TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > " البعث" بدِمشق وبَغْداد.. غساسنة ومناذرة

" البعث" بدِمشق وبَغْداد.. غساسنة ومناذرة

نشر في: 19 ديسمبر, 2024: 12:02 ص

رشيد الخيون

بعد إزاحة "البعث" في 9 أبريل 2003 مِن سدة السُّلطة ببغداد؛ ظل جناحه السُّوريّ قائماً بدِمشق حتَّى 8 ديسمبر 2024، يحكمها على قلق، حتى انتهى بعد 61 عاماً. كان الأسد يعرف النتيجة، فقد شاهد مصائر الآخرين المريعة، فإذا كابر رأس النّظام العراقيّ، ولم يسمع لمَن نصحه بالانسحاب، فلربّما جنب بلاده الهوائل، حسبها الأسد- لكنه ترك البلاد بلا ترتيب- حساب المتنبيّ(اغتيل: 354هـ) مادحاً سيف الدَّولة(تـ: 356هـ): "الرَّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ..هُوَ أَوَّل وَهِيَ المَحَلُّ الثَّاني". قالها المتنبيّ لما انسحب الحمدانيّ مِن بلاد الرّوم، فالمواجهة ليست لمصلحته(اليازجيّ، العرف الطّيب في شرح ديوان أبي الطّيب).
تسلم البعث السلطة بانقلابين عسكريين (1963)، ببغداد (8/2)، وبعد شهر بدمشق، وكان بالإمكان تطبيق شعارهما بالوحدة العربيّة، فكانت القاهرة بحاجة لإعادة الوحدة مع دمشق، لتستر هزيمتها؛ الوحدة التي فكت عراها (1961)، لكنه مؤتمر، وخياطة عَلم(1963) لا أكثر، ثم أجهضت ثانية؛ "واتصلت زوراً وقد أقسمت/ بالعروة الوثقى على الانفصامِ" (الجواهريّ، أمين لا تغضب 1963)، لأنهّ شعار "أماني لا مباني". عاد "البعث" إلى السلطة ببغداد في 17 يوليو 1968، وأعلنت بعده دمشق "الحركة التّصحيحية" في 16 نوفمبر 1970، فبدأ الخصام، ولم ينته.
لا أدري، إذا صح الرّبط بالنزاعات الحادة بين الشّام والعراق، بما حصل بين الغساسنة والمناذرة(قبل الإسلام)، فالغساسنة العرب نصبهم القياصرة ملوكاً على الشَّام؛ والمناذرة العرب نصبهم الأكاسرة ملوكاً على العِراق، وكلاهما كان على المسيحية، فإذا كانت المسيحية ديانة تبشيرية، فالمجوسيّة ليست تبشيرية، لذا؛ سمح الأكاسرة بالمذهب النَّسطوري بالمدائن، المخالف لمذهب الرُّوم(البير أبونا، تاريخ الكنيسة الشَّرقيّة).
احتل المناذرة، أو آل لخم، الشَّام مع الأكاسرة، وبالمقابل احتل الغساسنة العراق عند انكسار المناذرة، والمعروفون بملوك الحيرة، وكانوا على العراق قاطبة، فقيل: "فدوخت العِراق فكلُّ قصرٍ.. يُجلجل خندقٌ منه وحامٌ" (نولدكه/ أمراء غسان). يومها كان الفرس ببلاد الشّام "أنزلوا الرّعب في قلوب أهلها، وأحدثوا فيها مِن الخراب" (نفسه)، حتى استردها الرُّوم. كان البَلدان ساحة لنزاع الإمبراطوريات العظمى آنذاك(رومان وساسانيون).
انتهت تلك المقابلة مع الفتوح الإسلاميَّة، لكنها عقودٌ ويتقابل الشام الأموي مع العراق العلويّ، والأشد كانت معركة صفين(37هـ)، حيث القائم اليوم غرب العِراق على الفرات(ابن مُزاحم، وقعة صفين)؛ بعدها ظل العراق مكان الثَّورات ضد الشَّام، وأخطرها كان خروج ابن الأشعث(قُتل: 85هـ)، وآخر وقعة له مع الأمويين بـ"ذات الجماجم"، حيث بابل(الطّبريّ، تاريخ الأمم والملوك).
لا يتسع المقال ولا المقام للتبسط، بما حصل بين دمشق وبغداد، حتّى نصل إلى حكمهما مِن "البعث"، فالنّظريّة واحدة، لكن الأمر بينهما كان أخطر مما بين الغساسنة والمناذرة، فمؤسس الحزب نفسه كان أميناً ببغداد، ومنبوذاً بدمشق، وكيفما تكن دمشق، تكن بغداد ضدها، وبالعكس.
انتهى حكم الحزب بدمشق وقبلها ببغداد، وما عاد الدّفاع عن الأضرحة، وشعار "زينب لا تُسبى مرتين" موجوداً، مع أنّ البناء بضواحي دمشق مقام وليس ضريحاً، فزينب وأسرتها غادرت دمشق إلى يثرب ولم تخرج منها. أتلاحظ كيف يتحفنا التّاريخ بالعجائب، علوي(المذهب) يحكم عاصمة الأمويين، ويُصلي في مسجدها، يواجه سُنياً يحكم بغداد، والأخير تُشجر له شجرة نسب أصلها علويّ، وما هي إلا لحظات مِن الدّهر، وبقدرة قادر، تصبح دمشق تحت حاكم سُنيّ، وبغداد يحكمها شيعيٌ، مع ثقتنا، أنَّ الطوائف غير مسؤولة عن مسالك الحاكمين. لذا؛ يكون الثأر من الطَّوائف كبائر الخطايا.
أقول: سينتهي التّقابل بين دمشق وبغداد، المتعاقب مِن زمن الغساسنة والمناذرة؛ حتّى فرعي حزب "البعث"، وتزدهر العاصمتان؛ لكنْ لا يحصل هذا، إذا ظلت مصلحة الخارج والعقائد لدى المتنفذين في العاصمتين، مقدمة على مصلحة الوطن والشّعب؛ وهذا هو الفرق بين ممالك مستقرة جعلت الدَّاخل أولاً، وجمهوريات مضطربة سحقت الدَّاخل سحقاً، وبغداد ودِمشق نموذجان صارخان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram