TOP

جريدة المدى > محليات > «النزوح المناخي».. يطارد أبناء الأهوار في ميسان

«النزوح المناخي».. يطارد أبناء الأهوار في ميسان

نشر في: 29 أغسطس, 2024: 12:04 ص

ميسان / مهدي الساعدي

تواجه سكان قرى الأهوار في ميسان تحديات بيئية كبيرة تهدد استمرارية حياتهم. فقد أدى الجفاف إلى تدمير مساحات واسعة من الأهوار، مما تسبب في تقهقر مستوى المياه في ذنائب الأنهار، وهي المصادر الرئيسية للمياه التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية.
الحاج أبو كريم، أحد سكان قرى ناحية المشرح، قال لـ(المدى): “نشتري المياه من السيارات الحوضية لسقي الحيوانات وللشرب والغسل، بعد أن تحجم جريان المياه في نهر المشرح المار بالقرية إلى درجة كبيرة جدًا، يصعب معها الحصول على المياه، خصوصًا بعد جفاف أهوار السناف والسودة بشكل كامل”. وأضاف: “هاجر أغلب أهالي القرى وتركوا منازلهم بعد أن باعوا مواشيهم، واتجهوا إلى ناحية المشرح ومدينة العمارة بحثًا عن حياة أكثر استقرارًا”.
تتزايد الضغوط على أهالي القرى المحاذية للأهوار نتيجة الظروف المناخية القاسية والجفاف، مما أجبر العديد منهم على الهجرة نحو المدن. وبالرغم من محاولات البعض التشبث بأرضهم، فإن خطر النزوح المناخي لا يزال يُهدد المزيد منهم.
في هذا السياق، كشف رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، في شهر مايو من العام الجاري، أن التغيرات المناخية دفعت أكثر من 100 ألف عراقي إلى النزوح من مناطق سكناهم خلال السنوات القليلة الماضية. وأشار إلى أن أربع محافظات عراقية، من بينها ميسان، هي الأكثر تضررًا. وأضاف في تصريحات رسمية تابعتها (المدى): “منذ عام 2016 وحتى العام الماضي، نزح أكثر من 100 ألف شخص، أي بمقدار 15% من السكان الذين كانوا يقيمون في تلك المناطق المتضررة”.
وأوضح علي محسن، رئيس منظمة أبناء الأهوار الإنسانية، لجريدة (المدى): “تفاقمت مشكلة الجفاف يومًا بعد يوم، والحالة تتجه من سيئ إلى أسوأ. الأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالحكومة المركزية وأخرى بالحكومة المحلية، حيث لا توجد إطلاقات مائية كافية، مما تسبب بجفاف الأهوار بالكامل، منها أهوار العظيم والسودة والسناف وغيرها من أهوار المشرح. ونتيجة لذلك، تحولت المشكلة من جفاف الأهوار إلى جفاف الأنهار، ومنها نهر المشرح، الذي لم تعد مياهه كافية لسد احتياجات أهالي الناحية، فكيف بالقرى الواقعة عند ذنائبه؟ بالتحديد مناطق وقرى مويليحة وشط الأعمى والخويط والشويطيات والعوينية وغيرها، وأصبح أهالي هذه المناطق يعتمدون بشكل كبير على المياه المنقولة بواسطة السيارات الحوضية”.
وأضاف محسن: “أدى الجفاف إلى نفوق الأسماك وهلاك الماشية، وبالتالي فقدان مصادر رزق الأهالي في تلك القرى، حيث تعتبر الزراعة وتربية الماشية من مقوماتها الأساسية. من يفقد مصدر رزقه يبدأ بالتفكير في البحث عن فرص عمل أخرى لتأمين لقمة العيش لعائلته، لذلك قام أغلب سكان تلك المناطق بالنزوح والهجرة نحو مركز مدينة المشرح أو مدينة العمارة وحتى إلى محافظات أخرى”.
النزوح المناخي في ميسان لم يكن محصورًا في منطقة دون أخرى، بل يشترك غالبية أبناء أهوار ميسان، سواء الوسطى أو الجنوبية أو الشرقية، في المعاناة ذاتها، حيث بدأ النزوح من كل حدب وصوب.
أكد الناشط سجاد محمد شكر، لجريدة (المدى)، أن الظروف المناخية التي شهدتها محافظة ميسان أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من أبناء الأهوار في قضاء قلعة صالح جنوب مدينة العمارة إلى المدينة، بسبب جفاف مساحات واسعة من أهوار أم الورد وغيرها من الأهوار الأخرى، التي تمثل جزءًا كبيرًا من هور الحويزة. وقد جفّت أيضًا أنهار كانت ترفد تلك الأهوار بالمياه، ومنها نهر المجري، مما أثر على سكان القرى الواقعة على طول مجراه، ودفعهم للنزوح نحو المدن.
