ترجمة: عدوية الهلالي
تعتبر روايات الكاتبة الكورية هان كانغ، الحائزة على جائزة نوبل في الأدب، بمثابة "سلوك لذكريات الأجيال التي عانت من عنف الدولة". وبعيداً عن جدارتها الفردية، فمن المهم أن يكون الفائزان من كوريا الجنوبية ــ الكاتبة هان كانغ والرئيس السابق كيم داي جونج الذي حصل على جائزة السلام في عام 2000 ــ قد قادا مسيرة مهنية شكلها الكفاح الطويل من أجل التحول إلى الديمقراطية.ولعقود من الزمن،ظل المحافظون ينكرون أو يرفضون انتفاضة غوانغجو، وهي الفظائع التي قتل فيها الدكتاتور العسكري تشون دو هوان المئات من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، وجرح أو شوه آلافاً آخرين. وبسبب فوز هان بجائزة نوبل، فإن المزيد من الناس في العالم سوف يدركون أن ذلك لم يحدث فحسب، بل إنه لا يزال يشكل أهمية كبيرة أيضا.
وتعتبر مذبحة غوانغجو محورًا أساسيًا في أعظم ما أبدعته هان ومنها رواية (أفعال بشرية)،وهي نظرة مروعة وواضحة ولكنها لطيفة إلى حد ما على الانتفاضة التي استمرت أسابيع ضد تشون والتي بدأت في 18 آيار 1980، مما أدى إلى موت باهظ وصدمة جماعية دائمة.
في رواية "أفعال بشرية"، تحاول محررة تدعى إيون سوك أن تنسى الصفعات السبع التي تلقتها من أحد المحققين الذي كان يستجوبها بشأن مترجم كتاب محظور. وكما كتبت ديبورا سميث في ترجمتها الإنجليزية لكتاب "أفعال بشرية": "لقد ضُربت بشدة، مرارًا وتكرارًا، في نفس المكان تمامًا، حتى أن الشعيرات الدموية التي كانت تربط عظام وجنتها اليمنى انفجرت، وخرج الدم من خلال جلدها الممزق". وتتذكر ناشطة تدعى سيون جو كيف عاملتها الشرطة بوحشية في السجن لدرجة أنها أصبحت غير قادرة بشكل دائم على الإنجاب".بهذه الطريقة، تقدم الرواية لمحة عن كيف كان العيش مع هذا الخوف. ورغم أنني لم أكبر في مناخ العنف هذا، والذي عبرت عنه هان في صحيفة نيويورك تايمز قائلة بأن "خط الدفاع الأخير الذي يستطيع البشر من خلاله أن يظلوا بشرا هو الإدراك الكامل والحقيقي لمعاناة شخص آخر".
ويشير الناقد الأدبي شين هيونج تشيول إلى أنه بعد الانتفاضة، التي شارك فيها العديد من الطلاب، وقعت مهمة العناية بالجثث في الغالب على عاتق فتيات المدارس الثانوية اللاتي لم يتلقين أي نوع من الشكر، لكن "هان كانغ أعطت هؤلاء الشابات مجهولات الهوية أسماء "إيون سوك" و"سيون جو".ذلك إن إعطاء الأسماء لمن لا اسم لهم، وكذلك الأصوات لمن لا صوت لهم، هو أمر تفعله هان باستمرار. وفي روايتها (النباتية)، لا تروي الشخصية المركزية يونغ واي قصتها أبدًا بضمير المتكلم، لكن قرارها بالتوقف عن تناول اللحوم أمر مفهوم للقارئ حتى عندما يحير من حولها. أما أحدث روايات هان،(نحن لا نفترق)، والتي ستكون متاحة باللغة الإنجليزية في شهر كانون الثاني من هذا العام - وتدور حول مذبحة تاريخية مختلفة:وهي انتفاضة جيجو في 1948-1949، عندما قتلت الحكومة عشرات الآلاف من المواطنين.
هنا إذن تكمن قوة هان كانغ: فمع القليل من الورق والحبر، تعمل كقناة لذكريات الأجيال التي عانت من عنف الدولة، وتنقلها إلى الأجيال التي ورثت هذه الصدمات ولكن ليس بالضرورة الحقائق المكبوتة خلفها منذ فترة طويلة..إنها تجعل هذا الألم مقروءًا، لا يمحى، وذو معنى..تقول هان: "الرواية ليست وعدًا بشفاء كل الجراح، بل دعوة لنحزن عليها معًا".
إن أعمالها الكاملة - والتي لم يتوفر الكثير منها بعد باللغة الإنجليزية ولكن نأمل أن يكون ذلك قريبًا - تؤكد أيضًا تعاطفها البديهي مع الضعفاء، ووعيها الذي لا ينضب بالحدود الرفيعة بين الحياة والموت. ففي رواية "الريح تهب، اذهب"، تحاول امرأة أن تفهم موت صديقتها من خلال الفن الذي صنعته في الحياة. وفي القصة القصيرة "الوداع"، تتحول امرأة أخرى لسبب غير مفهوم إلى رجل ثلج؛ وبينما تذوب، فإنها تتأمل في حياتها وكل الطرق التي جعلها بها المجتمع مهمشة بالفعل.لقد لاحظت الأكاديمية السويدية "النثر الشعري المكثف" في روايات هان. لكنها أمضت أيضًا سنوات في كتابة قصائد فعلية ذات مواضيع مماثلة، مثل قصيدتين تتخيل فيهما نفسها على أنها تناسخ لمارك روثكو، الذي توفي قبل تسعة أشهر من ولادتها، أو "في وقت متأخر من المساء".وهي قصيدة عن الفعل البسيط المتمثل في الجلوس أمام وعاء من الأرز المطهو على البخار وإدراك "أن شيئًا ما قد مضى إلى الأبد، وأن شيئًا ما يمر إلى الأبد حتى الآن."
وبعد فوزها بجائزة نوبل، يقال إن هان أخبرت والدها الكاتب هان سيونج وون، أنه يجب عليها الامتناع عن استضافة مأدبة احتفالية لها بسبب الحربين المستعرتين في أوكرانيا وفلسطين. ففي عام لا هوادة فيه من عنف الدولة والمحاولات العدائية لإسكات المقاومة ضدها،اختارت الأكاديمية السويدية تكريم هان كانغ، الكاتبة التي كان عملها في الحياة والأدب هو" استعادة بعض الكرامة من أنقاض الصدمة". كما كتبت هان في رواية (أفعال بشرية)..
لماذا تعتبر جائزة هان كانغ مهمة؟
نشر في: 22 ديسمبر, 2024: 12:02 ص