهن يدركن مصاعب الطلاق،والفترة الطويلة التي يستغرقنها للحصول عليه والمتاعب التي تنتظرهن، وهن يقدن حياتهن وحياة أبناءهن وحيدات وغير مدعمات. إلى جانب العوامل الاقتصادية التي ستنقص على الفور، هناك الجانب الاجتماعي والأخلاقي والمعنوي الذي يحد من قدرتهن على إدارة شؤون عوائلهن ويعرضهن لشتى المصاعب والإشكالات. ويبقى ملاحظة أن الإسلام لم يسمح بالطلاق عبثاً بل كان لذلك مبرر وافقت عليه شريعة السماء. يحدث أنْ تستحيل الحياة الزوجية لأسباب تخص الزوجين وتجعل الحياة المشتركة صعبة، ولا تطاق مما يؤدي بهما إلى ضرورات الافتراق. كما إن معدلات الطلاق التي تقدر بـ 23٪ من عدد حالات الزواج المسجلة أمام المحاكم العراقية لعام 2022 حسب إحصاءات وزارة التخطيط العراقية ليست أعلى من معدلات الطلاق في دول الجوار كما في دول الخليج العربي وتركيا وإيران لأسباب ترتبط بالتغير الذي أحدثته المرأة وتخلف في مواكبة هذا التغير من قبل الطرف المقابل، الرجال.
على الصعيد العملي والواقعي تتمثل واحدة من علامات الجهل بالظروف الاجتماعية من قبل المتحمسين لمقترح التعديل في السن عند الزواج. لم يأخذ هؤلاء بنظر الاعتبار أنّ السن عند الزواج في العراق يبلغ(25 سنة) بحسب المجموعة الإحصائية السنوية لعام 2022. يعني هذا أن السن عند الزواج للنساء العراقيات متأخر وهو أعلى من السن عند الزواج في بلدان أوروبية وأمريكية. تسلط هذه المعلومة المهمة الضوء على جوانب متعددة لما يجري واقعاً في المجتمع منها أن العائلة العراقية عموماً، والعائلة الحضرية خصوصاً تهتم بتعليم فتياتها لتمكينهن من قيادة حياة زوجية ناجحة. وهويعني أيضاً أن هناك شحة في عدد الذكور الشباب المؤهلين للزواج الناجح كما يستدل من ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل في سن الزواج (15-24) والتي تقدر حسب وزارة التخطيط بـ 32٪ للذكور و62٪ للإناث لعام 2020. تسلط هذه الإحصاءات الضوء على ارتفاع أعداد الذكور من كبار السن ممن يتزوجون بنساء أصغر منهم سناً، أو حتى الزواج لمرة ثانية أو ثالثة. وعليه، لن تساهم الدعوة للزواج المبكر بزحزحة هذه المشكلة البنيوية بل تزيدها تعقيداً. يمكن أن يضافإلى ذلك امتناع الفتيات عن الزواج بأول طالب زواج بسبب الرغبة والمقاييس التي يضعنها في حساباتهن. هذه أمور لم يهتم بها المشرع، وربما لم يطلع عليها.زد على ذلك انخفاض مستوى التعليم في المجتمع وميل الفتيات إلى متابعة التعليم مما يحد من فرصهن للقبول بطالب الزواج منهن. سجل مستوى التعليم للسكان من عمر (10) سنوات فما فوق (80٪) لمن هم في مرحلة الدراسة المتوسطة فما دون، بينما سجل أصحاب الدراسة الثانوية فما فوق (20٪) فقط لعام 2021. هذه بعض العوامل التي تقف خلف ارتفاع السن عند الزواج بالنسبة إلى النساء العراقيات.
غاب عن ذهن المتحمسين لمقترح التعديل الذي يحث على الزواج المبكر من بين ما يحث عليه ارتفاع معدلات موت الأمهات عند الولادة والتي تصل إلى (46) لكل (100) ألف ولادة حية على الصعيد الوطني حسب إحصاءات وزارة التخطيط لعام 2021. وهذا معدل عال وخطير يرتفع بمديات خطيرة على مستوى المحافظات ليسجل أعلاها في محافظة ذي قار (76)، النجف (71) ميسان (70) وبغداد (68)، إلخ. وهذه طبعاًواحدة من نتائج الزواج المبكر إذ لا تقاوم الأمهات الشابات عبء الحمل صحياً ومعيشياً إلى جانب الافتقارللخدمات الصحية المتاحة واللازمة لهن مما يعرضهن للموت.
