TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:المُسكّنات وأنصاف الحلول لم تعد مجدية ولا مبررة..أيّ حوارٍ قادرٍ على إطفاء فتيل الأزمة؟

الافتتاحية:المُسكّنات وأنصاف الحلول لم تعد مجدية ولا مبررة..أيّ حوارٍ قادرٍ على إطفاء فتيل الأزمة؟

نشر في: 11 يونيو, 2012: 02:38 م

يتابع شعبنا اليوم والأمل يحدوه، كما في كل المنعطفات التي مرت بها العملية السياسية، المساعي التي تُبذَل عبر ما يجري من تشاور مكثف بين الكتل والفعاليات السياسية في البلاد المشوبة بالرغبة لتغليب إرادة الوحدة الوطنية على ما عداها، والمصالح الوطنية العليا على النزعات الذاتية السلبية والنتائج العرضية التي تنجم عن التباعد والظنون والشكوك المتبادلة. ولا سبيل لنجاح أي جهد في هذا الاتجاه إلا بتجنّب إسقاط الأسباب والعوامل التي لعبت ولا تزال  دورها في تلغيم الأوضاع السياسية في البلاد، وتؤدي في نهاية المطاف إلى ما نحن فيه من أزمة تتفاقم وتتربص بتجربتنا وما حققناه معاً من مكاسب وطنية في إطار العملية السياسية الديمقراطية والتحالفات التي كانت في أساس ما حققتها.

إن تضافر الجهود والإرادة الايجابية المشتركة لمعالجة ما يشوب الوضع من تدهور ويتهدده من مخاطر، لا تتحقق بمعزلٍ عن تدابير عملية تشيع مناخاً من الثقة عبر معالجة مواضع الخلل والانفراد والتعديات وخرق الدستور والعبور على الاتفاقات والعهود، ودون التعرض للمسؤولية المباشرة وراء ذلك، وتسليط الضوء على ما يغذيها من نهج وخروقات وهوسٍ محموم لاغتصاب كرسي السلطة،  بل والاهتمام أيضا بالفات النظر إلى ما يلزم من الجميع  لتكريس الحل الوطني الدائم.

وفي هذا السياق يلزم التوقف بكل صراحة وموضوعية ودونما مواربة أمام المخاطر الجدية المحدقة بالتجربة والبلاد، وهو ما يترتب على كل طرفٍ التوقف عنده والعمل على تداركه. 

ان من غير النافع، في إطار التحرك لإيجاد الحلول للإشكاليات التي بات الجميع على معرفة بجذورها ومظاهرها وأبعادها والعوامل التي تشكل منبتها، عدم التوقف عند مواقع الخلل والتجاوز ومناطق الاحتكاك غير المبررة او المثيرة للهواجس، فذلك كله مطلوب الكشف عنه بكل جرأة وصراحة، وبعيداً عن المجاملة، باعتباره الضامن  لتفكيك الأزمة والحيلولة دون إعادة إنتاجها، وإيجاد الحلول لكل جانب من جوانبها.

وإذا كان مبرراً في السابق، البحث عن "مسكناتٍ" أو أنصاف حلولٍ أدت في واقع الحال إلى تمييع القضايا العقدية الملحة والقفز عليها. فان بلوغ الأزمة اليوم إلى حدودها التي تنذر باستخدام الجيش في "تصديرها"، تتطلب اعتماد الصراحة والوضوح والمعايير الوطنية وقيم الديمقراطية وما نص عليه الدستور والاتفاقات المبرمة كأساس، هو الكفيل بكشف كل ما يحيط بالعملية السياسية والعلاقات بين قواها من خللٍ وثغرات، وما يقترن بأساليب إدارة الحكم من تعطيل لمبادئ الدستور والتوافقات الوطنية، مما أدى في التطبيق العملي إلى إعاقة استكمال بناء دولة المؤسسات بل تشويه بنيتها، والاستمرار في تجاهل معاناة المواطنين، بوضع حدٍ لتدهور الأحوال المعيشية للمعوزين والطبقات الفقيرة في ظل الانقطاع الدائم للكهرباء والماء الصالح للشرب والافتقار لتأمين الخدمات الحيوية الضرورية للحياة الإنسانية الكريمة ونهب المال العام والفساد المستشري، إلى جانب استمرار الانفلات الأمني وتطاول الإرهاب على حياة المواطنين وممتلكاتهم في سائر مناطق العراق.

