TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

نشر في: 22 أغسطس, 2024: 12:03 ص

ثامر الهيمص

وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف / اوطان واديان /مقاربات في جدل الدين والدولة / ص 236/ دار روافد /2020). بهذا تكون الاديان قاسما مشتركا في شراكة ايجابية، ووفق النص القرائني, (بسم الله الرحمن الرحيم / وجعلناكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).
هذا موقف الدين عموما وخصوصا في الاوطان، وكيفية التعاطي مع الوطن خصوصا في الدولة الحديثة بحدودها ومنافذها وسيادتها وحكومتها الوطنية، بعد ان كان الوطن مجرد ولايات تابعة مرتبطة بالمركز خارج اراضيها, لحين تأسيس الدولة العراقية قبل 103 عام, اي بعد ثورة العشرين, فتوحدت الولايات الثلاث بغداد والموصل والبصرة, كونها متجانسة, وملائمة ولتقسيم وارادة اطراف معاهدة سايكس بيكو (فرنسا وبريطانيا) انذاك.
وهكذا كان لنا اقتصادنا الكلي, الذي يوحدنا, حيث يعرف الاقتصاد الكلي بانه: (هو مجموعة حلول نظرية تتعامل مع الاقتصاد كتلة واحدة وتلامس النظرية مواضيع عدة منها الناتج المحلي الاجمالي ومعدلات البطالة والارقام القياسية للاسعار وذلك بهدف فهم الاقتصاد المحلي والعالمي والعمل على تطويرها. الادوات التي يستخدمها الاقتصاديون في هذا المجال تتمثل في الدخل القومي للدولة والناتج المحلي والاستهلاك المحلي ومعدلات البطالة والادخار والاستثمار والتضخم والنمو الاقتصادي. (غوغل).
في ضوء ما تقدم ان الدولة الحديثة عامة لا تختلف كثيرا حول المبادئ اعلاه، ويكون هنا من المناسب تناول قانون الاحوال الشخصية الصادر عام 1959, الذي كان ولا زال على الاقل احد ابرز اركان دولتنا الحديثة منسجما مه المبدأ الاساس الالهي (اكرمكم عند الله اتقاكم).
لذلك فاي خلل في احد الاركان العامة للدولة وخصوصا المبادئ الاساسية للدستور القاسم المشترك الاعظم وهو تجانس المجتمع العراقي, وصولا للزيجات وتداخلاتها ومعالجة التباينات بيسر وفق المبادئ الالهية السامية.
فلماذا علينا ان نغلب جهة او مذهب على مذهب؟ الم تنسجم الشعوب المجاورة بموجب قوانينها الوضعية؟.
(مثلا فالولايات المتحدة - هي من اكبر الديمقراطيات الغربية ان لم تكن اكبرها على الاطلاق – تضم عددا من الطوائف هي اضعاف ما يضمه لبنان منها, فلماذا يعد المجتمع فيها متجانسا بينما هو متعدد في لبنان؟ (مهدي عامل/ في الدولة الطائفية / ص29 / 2003 الطبعة الثانية)؟؟ نفس السؤال الان مطروحا علينا، او بالاحرى على حاملي الالوية المذهبية.
اننا امام سؤال اما واما، فاما ان ندخل في تفاصيل طالما كانت مؤرقة لنا مادام الحال كما هو, فانه يتناسل متشرذما, وهكذا تتكاثر شياطينه. فزواج القاصر وفق مذهب معين او من يساومه كورقة انتخابية, يأتي ضمن ظرف مناسب لرواجه الان, وفق ابسط التحليلات, هو ان الفقر هو الحاضنة الام لهذه الظاهرة, لتسويق هذه السلعة (الطفلة ذات ال9 سنوات لها سوق مزدهر يتكون من اثرياء الصدفة, اضافة الى اسواق النخاسة الدولية. اذن العلاج ليس وفق التشخيص على الاقل, حيث يعتبر وفق مقاييس العصر نوعا من الانحراف كممارسة لا اخلاقية, فلنسأل المحاكم الشرعية, عن نسب الطلاق في الزواج المبكر عموما, ونكرر السؤال على المنظمات ذات العلاقة. اما الرواية, خصوصا غير المتواترة فلها ظرفها وعوامله.