بالنهاية، تساهم حالات الزواج المبكر بزيادة حجم السكان حيث تمتد فترة الانجاب لفترة طويلة في الوقت الذي لا يظهر المجتمع بمؤسساته الصحية والتعليمية والخدمية الأخرى قدرة على مواكبة متطلبات الزيادة السكانية. يتزايد المجتمع العراقي بمعدل (3) من (4) أي ما يقدر بـ (85٪) وهذا معدل زيادة سريع ويعني من بين ما يعنيه أن المجتمع العراقي يستطيع مضاعفة حجمه كل عشر سنوات. وهذه مشكلة خطيرة أخرى تقف بمواجهة بقاء الخدمات والإمكانات اللازمة لاستقبال هذه الأعداد الجديدة من البشر،تراوح في مكانها.
يسمح مقترح التعديل بانتهاك حقوق النساء المستضعفات في المجتمع وفي مقدمتهن، بنات الفقراء. إذا ما علمنا أن نسبة الفقر في العراق تقدر رسمياً بـ 30٪ يمثلون الأشخاص الذين يعيشون دون خط الفقر فإن هؤلاء سيكونون أول ضحايا مقترح التعديل. عوضاً عن الدعوة لتقديم المعونة للعوائل الشابة التي لديها فتيات وفتيان دون سن الرشد فإن التشجيع على الزواج المبكر سيساهم بإدامة دورة الفقر. معروف أن الفقراء يزوجون بناتهم لأبناء الفقراء، وسينجب هؤلاء ويدخلون في دورة المعاناة المتوقعة التي تجعل الفقر أمراً لا خلاص منه، يتوارثونه جيلاً بعد آخر. تتداخل مع دورة الفقر ظاهرة ارتفاع معدلات انتحار النساء الشابات المتزوجات الفقيرات والتي تم رصدها في دراسة ميدانية للباحثة نجلاء كامل. خلافاً للتوقعات التقليدية التي تفترض أن المتزوجات والمتزوجين أكثر استقراراً من النواحي الاجتماعية والنفسية، وأقل ميلاً بالتالي إلى الانتحار فقد بينت الدراسة التي أجريت على عينة من النساء المتزوجات الشابات في مدينة الصدر ارتفاع حالات الانتحار بينهن. في حالة معينة على سبيل المثال، يطلب من الشابة المتزوجة حديثاً إخلاء الغرفة التي تزوجت بها قبل أشهر لتزويج أخو العريس. تشكو البنت إلى أهلها. يشيرون عليها بالبقاء، والتحمل لأنهم لا يستطيعون تحمل عبئها مما يضعها أمام قرار الانتحار، بلا تردد. تدخل الحمام. تصب النفط على رأسها، وتشعل النار. لا أحد يستطيع انقاذها لأنها أغلقت باب الحمام من الداخل. هذه واحدة من الأمثلة التي ينقلها البحث الميداني في العراق. لا تنتحر الفتاة أو المرأة التي تحظى بالعناية والرعاية والاهتمام، انما ينتحر من لا يجد له / لها مكان آمن ومطمئن في هذا العالم.
يتمثل دليل آخر على استشراء الفقر في العراق بارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع والتي تسجل (22) لكل ألف من السكان. وهذا معدل عالي جداً إذا ما قورن بما لا يزيد عن (2) أو (3) في بعض البلدان المتقدمة. ترتفع معدلات وفيات الأطفال الرضع إلى مديات خطيرة على مستوى المحافظات حيث تبلغ أعلاها في دهوك (41)، بابل (34)، النجف (29)، ديالى (28) وتنخفض إلى (5) في السليمانية، و(11) في الأنبار. تسلط معدلات وفيات الأطفال الرضع ممن تقل أعمارهم عن العامين ضوءً مهماً على الحالة المعيشية والاقتصادية للأمهات من حيث أنها تظهر مدى اكتمال صحة الأم، ومدى توفر الخدمات الصحية اللازمة لها والحالة الاجتماعية التي تحظى بها. في ضوء هذه الحقيقة لنا أن نتوقع زيادة في معدلات وفيات الأطفال الرضع في حال زادت أعداد الفتيات المتزوجات بسن مبكرة. سكانياً وطبياً يلاحظ أن قدرة المرأة على الحمل السليم الذي تستطيع القيام به يبدأ بعد بلوغها العشرين من العمر. على المدى البعيد، تعرّض حالات الحمل المبكر في أحسن الأحوال النساء لأمراض الشيخوخة المبكرة ومن أهمها هشاشة العظام ووجع المفاصل إلى جانب زيادة الإجهاض لضعفهن وعدم تهيؤهن بدنياً.
