TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: الوثائقي المتخيّل كاميرا بعين مليئة بالخوف

كلاكيت: الوثائقي المتخيّل كاميرا بعين مليئة بالخوف

نشر في: 10 أكتوبر, 2024: 12:07 ص

 علاء المفرجي

امرأة تبرز بين الجموع، وخلفية الصورة أنقاض بناية تنهار بفعل صاروخ قبل دقائق، المرأة تولول وتصرخ باحثة عن طفليها، المتلقي يعرف انها من سكان البناية المتهاوية، لكنها كانت خارجها من اجل التسوق، بعد أن أستودعت طفليها فيها، بمن كانت تستغيث إذن، ليأتي بطفليها؟ والجموع نالهم ما نالها.
طفل يبكي وهو يمشي مع هذه الجموع المعذبة، من دون عائلته. وشيخ يٌدفع بعربة مهترئة تضم أشياء لم ينلها الدمار قاصدا الأمان، هل هناك مكان آمن في غزة اليوم؟ صور لأناس اختلطت بصور الدماء الذي نال كل شيء.
عجوز سبعينية تقول: منذ ان ولدت، لم نسلم من هذه الحروب، وآخر يقول: أين العالم.. ألم يندى جبينه..
مثل هذه الصور وغيرها، تلتقطها كاميرا مخرج يرغب التوثيق، توثيق صورة شعب يعاني ويٌقتل، شعب لا ذنب له سوى أنه فلسطيني..
اختار مثل هذه الصور لفيلم وثائقي، وما أكثر الوثائقيات التي أرخت ووثقت لحروب العالم، ما الذي ينتظره بعض مخرجينا ليمتشقوا كاميراتهم من أجل فلسطين، ليرصدوا هول المأساة التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ عام كامل، خمسون الف شهيد، راحوا بين قساوة الطغاة، وبراءة شعب.
إزاء هذه المأساة التي تعيشها فلسطين الأن، لم نعد بحاجة الى فيلم وثائقي محكوم بالتقليدية في تنفيذه، بل نحن بحاجة الى وثائقي مختلف، مغاير على ما أعتدنا عليه كمتلقين، فيلم يرتقي بفكرته وصناعته الى مستوى المأساة، فيلم يستنطق التفاصيل، لا البشر فقط، فيلم يحرك فينا كمتلقين شعور الانتماء لهذه القضية.
تجول الكاميرا بين صور المأساة، قصف وحشي يستهدف كل البنى التحتية، أبنية تنهار برمشة عين، مستشفى يُقتحم، نداءات استغاثة من مواطنين يغذون السير في طريق، لا يعرفون هم أي مجهول قاصدون.
الكاميرا تنقل صور بلقطة بعيدة من خلال الدرون، النزوح الجديد لسكان غزة، وغالبيتهم من الأطفال، وكما في الوثائقي (نزوح إلى المجهول).. الذي تتناول حكايته نزوح الغزاويين الى الجنوب، الى خان يوس ورفح، من جديد يستعيد المتلقي سِفر النزوح الدائم، وكأن هذا الشعب خُلق كي يرحل، وهذه المرة نزوح أبدي كما يريده الإسرائيليون، ويعود سكان غزة كما حصل منذ أكثر من سبعين عاما، حيث عيش الخيام القاسي.
الأطفال هنا في هذا الوثائقي المفترض، سيسردون كل شيء، فيأخذ كل طفل معذب برواية حكاية مأساوية، فذاك الطفل الدي فقد كل عائلته باستثناء اخته الصغيرة ذي العامين، والأخر المصدوم بالذي حصل، ينظر الى الكاميرا بعين ملؤها الخوف، لا يعرف شيئا سوى أنه سائر مع الاخرين الى حيث المجهول. وآخر يأمل الرجوع الى بيته، واستئناف لعبه.
أرى أن المحنة لا تحتمل من أفلام سوى الوثائقي، الذي يؤرخ المعاناة التي يعيشها شعب معذب، فيلم يستخدم الواقع كما هو كمادة خام، ويتولاها فنان يتحكم بقصته، ليس المهم أن يروي قصة عن واقع الحياة، ولكن يكفي أن تدور الكاميرا بين حجم المأساة، لتروي قصة هذا الشعب الدي يرزح تحت وابل من أدوات الحرب الحديثة، وتبقى الأجابات معلقة، والمشاهد هو من يصوغ معنى أي فيلم من خلال الجمع بين المعرفة والاهتمام بالعالم، وبين الشكل الذي يصور به المخرج هذا العالم. وفي الوقت نفسه تنطلق توقعات جمهور المشاهدين بانهم لا يشاهدوا تزييفا وكذبا، فالفيلم الوثائقي والحال هذه ينقل إلينا أشياء صادقة عن العالم الواقعي.
وهنا لا يحتاج صانع الفيلم الوثائقي، أن يراهن على الصدقية التاريخية، فالتفاصيل متاحة، وتبقى الوثيقة شأنا للمؤرخ، لا المبدع، الذي يستطيع أن ينحت من الوثيقة مادة ابداعه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تاريخ الأسطورة الفاوستية

قناطر: متاحفنا بلا زائرين. . لماذا؟

انتهاء مباحثات الرياض بين ممثلي كييف وواشنطن من دون الإعلان عن هدنة

قضية الناشط التشريني إحسان أبو كوثر تتفاعل: والده تعذب في مراكز الاحتجاز!

الحرب الباردة بنسختها الثانية

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: غزوة علي الطالقاني

العمود الثامن: سافرات العبادي

العمود الثامن: تجربة فشل!!

قناطر: البصرة في جذع النخلة.. الطالقاني على الكورنيش

الضربات الأميركية على الحوثيين تقرب الحرب مع إيران

قناطر: متاحفنا بلا زائرين. . لماذا؟

طالب عبد العزيز كثيرا ما نرى، وضمن فعاليات معارض الكتب في العالم توافد طلاب المدارس عليها، وهو مشهد كنت قد شاهدته في مدن كثيرة منها بيروت والقاهرة وغيرها، لكنني قلما شاهدته في بغداد والبصرة،...
طالب عبد العزيز

الحرب الباردة بنسختها الثانية

حسن الجنابي لا أخفي انحيازي، إذا خُيرت، الى نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي قام على حافة المواجهة والردع الاستراتيجي المتبادل، فيما أصطلح عليه بفترة الحرب الباردة. الحرب التي أجاد توازناتها زعماء، ربما...
حسن الجنابي

عن لعنة المال

عبد الكريم البليخ يُقال إنّ المال عصبُ الحياة، ويُقال أيضاً إنه زبالة الدنيا. بين هذين النقيضين، تتأرجح البشرية منذ أن خُلق الإنسان، وما زالت الحيرة تفتك بقلوب العاقلين، بين من يراه نعمة وضرورة، ومن...
عبد الكريم البليخ

الحرب في أوكرانيا: ليست أمريكا هي التي تخون أوروبا، بل أوروبا هي التي لم تتمسك بخطها

فينسنت تورنييه ترجمة :عدوية الهلالي يبدو ان دونالد ترامب مريح جدًا فبفضله أصبح بوسع الأوروبيين أن يتجنبوا المناقشات الجوهرية: ما هي مسؤوليتهم في الحرب في أوكرانيا؟ ماذا فعلوا لوقف ذلك؟ وما هو استعدادهم للقيام...
فينسنت تورنييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram