كان أكبر تحد واجهه نظام مبارك هو البرادعي. وظل اكبر اختبار تواجهه الثورة المصرية هو البرادعي.
فور انتهاء رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية أواخر 2009 أعلن عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية التي كانت مقررة عام 2011. والرجل من الشخصيات النادرة في تاريخ المنظمات الأممية التي لفتت انتباه العالم، باتخاذها موقفا مستقلا تجاه الولايات المتحدة قبيل غزو العراق، حين أعلن أمام مجلس الأمن في 27 كانون الثاني 2003:" اننا لم نجد حتى اليوم اي دليل على ان العراق قام بإحياء برنامج الأسلحة النووية الخاص به". وهو الموقف الذي أغضب كبار المسؤولين الغربيين وقتها واستحق عليه جائزة نوبل للسلام مناصفة مع وكالة الطاقة الذرية عام 2005. استاذ القانون الدولي نال جوائز دولية أخرى بالإضافة الى 15 دكتوراه فخرية من جامعات مرموقة في الأمريكتين وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
وهكذا وجد النظام المصري نفسه لأول مرة أمام منافسة حقيقية في انتخابات رئاسية كانت نتيجتها في العادة مقررة سلفا. هذا أولا. وهو ليس الأهم، ذلك أن مواد الدستور المصري وقوانين اجراء الانتخابات كانت مفصلة بما لا يقبل قياسا بديلا لمصلحة مبارك، أو ابنه جمال في حال تنازل له الوالد. أما الأهم من موضوع الترشح فهو وضع ذلك "القياس الاستبدادي" تحت أنظار العالم، بسبب شهرة المنافس، وبالتالي تحويل موضوع "تداول السلطة" في مصر الى فضيحة دولية.
وكان هذا الموضوع هو أخطر نقاط ضعف نظام مبارك، لأن جوهر استبداد النظام يكمن فيه. فقد كانت هناك في مصر نسبة جيدة من حرية التفكير، ونسبة مثلها من حرية تشكيل الأحزاب، لكن تداول السلطة كان هو المحظور التام من بين هذه الأركان الثلاثة للديمقراطية. وهذا هو ما اشتغل البرادعي على فضحه. وقد وضع عنوانا لهذا الشغل، سيتحول الى راية الفضاء السياسي المصري، وهو "التغيير". فقد اشترط للترشح الى الرئاسة "تغييرا" في الدستور وفي قوانين واجراءات الانتخابات الرئاسية، يجعلها مقبولة بالمواصفات العالمية. وكان ذلك مستحيلا، فتراجع عن الترشح. وبين اعلانه نية الترشح وبين اعلانه التراجع، كان الرجل قد حول قصة السلطة المصرية الى فضيحة.
وكانت تلك بداية العمل، لأنه استمر في النضال من اجل "التغيير"، وهي كلمة لم يستخدمها أحد في الساحة السياسية قبل البرادعي، كما يلاحظ الكاتب سمير فريد. وقد اجتذب نخبة كبيرة ولامعة من المثقفين، كما اصبح الشخصية الملهمة لشباب مصر الذي قاد ثورة 25 يناير.
ورغم اختلاف الظروف بعد الثورة، فانه اضطر الى اتباع تكتيك مماثل في موضوع الترشح للرئاسة. فهنا ايضا أعلن الترشيح ثم الإنسحاب، لافتقاد الانتخابات ايضا الشروط الموافقة للمواصفات الدولية، رغم نزاهتها من التزوير. فأحد نواقصها الأكيدة هو أن الفوز فيها كان معلقا برضا المجلس العسكري. إنه مقلق في زمن الاستبداد متطلب في زمن الثورة وصادم للإجماع في كل الأوقات. الرجل أكبر من المنصب. وهدفه صنع ديمقراطية وليس رئاسة دولة.
فور اصدار مرسي "الاعلان الدستوري" عاد البرادعي الى صدارة المواجهة. وقد اختارته "القوى المدنية" منسقا عاما لحركتها الإحتجاجية التي تشكلت باسم "جبهة الانقاذ الوطني". وبصرف النظر عن تطور الأحداث، فإن تبوء البرادعي هذا الموقع، يعني تقدم الثورة المصرية خطوة الى الامام في الاستجابة الى تحدي البرادعي، أو ما يمثله من قيم التقدم والحرية والعقلانية. وبهذا المعنى يظل البرادعي أكبر تحد يواجه الثورة المصرية، كما كان أكبر تحد واجه مبارك. ولقد استحال على الأخير هضمه، فهل ستفعل الثورة؟
تحدي البرادعي
[post-views]
نشر في: 7 ديسمبر, 2012: 08:00 م