بذك نسأل الدول المجاورة وهم الاقرب مذهبيا وقوميا وجغرافيا, هل لديهم قوانين مثل اللائحة المقترحه او البديلة, من ان القضاء يمكن ان لا يصدق عقود الزواج لدى المحاكم المختصة؟ كما لماذا بقية المذاهب والاديان العراقية تصدق مواثيق العقود لدى محاكم الاحوال المدنية, نعود لنقول ان الفقر و الظرف الاقتصادي/ الاجتماعي, سيكون متناسلا لمشاكل اجتماعية. ثم ما هي الاحصائيات والتجارب اتي استرشد بها الباحث او المستشار, او المرجعية الفكرية بشكل شفاف؟؟ وهل هناك فتوى تعزيزية تحتوي معطيات الواقع الحالي؟ اذن ربما يقول قائل ان الفقر الناجم عن اقتصاديات سوء الاداء الاداري من ناحية العدالة الاجتماعية, كان ظرفا مناسبا لهذه التجارة اسوة بتجارة المخدرات والاعضاء البشرية.
عموما ان الفسيفساء الاجتماعية المتجسدة اجمالا في لبنان كنموذج كانت ومازالت العامل الاساس لانهيار الاقتصاد المالي والنقدي, اي بضياع اركان الاقتصاد الكلي باركانة المعروفة, حيث اقترنت اجمالا بتفكيك البنية الاجتماعية على اسس مذهبية. وهذه طبيعة الامور, التي جعل منها الغرب اساسا ومنفذا للتدخل وادارة مناطق نفوذه الاقتصادي. مثلا بالمقابل استطاعت ايران بعد ثورتها ان تجعل من اقتصادها الكلي متناغما مع الوطنية الايرانية الراسخة الضاربة في عمق التاريخ.
وهكذا كان امرها لتصمد اكثر من اربعين عاما في صمود وتقدم كدولة كبرى اقليميا. كونها تجاوزت وعبرت واحتوت وعالجت الاسس في الظواهر الاجتماعية والاقتصادية, من جذورها الاقتصادية والاجتماعية’ ولم تترك الامر لتداعيات الفقروتفاقماته الخالقة للظواهر الاستثنائية انسانيا. بالمقابل كانت اسرائيل كسلاح للتدخل الامريكي منسجما معه, لكنها اختارت, وخصوصا بعد نتائج احتلالها للمناطق العربية, لتسقط كليا في الفخ. اي في الشعبوية ذات البعد العرقي اوالاثني. اي الطريق المسدود.
ان الفسيفساء الاسرائيلية ستمنى ولا ريب بالهزيمة, وهي تظل فريسة التوترات التي تتصف بها وتغلب عليها – يهود وعرب, اشكناز وشرقيون, دينيون وعلمانيون… .الخ وفي هذه الحالة, فأن الشروخ الاجتماعية القائمة في اسرائيل, التي تحتل المرتبة الثالثة بين بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في ميدان الفقر, والمرتبة السادسة لجهة الا مساوات والتفاوتات, ستحدث وفقا لآ رجح الاحتمالات حركات اجتماعية قوية كما في العام 2011. ولا ريب في ان هذا الحضور الكلي للمواجهة مع الفلسطينين, ومع العالم العربي حتى السنوات الاخيرة – ما يشكل خصيصة الشعبوية الاسرائيلية. (دومنيك فيدال /عودة الشعبويات /اوضاع العالم في2019 ترجمة نصير مروة /ص311/ 2019). علما ان الغرب وامريكا يقدمان يقدمان اسرائيل نموذجا يحتذى بها في الشرق الاوسط, وخير الشهود واصدقهم اهل غزة.
فالفسيفساء كمنهج دون الانظمام تحت مظلة الاقتصاد الكلي بادارته الاحترافية, لا يمكن ان تستمر الدولة بقوانيها النافذة, وقد صدق المفكر العربي عبد الوهاب المسيري (رحمه الله) عنما يقول: (ان استمرار دولة اسرائيل ليس بقوة داخلها’ بل بفضل الدعم الامريكي الامحدود والغياب العربي الامحدود) وهذه القراءة تثبتها غزة بكل الاحوال.
