TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تحدي البرادعي

تحدي البرادعي

نشر في: 7 ديسمبر, 2012: 08:00 م

كان أكبر تحد واجهه نظام مبارك هو البرادعي. وظل اكبر اختبار تواجهه الثورة المصرية هو البرادعي.
فور انتهاء رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية أواخر 2009 أعلن عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية التي كانت مقررة عام 2011. والرجل من الشخصيات النادرة في تاريخ المنظمات الأممية التي لفتت انتباه العالم، باتخاذها موقفا مستقلا تجاه الولايات المتحدة قبيل غزو العراق، حين أعلن أمام مجلس الأمن في 27 كانون الثاني 2003:" اننا لم نجد حتى اليوم اي دليل على ان العراق قام بإحياء برنامج الأسلحة النووية الخاص به". وهو الموقف الذي أغضب كبار المسؤولين الغربيين وقتها واستحق عليه جائزة نوبل للسلام مناصفة مع وكالة الطاقة الذرية عام 2005. استاذ القانون الدولي نال جوائز دولية أخرى بالإضافة الى 15 دكتوراه فخرية من جامعات مرموقة في الأمريكتين وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
وهكذا وجد النظام المصري نفسه لأول مرة أمام منافسة حقيقية في انتخابات رئاسية كانت نتيجتها في العادة مقررة سلفا. هذا أولا. وهو ليس الأهم، ذلك أن مواد الدستور المصري وقوانين اجراء الانتخابات كانت مفصلة بما لا يقبل قياسا بديلا لمصلحة مبارك، أو ابنه جمال في حال تنازل له الوالد. أما الأهم من موضوع الترشح فهو وضع ذلك "القياس الاستبدادي" تحت أنظار العالم، بسبب شهرة المنافس، وبالتالي تحويل موضوع "تداول السلطة" في مصر الى فضيحة دولية.
 وكان هذا الموضوع هو أخطر نقاط ضعف نظام مبارك، لأن جوهر استبداد النظام يكمن فيه. فقد كانت هناك في مصر نسبة جيدة من حرية التفكير، ونسبة مثلها من حرية تشكيل الأحزاب، لكن تداول السلطة كان هو المحظور التام من بين هذه الأركان الثلاثة للديمقراطية. وهذا هو ما اشتغل البرادعي على فضحه. وقد وضع عنوانا لهذا الشغل، سيتحول الى راية الفضاء السياسي المصري، وهو "التغيير". فقد اشترط للترشح الى الرئاسة "تغييرا" في الدستور وفي قوانين واجراءات الانتخابات الرئاسية، يجعلها مقبولة بالمواصفات العالمية. وكان ذلك مستحيلا، فتراجع عن الترشح. وبين اعلانه نية الترشح وبين اعلانه التراجع، كان الرجل قد حول قصة السلطة المصرية الى فضيحة.
وكانت تلك بداية العمل، لأنه استمر في النضال من اجل "التغيير"، وهي كلمة لم يستخدمها أحد في الساحة السياسية قبل البرادعي، كما يلاحظ الكاتب سمير فريد. وقد اجتذب نخبة كبيرة ولامعة من المثقفين، كما اصبح الشخصية الملهمة لشباب مصر الذي قاد ثورة 25 يناير.
ورغم اختلاف الظروف بعد الثورة، فانه اضطر الى اتباع تكتيك مماثل في موضوع الترشح للرئاسة. فهنا ايضا أعلن الترشيح ثم الإنسحاب، لافتقاد الانتخابات ايضا الشروط الموافقة للمواصفات الدولية، رغم نزاهتها من التزوير. فأحد نواقصها الأكيدة هو أن الفوز فيها كان معلقا برضا المجلس العسكري. إنه مقلق في زمن الاستبداد متطلب في زمن الثورة وصادم للإجماع في كل الأوقات. الرجل أكبر من المنصب. وهدفه صنع ديمقراطية وليس رئاسة دولة.
فور اصدار مرسي "الاعلان الدستوري" عاد البرادعي الى صدارة المواجهة. وقد اختارته "القوى المدنية" منسقا عاما لحركتها الإحتجاجية التي تشكلت باسم "جبهة الانقاذ الوطني". وبصرف النظر عن تطور الأحداث، فإن تبوء البرادعي هذا الموقع، يعني تقدم الثورة المصرية خطوة الى الامام في الاستجابة الى تحدي البرادعي، أو ما يمثله من قيم التقدم والحرية والعقلانية. وبهذا المعنى يظل البرادعي أكبر تحد يواجه الثورة المصرية، كما كان أكبر تحد واجه مبارك. ولقد استحال على الأخير هضمه، فهل ستفعل الثورة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: في محبة المرأة

 علي حسين أصبح العالم اليوم مسكونًا بشيء اسمه المرأة، فلم يعد من الممكن تشكيل برلمان أو حكومة في أي بقعة من العالم من دون النساء، ذهب العصر الذي كانت تشكو فيه سيمون دو...
علي حسين

قناديل: اليسار الجديد: أصولية عابثة وعُصابٌ جمعي

 لطفية الدليمي تتكرّرُ على مسامعنا كثيراً عبارةٌ قالها (غوبلز) وزير الدعاية النازية: كلّما سمعتُ كلمة (الثقافة) تحسّستُ مسدّسي. اليوم صار كثير ٌ منا يتحسّسُ رائحة أزمة عالمية النطاق كلّما سمع مفردة (الجديد) ملحقةً...
لطفية الدليمي

قناطر: مسلسل معاوية... جرُّ القناعات الى مسلخ الأوهام

طالب عبد العزيز مع أنَّ كلَّ تعريف للتأريخ يرجع الى وجوب توافر الوثيقة، إذْ لا تأريخ بدون وثيقة، إذْ أنه الأحداث والوقائع التي تقدّمها لنا الوثائق والمصادر، كما تعرف كلمة 'التاريخ' في اللغة العربية...
طالب عبد العزيز

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

محمد الربيعي جامعة بغداد صرح علمي شامخ، واحد ابرز منارات المعرفة في العراق والعالم العربي. تاسست عام 1957، لكن جذورها تمتد الى بدايات القرن العشرين مع تاسيس كليات الحقوق والطب والهندسة. لعبت الجامعة دورا...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram