غالب حسن الشابندر
من الخطا التعامل مع موضوعة البحر الاحمر بلغة الدول المتشاطئة فحسب ، لأن الموضوع سياسي ، ولذلك التعامل ينبغي أن يكون بلغة (الجيوسياسي ) وليس الجغرافي ، وفي ضوء هذه النظرية فإن البحر الاحمر موقع استراتيجي عالمي ، والحديث عنه يشمل خلجان وممرَّات وجزر ومضايق وقنوات مائية عالمية متداخلة ومتشابكة ، وموارد طبيعية هائلة في مقدمتها النفط ، وتنوّع ثقافي وعرقي وديني مزدحم ، ويمتدد بمفهومه ( الجيوسياسي ) إلى كل أطراف العالم ، إنطلاقا من تقدير استراتيجي حسب بعض التصورات حيث يُعتّبر ( قلب العالم ) .
البحر الاحمر من منظور جغرافي بحت هو موقعه على الخارطة ، تتشاطيء على ضفَّتيه ، بيد أنه من منظور جيوسياسي يضم مصر والسودان واثيوبيا وأريتيريا والمملكة العربية السعودية و" إسرائيل " وليبا واليمن والصومال والاردن وجيبوتي ، ويحتضن خلجان مهمة ، خليج العقبة وخليج السويس وخليج عدن وخليج عقيق وخلج دونقناب ، وهناك المضايق ، مضيق هرمز ومضيق باب المندب ، ومئات الجزر داخل البحر وداخل الدول المتشاطئة .
إذا أخذنا البحر الاحمر من منظور جيوسياسي وحاولنا أن نسلط الضوء على البحر من أحد خلجانه وهو الخليج العربي فإن الحديث بشنأنه يتسع ليشمل باب المندب واليمن حتى قناة السويس ، فيما يرى بعض الاستراتيجين إن الموضوع اشمل وأعمق ، فإن المنظور الجيوسياسي للخليج يشمل أفغانستان وباكستان والهند والمحيط الهندي، بل ما هو اوسع وأعمق ، فإن هذا الفهم الجيوسياسي للخليج يمتد ليشمل أو يصل إلى حدود منظمة حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
كل محطة جيوغرافية / سياسية في هذا البحر ذات ثقل استراتيجي خطير، ولأجل أن تتضح الصورة في الاطار نتحدث ملخّصا عن المحطات التالية :
مضيق هرمز :
إنَّ ثلثي نفط العالم يمرُّ مضيق هرمز ، ويشير كثيرٌ من الخبراء إلى أنّ أهمية هذا المضيق ستزداد في المستقبل نظراً لحاجة الغرب المتزايدة إلى نفط الخليج ، واليوم حيث الحرب الإيرانية / الاسرائيلية قائمة ، دخل الحوثيون طرفاً فاعلاً بهذه الحرب من جهة أو أخرى ، فإن عيون العالم كلها متّجهة الى البحر الاحمر من خلال التركيز على ما يتعرّض مصيق هرمز من مشاكل بسبب هذه الحرب . يكفي أن تكون دول حوضه ( أيران + عمان + الامارات المتحدة + ) ، جزء من بحر العرب ، وبحر العرب يتصل مباشرة بالمحيط الهندي.
- مضيق باب المندب :
بوابة البحر إلجنوبية إلى بحر العرب ثم بحر العرب ثم المحيط النهدي . - خليج عدن :
يقع بين مضيق هرمز وباب المندب باتجاه البحر الاحمر من جهة الشمال الغربي ، ومن جهة الجنوب جزء من بحر العرب، ليتصل بالمحيط الهندي ، تتشاطأ عليه عدن والصومال وجيبوتي ، ممر مائي لناقلات النفط الاتية من الخليج العربي. - خليج العقبة :
فرع من فروع البحر الأحمر يمتد باتجاه البحر الابيض المتوسط الفرع الشرقي كما هو واضح من خارطة البحر، و(كأنه ) يوازي خليج السويس ، حيث تفصل بينهما شبه جزيرة سيناء ، تشاطئه المملكة العربية السعودية ومصر والاردن وفلسطين ( إسرائيل ؟ ) ، ومن أبرز نقاط القوة في هذا الخليج الصغير ذي العمق البسيط ( طول 160 كم ، ومتوسط عمق 925 ) متر … كونه المنفذ الوحيد للأردن وفلسطين ( إسرائيل ؟ ) على البحر الأحمر ، ومن هنا تكمن بعض أهميته ، حيث يستدعي ذلك صراعا وتنافسا على المضيق بين العرب من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى. - خليج السويس
الفرع الشرقي للبحر الاحمر باتجاه البحر الابيض المتوسط ، تفصله شبه جزيرة سيناء عن خليج العقبة ، لا تشاطئه سوى مصر . - بحر العرب :
بحر العرب جزء من المحيط الهندي ولكن لا ينفصل عن المفهوم الجيوسياسي للبحر الأحمر ، ذلك أن خليج عدن هو المسؤول عن ربطه بالمحيط الهندي ، وبحر العرب هذا تطل عليه كُلٌ من (الهند وإيران وباكستان وعُمان واليمن والصومال والمالديف ) .
إن جغرافية البحر الاحمرالجيوسياسية تقع في قلب العالم ، ولذلك كان محط صراع القوى الكبرى تاريخيا وحاليا ، وقد استفزّ شهية روسيا البلشفية بأن يكون لها حضور قوي فاعل ومؤثر ، ومن أجل ذلك ، فشهد هذا المجال الجيوسياسي الحيوي الخطير نشوء أنظمة ماركسية استالينية ، وهي :
ألاولى : جمهورية اليمن الديمقراطية الشمالية (30 نوفمبر / 1967 ـــ 1ديسمبر / 1970 ) ، عاصمتها عدن ، سقطت بانهيار الاتحاد السوفياتي .
الثانية : جمهورية الصومال الديموقرطية ، عاصمتها مقاديشو (21 أكتوبر / 1969 ) بانقلاب عسكري قاده الضابط محمد سياد بري ، حكمت إدارة بري لمدة 21 سنة ، سقتطت على أثرحرب أهلية سنة 1991 .
الثالثة : جمهورية أثيوبيا الشعبية الديموقراطية ( 1987 ــ 1991 ) وعاصمتها ( أديس أبابا ) ، جاءت على أثر تفكك الاجتماع الاثيوبي بعد وفاة هيلاسي لاسي ، بقيادة الضابط الشيوعي العنيد (هيلا مريام ) ، وانهارت بانهيار الاتحاد السوفياتي ونتيجة رفض شعبي وحروب داخلية .
هذه الانظمة كانت شيوعية استالينية عنيفة ، وكانت بمثابة محط نفوذ روسي ، ولكنّها لم تدم ، فقد تهاوت بسرعة مذهلة ، ويبدو أن من أسباب ذلك :
السبب الاول : العقيدة الغريبة على شعوب هذه الدول .
السبب الثاني : التنوذع العرقي والديني والاثني الهائل في هذه الدول ، ويكفي أن نعرف إن هناك 80 عِرقا في هذا البلد !
السبب الثالث : العنف الذي اتسمت به هذه الانظمة ، كان عنفا خياليا لا يمكن تصوره .
السبب الرابع : تغليب العِرْقيّة على الانتماء السياسي وهومن مظاهر التناقض الخطير.
السبب الخامس : إنهيار الاتحاد السوفياتي بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1991 .
ولكن إنتهاء هذه الانظمة بل إنهيار الاتحاد السوفياتي لم يبعد المنطقة عن الصراع الروسي / الغربي عليها.