بسام عبد الرزاق
اقام بيت المدى في شارع المتنبي، الجمعة الماضية، جلسة فكرية نوعية عن "الهوية والدين" ضيف فيها أستاذ أنثروبولوجيا الدين في الجامعة المستنصرية د. نجم نصر وأستاذ علم الاجتماع والفلسفة في الجامعة اللبنانية د. محمد حسين الرفاعي، فيما ادارها واثار اسئلتها "القلقة" د. احمد حميد.
وفي مستهل الندوة واجابة عن سؤال "كيف ترى حركة الدين في المجتمع، هل هو اعتقاد فطري ام مؤدلج بشكل عام؟"، قال د. نجم نصر ان "القضية فيها جدالات واشكالات كثيرة من جهة انه لدينا ثلاث دوائر (الهوية والدين والايديولوجيا) وحتى اتجاوز وابتعد عن الخطاب المفاهيمي والاصطلاحي عن جدلية المدار التكراري في جدلية الهوية والأزمات المتصلة على اعتبار ان هذا الموضع أشبع بحثا، لكن اليوم الجدة في الموضوع هي كيف ان الدين يسهم في إعادة الهوية ويكون مؤدلجا؟".
وطرح نصر جملة أسئلة قبل ان يعود الى الإجابة عنها، ومنها "اننا امام معطيات أساسية وجوهرية، انه كيف تأسس الدين وهل الدين يرتبط بدائرة الوعي وإذا كان يرتبط بها فما صلته بالايديولوجية؟".
وتابع، انه "يجب ان نفرق بالبدء اننا نتحدث عن دائرة اسلام معرفي وإسلام ايديولوجي، والإسلام المعرفي الذي يسعى الى انتاج مقولات معرفية جديدة تعتمد المنهجية والمقاربات الحديثة في تناول هذه النصوص وما يتصل بها من أسباب النزول والبعد التاريخي، اما الإسلام الأيديولوجي هو الإسلام الذي يقرأ النصوص بحسب قراء مصلحية فئوية ذاتية وهي التي تسقط قراءة بشرية معينة على هذه النصوص ما يؤسس الى احتكار الحقيقة الدينية وبالتالي تقديم رؤية تسعى الى دمج البعد السياسي مع الدين".
وأشار نصر الى انه "نحن ليس لدينا مشكلة في قضية الإسلام المعرفي او الفهم المعرفي للاسلام على اعتبار ان المعرفة الدينية هي معرفة قراءة تجديدة كما تشترط لنفسها، اما القراءة الايديولوجية تشترط تمازج عدة عنناصر العنصر الأول هو تداخل البعد السياسي والمسألة الثانية انتاج حقائق مغلقة وبالتالي تسييجها ولا يمكن الجدل حولها ونقاشها".
وأكمل، ان "هذا الامر يتصل بجدلية ان الدين كيف يمكن ان يتعاطى مع القراءة الايديولوجية ومتى تأسست، والفكرة التي توصلت اليها، اننا مررنا بتجربة انتقال الدين في الإسلام من اللاهوت النبوي الى اللاهوت التنظيمي، واللاهوت النبوي هو اللاهوت الوحياني الإلهي النص المقدس الأول وهذا يتصل بتجربة الوحي والتجربة النبوية الأولى، واللاهوت التنظيمي هو لاهوت الفقهاء من القرن الثاني الهجري والى يومنا هذا، وهذا اللاهوت هو الذي بدأت تظهر عليه ما اصطلح عليه ميشيل فوكو جدلية القوة والحقيقة، أي ان الفقهاء انتجوا الحقائق واحتكروها لانفسهم ومن ثم قدموا رؤيتهم الأحادية للدين فلهذا ظهرت لدينا المذهبية وهي اول خطوط ملامح ادلجة الدين في العالم الإسلامي منذ القرن الثاني الهجري والى يومنا هذا".
وبين نصر ان "المذاهب أسست بالتفاعل مع البعد السلطوي، من سفيان الثوري والشعبي وظهور المذاهب الأربعة ودخول الحركة والدولة الصفوية على الخط واستيراد فقها من الخارج أمثال الكركي والعاملي كيما ينتجوا منظومتهم العقدية بعدما استولوا على الحكم في إيران وكل هذه صناعة ايديلوجية وإعادة انتاج الص الديني برؤية مصلحية وقراءة سياسية آنية، وتعني بالنسبة لنا ان الدين لم يعد بمعناه الجوهري الأول، وهناك جدالات كثيرة حول معنى الدين".
ونوه الى ان "أي دين وتجربة دينية تبدأ هي تجربة تبدأ فردية وتنتهي جماعية وعندما تتحرك من مدار الفضاء الفردي الى المدار الجمعي او السلوك الجمعي هنا تظهر الادلجة، لماذا؟ لان الفاعل الاجتماعي لوحده لا يستطيع ان ينتج قراء للعالم انما يحتاج الى طبقة اجتماعية أيا كان مستواها ويحتاج طبقة مثقفة تنتج مفاهيمها ومقولاتها ورموزها الدينية، بالتالي الانتقال من سقف مدار التجربة الذاتية الى التراكم الثقافي هو الذي يظهر جدلية بان الأديان هي غير مفصولة عن المصلحة وتفترض في قاعدتها الأولية وجوهرانيتها وجود ما اصطلح عليه باقتصاديات الدين، وعندما تظهر عليه رؤية سياسية وقراءة ايديولوجية مصلحية، وهنا يحدث الخراب في قراءة الاقتصاد الديني".