نخلص الى القول ان لم ترتكز الدولة على اقتصادها الكلي, فانها تدخل دوامة التفاصيل التي كمنت فيها شياطين الواقع الدولي, فمثلا ينبغي اولا ان تكون الرعاية الاجتماعية وتقليص فجوة التفاوت الطبقي’ اذ بلغ التفاوت بين اعلى راتب واصغر راتب 3000%, ناهيك عن المدارس وازمات الطبابة والصيدلة والتضخم النقدي وهيمنة الاقتصاد الموازي في اسعار الدولار مقابل الدولار, وانتشار العشوائيات, وانتشار التسرب من المدارس والبطالة, لتصبح الارضية جاهزة لآفة المخدرات, كل هذا محصور في قفص الفساد والاتهام, اي انه شأن الاقتصاد الكلي’ المفترض ان يعالج لنا مشكلة القاصرات من خلال رفع المستوى الاقتصادي اولا واخيرا, (اذ لم نسمع ان ثريا باع او ارغم ابنته وهي في الثالث ابتدائي لتسعد في بيت الزوجية السعيد).
كل هذا لآن الاقتصاد الكلي لا زال خارج الدولة من قانون النفط والغاز الى الكهرباء الوطنية التي تدير(نصفها)المولدات عمليا، وهكذا تهريب العملة الصعبة من خلال الاقتصاد الموازي، وغياب اجهزة الدولة من هيئة الرقابة المالية التي تعمل بأقل من نصف او ثلث عملها الدستوري. انه المركز اي الدولة في بغداد التي تمثل ربع العراق, بدون المركز بدولة لا حكومة بدون سيادة بل السيادة للدولة اولا, لن يستقيم الامر ما دام (ملاليح البلم اكثر من واحد) ولكن ليس دكتاتور والواحد هنا فقط بدستور مطبق بدون اعراف وتوافقات وبدون قوننة فقرات الدستور. مما جعل اللوائح القانونية مجرد اوراق مقايضة سياسية. فالتعددية لا يضبطها غير المركز اي رب العائلة بدستورها الذي اؤتمن علية.
كما ان عدم هيمنة ادوات واليات الاقتصاد الكلي سوف لا ينتظم الاقتصاد الجزئي، سيما وان العلاقة القانونية بينهما لازالت مرتبكة، نظرا لضياع الهدف المركزي وهويته الاقتصادية التي تراوح بين اللبرالية المفرطة وبين قوانين النظام السابق, اضافة لضياع منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالشأن العام’ اذ خمد صوتها استمرارا لخموده السابق.
وهذا ما حصل في روسيا اذ تراوح النقابات بين الرادكالية واللبرالية. حيث اختارت هذه المنظمات العمالية الاندماج مع السلطة القائمة واصبحت جزءا منها. (اوراق ماركسية روسية في الالفية الجديدة /ترجمة د. هاني شادي /ص 301/ 2018). واضاع لدينا هذا السبب الذي يفتقر له البرلمان عندما يتصدى للامور التي تحتاج الشفافية كونها حساسة من الناحية الانسانية والاجتماعية، و بما انه هذه المنظمات تمثل اوسع الشرائح الاجتماعية والشعبية, يعيد للدولة هيبتها وتثبيت اركانها من خلال القانون النافذ قولا وعملا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

تهميشُ القضاء وتفكيكُ العقل الحقوقي للدولة وتقويضُ الهوية الجامعة

بحث في إشكالية الزواج من ذوات التاسعة

العمودالثامن: داعية البسمة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

العمودالثامن: في بلاد السيخ وبلاد الامتيازات

العمودالثامن: فاصل ونواصل

 علي حسين يقول دريد لحام في مسلسل سنعود بعد قليل لأحد أصدقائه القدامى: "لا تهتم للمصائب. تعودنا على قبول كل شيء"، تذكرت هذه الجملة وأنا أرى حالة التلبد التي أصابت البرلمان خلال الأشهر...
علي حسين

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

رشيد الخيون ليست نصرة المرأة مِن قِبل الشّعراء العّراقيين، في العشريتين الأوليتين مِن القرن الماضي، محصورة في الأربعة الذين سنُذَكّر بمواقفهم الجريئة، فالعدد أكبر.لكنَّ هؤلاء الأربعة، جمعتهم عمائمهم، اعتمارها والتّخلي عنها، ولم نقصد المناصفة،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram