د.كاظم المقدادي
(1-2)
يتفق المحللون السياسيون والخبراء الستراتيجيون ان العراق ليس بمعزل عن تداعيات ما يجري في المنطقة، من حرب صهيونية أمريكية مسعورة، لفرض مشروع " شرق أوسط جديد" لتوسيع الهيمنة الأمريكية وإخضاع بقية دول المنطقة لمشيئتها، وتمهيداً لتمدد إسرائيلي كرأس حربة في المنطقة، وقد بدأ تنفيذه بغزة، مروراً بلبنان، وإنتهاء بسوريا.. والحصيلة لحد الآن: إبادة وهلاك قرابة 50 ألفاً وأصابة نحو 120 اَلفا من المواطنين الأبرياء، وإستباحة وتدمير مدن بكاملها، وكسر ظهر "محور المقاومة". وكل ذلك جرى ويجري والعالم يتفرج، ولا يتجرأ أحد لمنعه.
وتؤكد التقارير بان الحرب العدوانية المتواصلة لن تتوقف، وإنما ستشمل دول أخرى، بضمنها العراق، لتكبيلها بطوق المخطط الجيوسياسي الأمريكي الصهيوني الجديد.
وفي هذا المضمار، يواجه العراق تحديات كبيرة، ومساعي محمومة لإرغامه على واقع جيوسياسي جديد بإرادة خارجية غاشمة. ويقال ان الحكومة العراقية أُعطيت مهلة لتنفيذ المطلوب منها، وإذا رفضت، فان إسرائيل بدعم أمريكي ستوجه للعراق ضربات جوية مدمرة..
إدراكاً لخطورة الوضع الراهن، أُطلِقَت قبل أيام مبادرات مهمة تدعو لحراك وطني واسع لدرء المخاطر المحدقة ببلادنا، تستحق الإهتمام والدراسة من قبل القوى الحريصة على حاضر ومستقبل الأجيال العراقية,.
فقد وجه فخري كريم، رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، رسائل تخص العراق والمنطقة، دعا فيها " أن يعي من يصادرون ارادة العراق وشعبه، ما ينبغي القيام به لانهاء تسلطهم وميليشياتهم، وفسادهم وانفرادهم في العبث بمقدرات العراق".
وطالب: "آن الأوان لتعبئة كل قوى الشعب، حول خيار الدولة الوطنية، دولة المواطنة الحرة، دولة القانون والمؤسسات، دولة الحريات والحقوق، دولة التعدد والتنوع في اطار الوحدة، دولة الدولة!.. لا دولة الميليشيات والسلاح المنفلت.. دولة الولاء للوطن المشترك، لا دولة الولاءات لما وراء الحدود في كل منحىً واتجاه ".
وأصدرت 6 شخصيات سياسية سنية، ضمت: محمود المشهداني،رئيس مجلس النواب الحالي، ورؤساء البرلمان السابقين أسامة النجيفي وإياد السامرائي وسليم الجبوري، ورئيس أول جمعية وطنية بعد 2003، حاجم الحسني، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء الأسبق صالح المطلك، بياناً دعوا فيه إلى "حوار وطني صريح وجاد لتحديد جوانب الخلل الذي يمثّل استياءً وغضباً جماهيرياً واسعاً، ولا نكشف سراً بالقول إن تلك الجوانب ما عادت خافية على أحد، وشُخّصت مرات عدة، ولكن لا إرادة سياسية لمعالجتها".
وفي نداء موجه ضمناً إلى قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية، طالبت الشخصيات السنية بـ "مراجعة شاملة تعالج الحيف الذي وقع على هذا المجتمع، من بعدٍ وطني يقول إن الاستقرار لا يتحقق في أي بلد ما دام أبناؤه أو بعض أبنائه يستشعرون ظلماً وقع عليهم وغمطاً لحقوقهم وتجاهلاً لمطالبهم". وشددوا على سعيهم "لبناء عراق مستقل قوي بعيد عن أي تأثير أو تبعية خارجية".
من جهتها،أصدرت القوى والأحزاب السياسية التالية: حركة نازل اَخذ حقي الديمقراطية،التحالف الإقتصادي العراقي (إقتصاديون)، التجمع الجمهوري العراقي، حزب الريادة العراقي، حركة المثقف العراقي، حركة كفى، والإيثار العراقي، بيانا دعت فيه إلى بلورة خارطة طريق سياسية تفضي إلى التغيير من الداخل العراقي، بعيداً عن الإملاءات الخارجية، من خلال مرحلة انتقالية واضحة المعالم، تقودها النخب والكفاءات بدعم من مؤسسات الدولة.
وجاء فيه أيضاً:"إنطلاقاً من حرصنا على إستقرار العراق وأمنه فإننا أكدنا في مناسبات عديدة ان إستمرار طبقة المحاصصة والسلاح والفساد بنهجها المتخبط، ساهم في هشاشة الوضع الداخلي، وتعريض البلد لمخاطر سياسية وإقتصادية وأمنية وإجتماعية جمة, وعليه فان القوى الوطنية المجتمعة اليوم تؤشر خطورة المرحلة الحالية بسبب تداعيات ما يحصل من تدخل من قبل عدة قوى إقليمية ودولية، لفرض واقع سياسي جديد".
ودعت: "الجميع لبلورة خارطة طريق سياسية تفضي الى التغيير من الداخل العراقي، بعيداً عن الإملاءات الخارجية، من خلال مرحلة إنتقالية واضحة المعالم والمضمون،تقودها النخب والكفاءات العراقية، بدعم مؤسسات الدولية وأجهزتها العسكرية والأمنية،لتصويب العملية السياسية ودستورها، وضمان أمن البلاد وسيادتها".
وجددت دعمها لرسالة المرجعية الدينية التي أكدت ضرورة إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد إعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات".
كما ودعت جميع القوى والشخصيات السياسية والإجتماعية المؤمنة بالتغيير ورفض نهج المحاصصة، لمؤتمر وطني جامع، يجنب البلاد مخاطر التدخل الخارجي والعبث بأمنه وإستقراره، لصناعة مستقبل أبنائنا بأيدي عراقية بيضاء".
وأكد الحزب الشيوعي العراقي على دعوته إلى حوار وطني واسع لمواجهة المخاطر المحدقة بالبلد، يستهدف إعادة النظر بالعملية السياسية التي انتهت إلى طريق مسدود جراء تعمق الأزمة البنيوية لمنظومة المحاصصة والفساد، بما يمهد الطريق لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.. في الحلقة السابقة سلطنا الضوء بمعلومات وافية على موقفه التأريخي من الإصلاح والتغيير المطلوب.
لم نلمس،للأسف، إهتمام جدي بالمبادرات السالفة، ماعدا بيان الشخصيات السنية المذكورة،الذي علق عليه " مركز التفكير السياسي"،الذي يراسه أستاذ السياسات العامة د.إحسان الشمري، محللاً بأن " بيان رؤساء النواب وجه رسائل تحذيرية للإطار التنسيقي،خصوصًا في ظل تصاعد الآراء والتوقعات بأن العراق سيكون الجغرافيا التالية لإعادة هيكلة الشرق الأوسط ". وقال: " إن البيان كشف المسكوت عنه من قبل الإطار التنسيقي. بالمقابل، فإن التحالف الشيعي ما زال حتى الآن في حالة إنكار سياسي لضرورة وحتمية الإصلاح في العراق، وضرورة الجلوس على طاولة حوار مع القوى المعارضة والمخالفة للعملية السياسية ". وبيّن المركز: "إ ن الإطار في حالة إنكار للإقصاء الذي يمارسه بحق الشركاء السياسيين أو الأطراف والنخب الوطنية".,
وأضاف المركز: " تمثل الرسالة محاولة للنأي بالنفس من الموقعين ومن يمثلونهم عن طبيعة الأخطاء التي ارتكبت من قبل القوى القابضة على السلطة، وهي القوى السياسية الشيعية منذ 2003 وبمختلف التسميات". وقال: "هناك استشعار من قبل الموقعين بأن العراق سيشهد تحولات كبيرة، والبيان فيما يبدو قد يفض الشراكة إذا ما حدثت هذه المتغيرات".
وانتقد المركز، بالمقابل، الدعوات للحوار إذا كانت على أسس طائفية ومكوناتية، وقال إن "الحوار الوطني لا يشمل هذه الأطراف، وإنما يشمل القوى المغيبة أو التي تم تغييبها من قبل أحزاب السلطة".
وأوضح المركز: " أن الصحيح، أن يجلس هؤلاء (الموقعون على البيان الأخير) لأنهم كانوا جزءًا من العملية السياسية بعد 2003، وعليهم أن يقتنعوا بأنهم ساهموا في تدهور الديمقراطية، وما وصلت إليه الأمور. هم جزء من اتفاقيات سابقة أنتجت حكومات ورئاسات. بالتالي، لا يُفترض أن يجلسوا مع القوى المعارضة، بل يكونوا بجانب القوى التي أمْسكت بالسلطة، مقابل قوى معارضة وجهات تبحث عن إصلاحات شاملة في النظام السياسي".
وإعتبر الرسالة هي أيضًا محاولة استشعار للمظلومية وتنبيه من السيطرة الإيرانية على العراق. ويرى المركز أن القوى الموقعة على البيان لديها إمكانيات أكبر للاعتراض، إذ يمكن "الانسحاب من ائتلاف إدارة الدولة إذا وجدوا خللاً في النظام السياسي، وليس الاكتفاء بالبيانات مع المحافظة في الوقت ذاته على مكاسبهم من السلطة " ("المدى"،16/12/2024).
أما القوى المتنفذة في السلطة فلم تُبد أية ردة فعل رسمية على البيانات السالفة.وهناك من يعتقد من المراقبين بأنها ستواصل ذات الموقف السابق تجاه مثل هذه القضايا الوطنية المهمة، موقف التجاهل والإهمال، غير مبالية بخطورة الوضع الراهن. وستثبت مرة أخرى إستهانتها ولاأباليتها وتهورها تجاه ما يحيق بالوطن من أخطار، لاسيما وقد تسربت معلومات خطيرة، كشفت عن تلقي بغداد طلباً أمريكياً صريحاً بوجوب إجراء إصلاحات، وأولها: تفكيك الفصائل المسلحة، وتسليم أسلحتها الى الدولة، وإعادة تشكيل الحشد وإقتصار مهمته كحرس وطني داخل الحدود العراقية، والإبتعاد عن المشاريع الإيرانية و"محور المقاومة "، قبل ان يصبح فرض كل ذلك بالقوة.. وأفادت معلومات أخرى بان اسرائيل وامريكا عرضتا على العراق "التطبيع" مقابل ايقاف ضربه اسرائيلية تستهدف تدمير 300 موقعاً عسكرياً واقتصاديآ للعراق، وبالتالي تدمير العراق وهلاك شعبه. وإذا وافق فان أمريكا تضمن قبوله عضواً في حلف الناتو، وجعله قوة إقليمية في الشرق الأوسط، وينعم بالأمن والإستقرار..
الحكومة العراقية نفت تلقيها لأي تهديد، لا داخلي ولا خارجي..لكن نفيها لم يقنع العراقيين، خاصة وثمة تسريبات تقول بأن"الإطار التنسيقي" يناور، وأغلب الإحتمالات بأنه سيرفض حل الحشد، معتبراً الطلب " إنهاءً لوجود السلطة الشيعية"، التي قال كبيرهم: " أخذناها ولن نعطيها".وجل همه التمسك بكرسي الحكم وإمتيازاته، حتى ولو على خراب العراق..
إذاً، ما الذي ستختاره القوى المتنفذة: أهو التغيير الجذري الداخلي، يبدأ بعقد مؤتمر وطني واسع ويؤسس لإصلاحات دستورية وقانونية، وإطلاق الحريات، ومنع إنتهاكات حقوق الإنسان، وإعادة هيكلة الحشد، وحل الفصائل المسلحة، والقضاء على السلاح المنفلت، ومحاسبة القتلة والفاسدين، والتمهيد لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الإجتماعية.. أم إنتظار التغيير الخارجي وما سيجلبه للعراق من هلاك ودمار ومحن جديدة؟