ذي قار / حسين العامل
أعربت منظمات مجتمعية عن قلقها من ارتفاع معدلات الانتحار في محافظة ذي قار، مشيرة إلى رصد 125 حالة خلال العام المنصرم مقارنة بـ103 حالات انتحار عام 2023. وفيما أكدت أن معظم الضحايا من شريحة الشباب، عزت دوافع الانتحار إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وتفشي الفقر والبطالة والتفكك الأسري، ناهيك عن انتشار الأفكار المتطرفة التي تدفع بالشباب إلى الانتحار وتقديم أنفسهم كقرابين على مذبح التعصب الديني.
وتشير البيانات الحكومية وبيانات منظمات المجتمع المدني العاملة في ذي قار إلى تنامٍ مقلق في معدلات الانتحار يتجاوز 20% سنويًّا في المحافظة التي تصنف ضمن المدن العراقية الأكثر فقرًا وبطالة. فبعد أن كانت أعداد المنتحرين 48 حالة انتحار عام 2016، تضاعفت نحو ثلاث مرات خلال الأعوام اللاحقة لتصل إلى 125 حالة انتحار في عام 2024. ويأتي هذا الارتفاع عبر قفزات سنوية، إذ سجلت ذي قار 53 حالة انتحار عام 2017، فيما سجلت انخفاضًا طفيفًا عام 2018 لتسجل 51 حالة انتحار، لتعاود الارتفاع بعدها وتسجل 55 حالة في عام 2019. بينما شكل ما سجلته ذي قار خلال عام 2020 قفزة كبيرة في حالات الانتحار لتصل إلى 80 حالة، ليتواصل الارتفاع إلى 83 حالة في عام 2021، وليشهد ارتفاعًا كبيرًا ليصل إلى 105 حالات انتحار في عام 2022. بينما انخفضت أعداد المنتحرين انخفاضًا طفيفًا عام 2023 لتسجل 103 حالات، لترتفع بعدها ارتفاعًا كبيرًا في عام 2024 وتسجل 125 حالة انتحار، معظمهم من الشابات والشباب.
وفي حديث لـ(المدى)، يقول رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية في محافظة ذي قار علي عبد الحسن الناشي إن "محافظة ذي قار شهدت تسجيل 125 حالة انتحار خلال عام 2024"، مستدركًا أن "إجراءات التقصي والتحقيق في حالات الانتحار كشفت عن نحو 110 حالة انتحار حقيقية و15 حالة أخرى مزعومة للتغطية على جرائم جنائية ارتكبت بحق الضحية".
مبينًا أن "عددًا من حالات الوفاة التي كانت مقيدة على أنها حالات انتحار تبين فيما بعد ومن خلال التحقيق أنها جرائم قتل ارتكبت تحت غطاء الانتحار".
ويجد الناشي، الذي يشغل أيضًا منصب سكرتير خلية أزمة الانتحار في ذي قار، أن "معدلات الانتحار ارتفعت بنسبة 17% تقريبًا مقارنة بعام 2023 الذي سجل 103 حالات انتحار"، كاشفًا عن ارتفاع في أعداد الفتيات المنتحرات مقارنة بأعداد الشباب، منوهًا إلى أن أغلبية المنتحرين هم من شريحة الشباب ومن هم في مقتبل العمر.
ويرى رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية أن أحد أسباب ارتفاع معدلات الانتحار يعود إلى تأثر شريحة من المراهقين والشباب بأفكار متطرفة والتضحية بأنفسهم وفق طريقة (القربان)، مستطردًا "فيما هناك جملة أخرى من أسباب وتحديات مجتمعية تدفع بالشباب إلى الانتحار، من بينها التفكك الأسري وارتفاع معدلات الطلاق وانتشار تعاطي المخدرات بين أوساط الشباب، ناهيك عن البطالة والتخلف والتفاوت الطبقي وتأثير الأفكار والحركات المتطرفة".
وتحدث الناشي عن حالات انتحار ناجمة عن ضغوط نفسية ناجمة عن مشاكل مجتمعية مستفحلة تستدعي تبني ستراتيجية حكومية ومجتمعية فاعلة لمعالجتها"، معربًا عن استغرابه من ضعف البرامج الحكومية في مجال مكافحة المخدرات التي تعد أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع بالشباب نحو هاوية الانتحار.
وتطرق رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية إلى أثر الضغط الأسري على الطلبة وما يسببه إصرار تلك الأسر على تحقيق معدلات عالية من ضغوط نفسية على الطلبة، وهو ما قد يدفع البعض منهم إلى الانتحار عند الفشل في تحقيق ما تطلبه الأسرة من تفوق دراسي يفوق قدرات الضحية"، مشيرًا إلى أن "المشاكل التي تواجه الطلبة لم تلق الاهتمام الكافي لا من الأسرة ولا من إدارة المدرسة"، مؤكدًا غياب دور المرشد التربوي في هذا المجال.
وتعزو مصادر طبية 90% من حالات الانتحار إلى مؤثرات نفسية من بينها حالات الاكتئاب، مشددةً على ضرورة تدارك الأسباب الاقتصادية والمجتمعية التي تدفع للاكتئاب ومعالجتها قبل أن تتفاقم وتؤدي إلى الانتحار.
وأثارت حالات الانتحار التي سجلتها محافظة ذي قار في (الأسبوع الأخير من نيسان 2024) والبالغة 5 حالات، القلق بين الأوساط المجتمعية والرسمية، وذلك وسط اتهامات مجتمعية لجماعة دينية متطرفة تدفع بالفتيان للانتحار وتقديم أنفسهم كقربان ديني. إذ كشفت مصادر أمنية ومجتمعية خلال يومي 21 و22 نيسان 2024 من العام المذكور عن تسجيل 5 حالات انتحار بواقع أربعة ذكور وأنثى واحدة.
ويكشف أحد الناشطين المعنيين بمتابعة نشاط الحركات الدينية المتطرفة لـ(المدى) أن "حركة القربان أو (العلي اللاهية) تستخدم القرعة لتقديم القربان، ومن يقع عليه الاختيار عليه أن يقوم بالانتحار وإلا يُقتل حال تراجعه عن ذلك".
وكانت الحكومة المحلية والقيادات الأمنية والجهات القضائية في ذي قار أعربت (مطلع شباط 2022) عن قلقها من ارتفاع معدلات الجريمة والانتحار في المحافظة، ودعت إلى اعتماد حلول اقتصادية وفنية لمعالجة تنامي معدلات الفقر والبطالة بين شريحة الشباب ورفع الوعي المجتمعي.
فيما وجهت قيادة شرطة ذي قار في حينها دعوة لتبني برامج حكومية ومجتمعية فاعلة للحد من حالات الانتحار عبر تعاون المؤسسات الحكومية والباحثين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين وشيوخ العشائر ووجهاء المدينة، وتفعيل عمل اللجنة المشكلة لهذا الغرض، مشددة على أهمية اعتماد برامج توعوية وتثقيفية وبحثية كفيلة بالكشف عن أسباب ارتفاع حالات الانتحار ووضع الحلول لمعالجتها والحد منها.
وكشفت منظمات مجتمعية ومؤسسات حكومية في ذي قار خلال أيلول 2023 عن أثر الابتزاز الإلكتروني في رفع معدلات الانتحار بين النساء، فيما أكدت تسجيل ارتفاع متنامٍ لا يقل عن 25% في أعداد المنتحرين سنويًّا، داعية إلى تبني برامج اقتصادية واجتماعية وتوعوية للحد من انتشار ظاهرة الانتحار بين أوساط الشباب.
معدلات الانتحار ترتفع بنحو 20% في ذي قار خلال عام 2024
معظم الضحايا من شريحة الشباب
نشر في: 4 فبراير, 2025: 12:11 ص