واسط / جبار بچاي
مع وفرة إنتاج التمور في العراق هذا الموسم، تسعى وزارة الزراعة إلى البحث عن منافذ جديدة لتصدير التمور العراقية، بما يضمن الحفاظ على هويتها وأسعارها في أسواق جديدة مثل تركيا والمغرب ولبنان والهند ومصر والصين وسوريا وبنغلادش وبعض الأسواق الأوروبية والأمريكية. يأتي ذلك بعد أن كانت التمور تُصدَّر إلى الإمارات كمادة خام دون تعليب أو معالجة، وتباع هناك بأسعار رخيصة، ليقوم تجار الإمارات بتعليبها ومعالجتها ثم بيعها بصفة تمور إماراتية، وفقاً لتصريحات المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي.
من المتوقع أن تكون إنتاجية الموسم الحالي قد فاقت الموسم الماضي الذي بلغ 750 ألف طن، وفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة، صُدِّر منها نحو 400 ألف طن إلى الخارج. فأصبح شويثي الناصرية ومكتوم بدرة وخضراوي البصرة وبرحي كربلاء والحلاوي والبربن والبريم وجمال الدين وغيرها من أصناف التمور العراقية خير سفير للبلاد، لكن هذا السفير بحاجة إلى إناقة أجمل من خلال إتمام عملية التعبئة والتغليف بطرق حديثة وجميلة تعكس اهتمام العراق بتموره التي باتت تشكل مورداً اقتصادياً هاماً للبلد.
يقول كريم عبيد المياحي، أحد أصحاب بساتين النخيل في قضاء الحي بمحافظة واسط: «الموسم الحالي شهد وفرة جيدة في إنتاج التمور على العكس من المواسم السابقة، وهذه الوفرة جاءت نتيجة اعتماد الفلاح على نفسه ورفع تكاليف الإنتاج المتمثلة في توفير المبيدات الحشرية، إضافة إلى العناية بالنخلة من حيث التكريب والتنظيف ورفع المغروسات غير المفيدة جوارها والتي يمكن أن تؤثر عليها».
وأضاف في حديثه لـ(المدى) أن «إنتاج التمور في محافظة واسط أصبح يسد الحاجة المحلية مع فائض كبير، لذلك نقوم ببيع تمورنا إلى تجار في بغداد وكربلاء ليقوموا بدورهم بتصديرها إلى الخارج بعد إجراء ترتيبات بسيطة في قضية التعبئة والتغليف».
وأشار إلى أن «الغالبية من أصحاب البساتين ما زالوا حتى الآن يعتمدون طريقة بسيطة وقديمة عند بيع التمور من خلال وضعها في أكياس من النايلون، باستثناء عدد قليل منهم يعتني بعملية التعبئة والتغليف التي تعد جزءاً مهماً وأساسياً أثناء عملية التصدير وتساعد أيضاً في رفع أسعار بيعها».
وقال زميله محمد طارش، أحد أصحاب البساتين في قضاء بدرة: «على الرغم من الزيادة الكبيرة في إنتاج التمور العراقية، فإن بساتين المناطق الحدودية (البصرة، ميسان، واسط، ديالى) ما تزال واقعة تحت تأثير مخلفات الحرب، خاصة بساتين البصرة وبساتين قضاء بدرة في واسط التي تتميز بإنتاج أصناف نادرة مثل المكتوم والبرحي وجمال الدين والبربن والساير والقيطاز، إضافة إلى الخستاوي والعمراني والأشرسي والحمراوي وواسطة عمران والتبرزل، مع وجود صنفين غير متوافرين سوى في بساتين بدرة هما علي العبد وعلي دولا».
وأضاف أن «أكبر التحديات التي واجهتها بساتين النخيل في العراق، خاصة في المناطق الحدودية، هي محنة حرب الثماني سنوات، حيث أصبحت البساتين مسرحاً للقتال واستخدمت الجذوع لتسقيف ملاجئ الجنود، إضافة إلى استخدامها لأغراض التدفئة والطبخ واستخدامات عبثية أخرى، ما أدى إلى حصول نقص كبير في أعداد النخيل تبعه تراجع مخيف في الإنتاج».
واشار إلى أن «المحنة الثانية التي تعرضت لها البساتين في بدرة هي شح المياه، بل انعدامها كلياً بعد أن أغلقت إيران منافذ توريد المياه إلى الأراضي العراقية من خلال إقامة السدود هناك، مما شجع على عمليات التجريف التي أدت إلى تجريف مساحات كبيرة من تلك البساتين وفقدان أعداد كبيرة من النخيل بذريعة بيع أراضيها كقطع سكنية، كذلك ما حصل من حرائق تكررت عشرات المرات، إضافة إلى ضعف المكافحة وعدم شمول مساحات من البساتين ببرنامج المكافحة الوطني الذي تتبناه وزارة الزراعة».
يقول أحمد عجيل الزبيدي، أحد أصحاب بساتين النخيل في واسط: «لا بد من فتح آفاق جديدة للتمور العراقية من خلال الاهتمام بها كثيراً عند تصديرها، وأول مرحلة في ذلك هي عملية التعبئة والتغليف التي تدل على الاهتمام بها وتعطيها خصوصية، مثلما تقوم بلدان أخرى بذلك عند تسويق تمورها سواء محلياً أم خارجياً».
وقال: «لا بد من إيجاد معامل حديثة ومتطورة لتعليب التمور وإنتاج الدبس وكل ما يتعلق بمخرجات إنتاج التمور التي نريد لها المحافظة على الهوية الوطنية وأن تكون خير سفير اقتصادي للبلد، كذلك لا بد من الاهتمام بتعبئة وتغليف التمور المصدرة».
وذكر أن «ما يحصل للتمور العراقية في بعض البلدان التي تُصدَّر إليها من عمليات تعبئة وتغليف ووضع علامة جديدة خاصة تؤكد أنها تعود لذلك البلد يعد أمراً غير مقبول وسرقة للجهود، لذلك ينبغي أن تُصدَّر تمورنا على أتم وجه من حيث العناية والنظافة والتعبئة والتغليف لتحمل هوية العراق وتكون سفيراً اقتصادياً ناجحاً للبلد».
كان العراق لعقود طويلة صاحب المركز الأول في إنتاج التمور واحتفظ بالمرتبة الأولى عالمياً من حيث أشجار النخيل والإنتاج السنوي، وكانت تتوافر لديه 38% من مجموع أشجار النخيل في العالم، وكان يمتلك حوالي 31 مليون نخلة، لكن أعدادها تراجعت بسبب الحروب التي دمرت آلاف الدونمات من البساتين، إضافة إلى الإصابة بالأمراض المختلفة ومنها حشرتا الحميرة والدوباس، يضاف إلى ذلك عمليات تجريف البساتين وبيعها أراضٍ سكنية وتجارية.
يُذكر أن عملية تصدير التمور العراقية مرت بمراحل عدة منذ العام 1952 حيث اتجه ولأول مرة لتنظيم تجارة التمور، حتى العام 1988 تأسست الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور، وهي شركة مساهمة مختلطة باشرت أعمالها عام 1989 وما تزال قائمة.