كشف تقرير نشرته (المدى) في شهر حزيران/يونيو من عام 2023 أن “قضاء قلعة صالح جنوب محافظة ميسان قد سجل أعلى مستويات النزوح الناجم عن التغير المناخي، حيث نزح أكثر من 50% من السكان في القضاء بسبب عوامل بيئية”. وأضاف التقرير أن “النزوح حدث من مناطق الأهوار المحاذية للقضاء، خلال محنة الجفاف التي تعرضت لها عام 2022، وشمل 10560 فردًا من أصل 1728 عائلة نزحت نحو القضاء”.
لم تكن مشكلة النزوح المناخي خافية عن أعين نشطاء البيئة في المحافظة، الذين رفعوا أصواتهم نحو مراكز القرار دون أن يجدوا آذانًا صاغية. وفي هذا الصدد، أشار الناشط مهدي رياض، رئيس فريق قصب التطوعي، لجريدة (المدى)، قائلاً: “ينزح أبناء الأهوار إلى المدن بحثًا عن العمل ومصادر الرزق بعد جفاف الأهوار بسبب الظروف المناخية القاسية، وانعدام سبل العيش، كونهم يعتمدون على صيد الأسماك وتربية المواشي، مما يضطرهم إلى النزوح نحو المدن. وتلك المشكلة مركزية وحلها أمام أعين صناع القرار، ويمكن تلافيها من خلال إطلاق حصص مائية عادلة”.
وتابع رياض: “سألنا أحد أبناء الأهوار عن احتياجاته الأساسية، ليواصل حياته هناك، فأجاب: ‘نحن لا نحتاج سوى المياه. متى ما توفرت لنا المياه بكميات كافية أستطيع تأمين عيشي وعيش عائلتي.’ وبالتالي، فإن المسألة تتعلق بالمياه كونها المصدر الحقيقي والشريان الرئيسي لمعيشة أبناء الأهوار”.
في هذا السياق، أكد المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، في تصريح إعلامي تابعته (المدى)، أن “معالجة أزمة شح المياه لا تقتصر على الجوانب الفنية فقط، بل تتطلب تدخلًا حكوميًا على أعلى المستويات، خاصة في ظل المشاكل المتعلقة بالإطلاقات المائية من الجانب التركي. إن مناطق الأهوار وذنائب الأنهار في جنوب العراق تعاني أكثر من غيرها من هذه المشكلة، التي لم تؤثر فقط على الأسماك، بل طالت أيضًا حيوانات الجاموس، مما دفع المربين إلى الهجرة بحثًا عن مناطق أفضل”.
وأدت ظاهرة النزوح المناخي لأبناء الأهوار نحو مراكز المدن إلى ظهور العديد من الآثار السلبية. وأشار الخبير البيئي الميساني، أحمد صالح نعمة، لجريدة (المدى) إلى أن “ظاهرة النزوح أدت إلى انتهاء بعض المهن المرتبطة بالمياه بشكل مباشر أو غير مباشر. المباشرة منها تشمل مهن الصيد والزراعة وتربية الحيوانات والسياحة، وغير المباشرة تشمل المطاعم والفنادق وصناعة وصيانة وتصليح الزوارق وآلات الصيد والزراعة. كما يحدث النزوح تغييرًا ديموغرافيًا إذا استمر الجفاف واستمرت العوائل بالهجرة. وأكثر سببين للنزوح هما شح المياه الصالحة للزراعة وتربية الأسماك، وقلة أعلاف تربية الجاموس والثروة الحيوانية، مما دفع بالهجرة إلى أطراف المدن بحثًا عن المياه والكلأ”.
وأشار علي محسن، رئيس منظمة أبناء الأهوار الإنسانية، إلى آثار سلبية أخرى للنزوح، قائلاً: “تسبب نزوح أبناء الأهوار إلى مراكز المدن بمشاكل عديدة، منها اتساع المناطق العشوائية بسبب محدودية دخل النازحين، مما يشكل عوائق إضافية لمديريات البلدية في المدن. كما ساهم النزوح في فقدان العديد من الأعمال التي كان يمتهنها أبناء تلك المناطق، مثل الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك. كما فقدنا أيضًا المنتجات الغذائية التي كانوا يوفرونها، وأصبحوا نازحين عاطلين عن العمل، باحثين عن فرص عمل في المدينة ومنافسة أبناء المدينة في الحصول على فرص العمل”.
وختم محسن حديثه بالقول: “نظمنا العديد من الوقفات الاحتجاجية وناشدنا الجهات المختصة عبر القنوات الإعلامية المختلفة باتخاذ إجراءات وتدابير لازمة من أجل إعادة الحياة إلى الأهوار، ولو بشكل جزئي، والحفاظ على

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أكاديميو ميسان في مرمى النيران العشائرية: الحلقة الأضعف في النزاعات الدموية
محليات

أكاديميو ميسان في مرمى النيران العشائرية: الحلقة الأضعف في النزاعات الدموية

 ميسان / مهدي الساعدي شهدت محافظة ميسان في الأيام القليلة الماضية جريمتين مروعتين راح ضحيتهما شابان أكاديميان، في سلسلة جديدة من الجرائم التي تستهدف الأكاديميين بسبب النزاعات العشائرية. الشاب الأول، علي جبار، الحائز...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram