ثائر صالح
تذكرت اهتمام الباحث الراحل علي الشوك باللغات وأتيمولوجيا الكلمات، منها ما ارتبط ببحثه عن الجذور الشرقأوسطية للحضارة اليونانية، وتوكيده على كتاب أثينا السوداء لمارتن برنال. ونرى اليوم المزيد من الأدلة على أن الفكر اليوناني الذي يعتبره الأوروبيون أصل الحضارة الأوروبية هو في الحقيقة استعارة خلاصة ما توصل إليه الفكر الرافدي والمصري عبر آلاف السنين.
ونعلم أن حركة الترجمة نقلت عيون التراث اليوناني إلى العربية (مرات عديدة عبر وسيط هو السريانية)، وهنا بدأت أتساءل، كيف نقل المترجمون الأسماء الأعجمية اليونانية إلى العربية. فنقرأ عن أرسطوطاليس وأفلاطون وإقليدس، وغيرها من الأسماء التي تحوي حروفاً مفخمة هي غير موجودة في الأصل. ينقلنا هذا إلى العادة المتبعة حتى اليوم في كتابة الأسماء الأجنبية باستعمال حروف مفخمة، وأبلغ الأمثلة التي سمعتها كتابة التكسي على طاكسي في شمال أفريقيا. ويذكرني هذا في كتابة الأسماء الأجنبية باللغة العبرية الحديثة، فالتكسي عندهم طاقسي، فهم كثيراً ما يستعملون القاف للدلالة على الكاف اللينة، والطاء للدلالة على التاء اللينة. يبدو أن هذا النمط في الكتابة مميز للغات السامية.
وإذا ما انتقلنا إلى الموسيقى، سنجد الكثير من الأمثلة على ما سبق. إذ أن الكثير من المصطلحات التي تستعمل في الموسيقى أوروبية، وهناك ثقل كبير للغة الإيطالية. فالنوطة أصلها لاتيني هو نوتا أو نوتة ومعناها العلامة، ونقول مفتاح صول والباص والكونتراباص، وقد سمعت باسم القرنيطة وهي تعريب الكلارينيت. ويكتب البعض في مصر أسم أداة الفاكوت بشكل فاجوط، وهذا هو الاسم المستعمل في وسط أوروبا لأداة الباسون التي تكتب باصون كذلك. وقرأت كذلك في مكان ما عن رقصة الجافوط، يراد بها رقصة اسمها كاڤوت، وهي من قطع المتتابعات في عصر الباروك، ونحو ذلك. لكن الميل العام اليوم هو استعمال المصطلحات الأجنبية مثلما تنطق بقدر الإمكان.
وهذا يقودنا إلى ترجمة المصطلحات، وهو أمر شائك بسبب الضعف العام في مجال التقييس، وهذا ينطبق على مختلف مجالات الحياة الأساسية، فما بالك بالموسيقى. ففي الغرب هناك اتفاق على تعريف الأشياء بمصطلحات معروفة وموحدة في كل لغة يجري استعمالها وتعني نفس الشيء بالنسبة للجميع. هذا الأمر غير موجود في اللغة العربية، إذ علاوة على تضارب المصطلحات في كل بلد، لا توجد تعريفات دقيقة للأشياء حتى في البلد المعني. وقد عانيت الكثير في هذا الأمر عند ترجمتي أحد الكتب عن نظرية الموسيقى قبل أكثر من عقد من الآن. مثلاً يصعب علينا التمييز بين الصوت العالي والصوت المرتفع، فالأول يرتبط بتردد الصوت، والثاني بسعة الموجة الصوتية لصوت من نفس التردد، أي قوة الصوت.
وهناك جهود كبيرة تبذل في بعض الدول مثل مصر والمغرب وتونس تهدف إلى وضع أسس صحيحة للمصطلحات، لكن المشكلة هي في كيفية جعل المجتمع يستعمل المصطلحات الصحيحة. فهذا يتطلب درجة معينة من الاستقرار الاجتماعي والوصول إلى مستوى تعليمي مقبول، وهذا كله يتراجع منذ عقود كثيرة في معظم الدول العربية.
موسيقى الاحد: استطرادات لغوية
نشر في: 22 ديسمبر, 2024: 12:01 ص