علاء المفرجي
"الملاك إزميرالدا" الصادرة عن المدى تأليف دون ديليلو وترجمة دلال نصر الله، تدور أحداثها في اليونان ومنطقة البحر الكاريبي ومانهاتن وسجن ذوي الياقات البيضاء والفضاء الخارجي، وهي مقدمة لدون ديليلو الأيقوني. في "الخلق"، نقرأ ونتأمل فيها: لا يستطيع الزوجان في نهاية رحلة بحرية في مكان ما في جزر الهند الغربية النزول من الجزيرة - الرحلات الجوية الملغاة، والحجوزات غير المؤكدة، والاقتصاد المختل. في "لحظات إنسانية في الحرب العالمية الثالثة"، يسمع رجلان يدوران حول الأرض، مكلفان بجمع المعلومات الاستخباراتية والإبلاغ إلى قيادة كولورادو، أصوات الراديو الأمريكي، من نصف قرن مضى. في القصة التي تحمل عنوانها، تؤكد الأختان إدغار وجريس، الراهبتان اللتان تعملان في شوارع برونكس الجنوبية العنيفة، معجزة الحي، شبح طفلة ميتة، إزميرالدا.
الراهبات ورواد الفضاء والرياضيون والإرهابيون والمسافرون، هم الشخصيات في الملاك إزميرالدا تندفع بنفسها إلى العالم وتحدده. تصف هذه القصص التسع رحلة غير عادية لكاتب عظيم غيّرت بصيرته فيما يتعلق بأحداث العالم وذوقه في اللغة الأمريكية المشهد الأدبي.
من تسع قصص، مقسمة إلى ثلاثة أجزاء. لست متأكدًا من المنطق وراء الأجزاء الثلاثة، ولست متأكدًا من أهميتها. تبدأ القصة بقصتين مختلفتين تمامًا: الأولى بعنوان "الخلق" وتحكي عن رجل وزوجته يحاولان مغادرة مكان غريب بعد أن أبحرا للتو حول منطقة البحر الكاريبي فقط ليكتشفا أن مكانيهما على الرحلات الجوية المحدودة غير مؤكدين ويضطران إلى البقاء والانتظار لفترة أطول من المتوقع. هناك امرأة أخرى محاصرة بنفس الطريقة. يقضيان كل يوم ذهابًا وإيابًا إلى المطار معًا حتى تتوفر فرصة ويرسل الرجل زوجته، ويعود إلى الفندق مع المرأة حيث يبدأ حياة جديدة معها، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا هو الشيء الذي تريده. إنها قصة ثرية وحسية، وتتناقض تمامًا مع القصة الثانية - لحظات إنسانية في الحرب العالمية الثالثة والتي تعد من أعمال ديليلو الأكثر شهرة. هنا يعيش رجلان في الفضاء. يعيشان على متن محطة فضائية أو سلاح فضائي ومهمتهما هي جمع الصور ونشر ما يبدو أنه سلاح مدمر عند الطلب. إنها قصة باردة، مكتوبة بشكل جميل، غنية بأسلوب ديليلو الساحر، مثل هنا حيث يتأمل الشخصية الرئيسية التي لا اسم لها في مجموعة الصور.
القصص، التي نشرت بين عامي 1979 و2011، يحرص دي ليلو على التأكيد على البساطة والعفوية من خلال مجموعة غنية من الصور أو الحجج. ففي هذه القصص يتنقل الراوي في المناطق الاستوائية عبر "المطر الغزير" في حين "تضغط الغابة الحقيقية"، وتثير الإثارة غير المعبر عنها لدى السائح في مواجهة الواقع غير المباشر الذي يستحضره "المطر الغزير" و"الواقع الفعلي". ويفكر رجل في مركبة فضائية تدور حول الأرض في "كاليفورنيا، حيث ترتدي النساء شعرهن هذا العام في بالات عطرية"، ويشعر بحنينه إلى الجنس والرائحة في تلك "العطرية" الممتعة. وأثناء وقوع زلزال، "تجلس امرأة القرفصاء في المدخل المفتوح مثل طفل ذري"، وتستحضر "الذرية" حملات المعلومات الحكومية في العصر النووي فضلاً عن تصور شعور الشخصية بالوحدة وشعورها بالضآلة. ويدرك دي ليلو جيداً ما يفعله بالصفات.
في قصة "العداء"، يرى عداء يتجول في حديقة جزءًا من جريمة مدفونة في قائمة من الانطباعات الحسية غير المتجانسة؛ فقط بعد ذلك نفهم ما شهده. وفي قصة "بادر ماينهوف"، تأتي امرأة إلى معرض فني لتنظر، يومًا بعد يوم، إلى سلسلة من اللوحات التي تصور العصابة، بحثًا عن العزاء في شجرة صليبية نصف مرئية أو متمنية في لوحة قماشية قاتمة.
إن القصة الأخيرة، "منتصف الليل عند دوستويفسكي"، تتسلل أيضاً إلى ذهننا ما قد يكون من المغري أن نقرأه على أنه بيان فني. ففي هذه القصة، ينشر معلم المنطق، وهو شخصية رائعة الأشعث تدعى إيلجاوسكاس، بين تصريحاته الغامضة ما يلي: "إذا عزلنا الفكر الضال، الفكر العابر، الفكر الذي لا يمكن فهم أصله، فإننا نبدأ في فهم أننا مضطربون بشكل روتيني، مجانين كل يوم". وفي هذه القصص أو الأحلام الواضحة ـ التي تكون أحياناً صادمة إلى حد كبير أو مضحكة إلى حد الحزن، ودائماً ما تكون مصممة ببراعة ـ يعزل ديليلو نفسه هذا الفكر الضال، ويحوله إلى فن عظيم.