علي حسين
هل تعرف عزيزي القارئ ما هي المشكلة المزمنة التي نعاني منها في بلاد الرافدين ، انها الذاكرة .. الكثير منا لا وقت لديه لكي يتذكر احداثا جرت قبل اشهر ، فهو مشغول البال بالترند الجديد الذي يكتسح مواقع التواصل الاجتماعي ، لا مكان لمراجعة الاحداث ، ولا سؤال عن القضايا التي كانت تشغلنا قبل اسابيع قليلة واصبحت اليوم بلا اجابات ، بل ان البعض يريد لها ان تغيب في دهاليز النسيان ، قبل أيام كنت أقرأ خبراً عن فتاة أمريكية تعاني من مشكلة صحية حيرت الكثير من الأطباء حيث أن ذاكرتها تعيد ضبط نفسها كل ساعتين، ووصل بها الحال أنها لا تتذكر الناس الذين قابلتهم في نفس اليوم. وقال الأطباء إن الفتاة تعاني من مرض اسمه "ذاكرة السمكة" الذي يقول العلماء إن صاحبتنا السمكة تعاني الضعف في مسألة الذاكرة .
تذكرت السمكة وذاكرتها وأنا اتابع اخبار" الفتى المدلل " نور زهير ، فقد عشنا مع اخباره ، ولم يكن يمرّ يوم من دون أن نقرأ أو نسمع عن سرقة القرن، وكيف أن الدولة مهتمة باستعادة الأموال التي نهبت في وضح النهار.. والأموال كما يعرف جنابكم الكريم تقترب من ثلاثة مليارات دولار، وفي كل مرة نسمع جعجعة فقط ، ولا نرى افعالا باستثناء التصريح " الحاسم " الذي فاجأنا به القاضي ضياء جعفر حيث اخبرنا " مشكورا " بانه كان وراء قرار اطلاق سراح نور زهير ، اما قرار سفره فربما صدر عن جهات عليا اخرى من اجل ان يعيش الرجل حرا يتمتع بما لديه من أموال ، فيما نحن منشغلون بـ " ترند " جديد يعيد ضبط ذاكرة هذا الشعب.
يكتب الحائز على نوبل للآداب وول سوينكا: "تعلمت أن لا أثق أبداً في سياسي"، وأعتقد أن العراقيين اليوم وبعد 21 من تحارب الفشل لا يثقون بالساسة، مثلما لا يصدقون ان هذه البلاد ستعيش عصر النزاهة ما دامت الفضائيات مصرة ان تذكرنا اننا نعيش عصر حميد الهايس .
بعد 21 عاما لا بد ان نؤمن ان بناء هذا البلد لا يتم عبر الخطابات والاهازيج . إننا، أيها السادة، نعيش الآن، صراع الوجود لا صراع الطائفية. وفي نهاية هذه المعركة ثمة طريقان: أما بلاد تسعى للمستقبل، واما الاستمرار في البحث عن أصحاب "ذاكرة السمكة".
المشكلة الكبرى في هذه البلاد أن الجميع يتحدث بالقانون، لكنه يرفض التمييز بين العدالة والكوميديا، وفي الدول العادية يكون القانون سيفاً قاطعاً لمحاربة سراق المال العام. أما في بلاد الرافدين فنجد المسؤول والسياسي يصر على اننا شعب بلا ذاكرة.