ولفت نصر الى انه "دائما الايديولوجيات تتحرك في محورين رئيسيين، الأول هو طلب السلطة السياسية والامر الثاني ان طلب السلطة يفترض ضمنا طلب المصلحة".
وأضاف، "اننا نسعى لفهم جدلية الهوية باعتبارها المؤسس المحوري لاي هوية في تاريخ العالم، لان الهوية تتأسس على معطى الذاكرة الدينية، والذاكرة الدينية هو دائما المتحرك الرئيس وفي الإسلام كان عنصرا جوهرانيا ورئيسيا، ولكن السؤال، عن أي هوية وإسلام نتحدث، واي نوع من الإسلام، لأننا لدينا اسلامات متعددة، وهذه الهوية تتمترس بالرؤية الدينية منذ بدء الخليقة الى اليوم لكنها تؤدلج عندما تمزج مع المشروع السياسية وعندما تقرأ الدين قراءة مصلحية".
من جانبه قدم د. محمد حسين الرفاعي، شكره لمؤسسة المدى لانها دائما توجه دعوة ان نفكر معا، وان نفكر معا هو ضرب من التدرب على ان نختلف وان ندفع بالتساؤل الى اقصى مداه، لكن كيف نختلف؟ وهل يمكن الايديولوجيا ان تساوي الدين وكيف يمكن للدين ان يتحول الى ايديلوجيا ومن بعد ذلك هذه الايديلوجيا تبتلع الدين".
وأوضح ان "الدين بذاته ايديولوجيا لكن بضرب فهم للايديولوجيا تميز بين طبقات مختلفة لمفهوم الايديولوجيا، ونحن في الفكر العربي المعاصر اخذنا الايديولوجيا من التيار الماركسي، وفهمنا الايديولوجيا من كارل ماركس وهذا فهم مهم جدا لكنه ليس كاملا، والايديولوجيا في المعنى الدقيق لها هي المثال الذي يقاس عليه الفهم او تقاس عليه الموضوعات التي نحن في سعي لفهمها".
وأشار الرفاعي الى انه "في الطبقة الثانية من الايديولوجيا في معنى العلم المجتمعي للكلمة، الايديولوجيا هي تعبير عن الأصول المجتمعية ضمن بنى ثلاث أساسية هي الثقافة والاقتصاد والسياسة، ولماذا هه الثلاثية؟ في الحقيقة هذه الثلاثية قامت على اعمال الفلاسفة الكبار بدءا من كارل ماركس وماكس فيبر وصولا الى جورج زمّل ومدرسة فرانكفورت فصاعدا".
وأضاف، انه "كيف يمكن ان نتعرف على الدين من حيث هو ايديولوجا وتعبير عن أصول اجتماعية، وانا لا استطيع بكل امانة ومن منظار واقعي وموضوعي ان أقول انه يمكننا ان نضع الدين جانبا وان نفصل بين الدين والدولة ونذهب الى مجتمع يعي هذا الفصل، وهذا الفصل هو نتاج صيرورة بدأت مع البروتستانتي جان هاوس الذي تم إعدامه ثم جون راكلف ثم مارتن لوثر بحركة الاحياء الديني، وكل الاحياء الديني يقوم على فكرة أساسية في الدين، الفكرة او الماهية الاصلية للدين وهي بسيطة جدا، فالدين هو إجابة على تساؤل الموت، وكوننا نحن البشر الدين هو إجابة عن تساؤل الموت والهوية هي إجابة عن تساؤل الانتماء".
وأكمل حديثه بالقول، انه "في هذه الصيرورة كيف يمكن ان نميز بين الهوية الدينية والهوية الوطنية او المدنية والوضعية، وافترض ان ذلك يقوم على وعي التمييز بين مسألتين، وظيفة الدين في المجتمع ووظيفة الدولة في المجتمع، يعني من جهة لدينا دين في المجتمع وهذا موجود ويمكنك ان تنكره وان لا تتفق معه وهذا ممكن، ولكن لا يمكن إخراجه من المجتمع لان هذا يتطلب ضرب من ضروب أفعال السلطة، ومن جهة أخرى وظيفة الدولة في المجتمع، وباعتبار ان فصل الدين عن الدولة هو نتاج صيرورة مجتمعية كلية ونحن اخذنا هذه الصيرورة من نتائجها والكثير من الشباب من التيارات العلمانية والوطنية يتصور انه حين يقول انا علماني وليبرالي انه تحول الى مستوى فصل الدين عن الدولة وهذا لا يمكن ان يكون الا ضمن صيرورة".