وهناك شريحة النساء المعيلات لعوائلهن والأمهات الوحيدات. مما يؤسف له فإنّ المجموعة الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء لا توفر بيانات في هذا الصدد ولكننا نعرف أن هذه الشريحة واسعة بل وآخذة في الاتساع من حيث العدد وأعمار الأفراد فيها لأسباب لا تخفى على حليم. ستكون هذه الشريحة الاجتماعية المستضعفة بحكم الفقر والحاجة قضمة أخرى يبشر مقترح التعديل بتقديمها للراغبين في قضمها. مما لا شك فيه فإن قبول عقود الزواج خارج المحاكم ستجعل من المرأة "سلعة بائرة" ما أن تتزوج فيما لا تضير الرجل الذي يمكن له أنْ يتزوج مرة ثانية وثالثة ورابعة.
تتمثل القضية الأخرى الخطيرة التي يبشر بها مقترح التعديل بالاعتراف بالزواج المؤقت (زواج المتعة والمسيار) الذي يفتح بوابات واسعة للانهيار الأخلاقي والخيانات الزوجية. إلى جانب الجوانب القيمية والمعنوية والأخلاقية والمتاعب النفسية التي تخلقها زيجات من هذا النوع فإنّ الاعتراف بالزواج المؤقت الذي يمتد - من دقائق إلى عقود من الزمن - سيساهم بزيادة عدد المواليد غير الشرعيين والذين سيوسعون من طبقة الأشخاص مجهولي النسب في مجتمع لا يسمح بمعالجة إشكالات التبني، ويفرض شروطاً صعبة إن لم تكن تعجيزية على الأفراد المستعدين لذلك. وهناك حالات الإصابة بمرض العوز المناعي (الإيدز) الذي تسجل المجموعة الإحصائية زيادة في أعدادها. يمكن للاعتراف بالزواج المؤقت بكل ما ينطوي عليه من عشوائية وابتذال وتكتم تفرضه الضغوط الاجتماعية السائدة أن يساهم بزيادة أعداد المصابين فيه والذين يشكلون خطورة مؤكدة على قريناتهم ومن يقرب إليهن.
أمام الأحرار في مجلس النواب الكثير مما يمكن أن يساهموا في انضاجه قبل القفز إلى حلول ترقيعية سطحية تتغافل عن المشكلة الأساسية وتزيدها ثقلاً. كان حرياً بالمشرع أن يعمل على تطوير منظومة قوانين تحمي المرأة والرجل والأطفال من العنف الأسري بدل من العمل على تكريسه والتشجيع عليه كما يمكن لمقترح تعديل من هذا النوع أن يفعل. إلى جانب تشريع قانون حماية الأسرة من العنف الأسري كان بالإمكان الدعوة لتوسعة قانون الرعاية الاجتماعية ليشمل العوائل الشابة التي تعيل أطفالاً صغار دون سن الرشد. وهناك ظاهرة بيع الأبناء من قبل الآباء التي تناولها فضيلة القاضي سالم روضان الموسوي في دراسة نشرها في الكتاب الصادر عن منتدى الثقافة النسوية وبين فيها أن الإجراءات العقابية التي يقرها القانون لا تحل المشكلة بل تزيدها إرباكاً. يقضي القانون في هذه الحالة بحبس الشخص الذي ارتكب جريمة بيع أحد أبنائه مما يساهم بمضاعفة مصاعب العائلة دون التساؤل عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أدت به إلى ذلك ومحاولة تقديم المساعدة. وهناك شريحة الأشخاص المسنين ممن تزيد أعمارهم على 65 سنة والذين يشكلون اليوم حوالي مليون وربع المليون نسمة. لم يهتم المشرع بهؤلاء ممن يتعرض كثير منهم إلى مختلف الإساءات والأذى بضمنها حالات التخلي عنهم وتركهم لوحدتهم وعزلتهم دون معونة اجتماعية أو مادية.
يبقى الإقرار ببعض حالات التنمر والانتقام والشغب الذي تمارسه بعض النساء دون أن يغيب عن البال أنّ هذه من وسائل المستضعفين. فالإنسان الذي يلوذ بأساليب كهذه إنما يفعلها بسبب الشعور بالقهر والذل والمهانة على مدى سنوات غذت في نفسه / نفسها مشاعر سلبية. هذه حالات يعالجها القانون بطريقةلا تفلت منها امرأة. إنما من أجل أن يوفر المشرع مسببات النجاح لأي مشروع قانون فإنّ عليه / عليها النظر للبيئة الاجتماعية التي يروم التحرك فيها. ستضمر حالات التنمر والتسلط والانتقام ما أن تعمل المؤسسات المعنية على طمأنة المشاعر وسحب أسباب التوتر والقلق لتحل محلها مشاعر الاستقرار والسلام والأمان لدى النساء.
لعل أهم ما يميز الإسلام رسالته الأخلاقية. مقترحات تعديلات من هذا النوع تضرب الرسالة الأخلاقية في صميمها وتفرط بجوهرها إذا كان هناك ثمة من يهتم حقيقةً بذلك.