وبغض النظر عن الرؤى المختلفة، فان أي افتراض آخر للعمل واللقاء، دون اعتماد هذه الأسس، سيدخلنا من جديد في باب التسويات "المهدئة" المخلة، وهو ما لا يشكل حلاً، وليس من شأنه معالجة جوهر الأزمة الراهنة ولا تستطيع اجتثاثها من الجذور، بل على العكس تماماً فإنها ستؤدي إلى تعميق الأزمة وتوسيع دائرتها وانفلاتها.

ومن الواضح ان "تهييج" وإنتاج الأزمات انما يصب في اتجاه معاكس للديمقراطية والدستور وإرساء أسس دولة المؤسسات والحريات والمواطنة، وهو لا يخدم سوى من يسعى إلى تكريس النزعة الانفرادية والتسلط، وعواقب التغاضي عنها وخيمة على الجميع ومن شأنها تعريض شعبنا بكل مكوناته وتلاوينه إلى خطر فادح، على الجميع تداركه بوعيٍ وطني عميق. ولا بد من معالجة مباشرة وفقاً لما أصبح متداولاً بين مختلف الأطراف، واعتبار الالتزام بها الأساس لتجاوز الأزمة الراهنة:

أولاً: اعتماد وثيقة الإصلاح السياسي التي اقرها مجلس النواب في الدورة السابقة،  ولم تجد الفرصة المواتية للتطبيق بسبب التعنت والتعطيل من قبل رئيس مجلس الوزراء، على أن يجري تطعيمها بالمستجدات وتحديثها لكي تتلاءم مع الظروف الراهنة.

ثانياً: الوثائق والقرارات التي اقرها اجتماع أربيل وكانت في أساس تشكيل حكومة الشراكة الوطنية، واستكمال ما لم ينجز منها مما هو ضروري ومرتبط بأسباب الأزمة.

ثالثاً: صياغة نظامٍ داخليٍ لمجلس الوزراء يحقق الشراكة المطلوبة، ويكرس العمل الجماعي في قراراته، ويجسد مبادئ الدستور ومقتضياته، والمفاهيم التي أوردها بشأن صلاحية المجلس والأدوار المنوطة به.

رابعاً: تدقيق مفاهيم المصالحة الوطنية وأهدافها، من دون التعارض مع ما نص عليه الدستور من تحريمٍ لحزب البعث ورموزه، ووضع معيارٍ موحدٍ للتعامل مع تطبيقاته.

ولا ينبغي أن يثير ذلك أي التباسٍ بشأن هذا المفهوم الذي ينبغي ألاّ يتعارض مع احتضانٍ لكل أبناء الشعب، دون استثناء الذين كانوا بهذا الشكل او ذاك على علاقة بحزب البعث بلا إيمان او قناعة أو لأي سبب آخر في اطار الضرورات الشكلية. ولا ينبغي ان يشمل التحريم  سوى من يواصل حمل رسالة حزب صدام او يروج لأفكاره وقيمه او لأساليب عمله ونشاطه، او يسعى بأي شكلٍ كان لإعادة الاعتبار له، وسوى من ارتكبوا الجرائم أو يشملهم  قانون المساءلة والعدالة، على أن يُستبعد تقديم الكوادر البارزة، ممن سماهم قانون المساءلة، إلى المواقع القيادية البارزة في القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات.

ان الأطراف المتشاركة في العملية السياسية معنية بتطبيق الدستور في ما يتعلق بالموقف من البعث والإرهاب، ومطالبة بإطفاء بؤرهما وتجفيف مصادر تمويلهما مادياً وبشرياً، وازاحة البيئة السياسية التي تساعد في حمايتهما.

خامساً: إعداد ورقة بالتدابير المطلوبة لإنجاز كل ما يتعلق بالتوازن الوطني، والمظاهر المخلة او الإجراءات المتخذة في أي قطاعٍ في الدولة والوزارات والمؤسسات التي تتعارض مع مبادئ الدستور وأحكامه، وإبطال مفاعيلها وإعادة النظر فيها.

إن هدف المشاورات هو الوصول إلى ما يردم الهوة بين سائر الأطراف المتشاركة في العمل السياسي، ويعيد الاعتبار للثوابت الوطنية التي تكرس الدولة التي شرع  أسسها الدستور، على أن أول ما ينبغي التأكيد عليه هو وضع برنامجٍ عملي ملزمٍ قابلٍ للتطبيق والمساءلة حول المطالب الشعبية الخاصة بكل أوجه الخدمات وتحسين الحياة المعيشية والتصدي للفساد المستشري وإنجاز المشاريع التنموية، وفي أساس ذلك كله وضع حد للإرهاب وإرساء أسسٍ وطيدة للسلم الأهلي وامن المواطنين وسلامتهم والاستقرار السياسي.

وبدون ذلك يصبح التشاور والحوار، مجرد "هواءٍ في شبك.!"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram