بغداد/ تبارك عبد المجيد
يواجه القطاع السياحي في العراق تحديات كبيرة تعرقل تقدمه، رغم امتلاك البلاد مقومات سياحية غنية تشمل المواقع التاريخية والأثرية والدينية. وعلى الرغم من الجهود الحكومية الأخيرة لتنشيط السياحة، فإن الفساد الإداري، ضعف البنية التحتية، وسوء الإدارة تبقى من أبرز العقبات التي تعيق تطوير هذا القطاع.
ويمتاز العراق بتنوع سياحي كبير، يتيح له جذب أنواع متعددة من السياح، فالسياحة الدينية تعد من أهم مصادر الجذب، حيث يعتمر ملايين الزوار لزيارة المواقع المقدسة مثل كربلاء والنجف، إضافة إلى ذلك، يزخر العراق بالمواقع التاريخية والأثرية التي تعكس حضارات قديمة، من بابل وآشور إلى معابد الزقورات في الجنوب، كما يتمتع العراق بمناظر طبيعية خلابة، من جبال كردستان إلى المسطحات المائية في الأهوار، التي تعد موقعًا تراثيًا عالميًا.
وأرجعت نائبة رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام النيابية، سميعة الغلاب، أسباب تراجع عائدات القطاع السياحي إلى الفساد الإداري والمالي الذي أثر سلبًا على إيرادات السياحة.
أشارت الغلاب إلى أن السياحة كانت تشكل في السابق مصدرًا مهمًا للدخل الوطني، لكنها باتت تعاني من خسائر متتالية خلال العامين الأخيرين بسبب سوء الإدارة والتخطيط. كما انتقدت استمرار رئيس هيئة السياحة السابق كمستشار داخل الهيئة رغم إعفائه من منصبه، معتبرة ذلك إشكالية تتعلق بقرارات رئاسة الوزراء.
وفي السياق ذاته، أكد النائب عارف الحمامي، عضو لجنة الثقافة والسياحة والإعلام النيابية، أن القطاع السياحي يواجه تحديات كبيرة تعرقل نموه، يأتي في مقدمتها الارتباك الإداري الذي تعاني منه العديد من مؤسسات الدولة، مما أدى إلى تباطؤ عجلة التنمية في البلاد.
وشدد الحمامي على أن الفساد يعد من أبرز المعوقات التي تحول دون تطور هذا القطاع الحيوي. وأضاف الحمامي في حديث لـ(المدى)، أن اللجنة تتابع عن كثب هذه المشكلات، حيث أجرت سلسلة من اللقاءات مع كوادر وزارة السياحة والآثار، إلى جانب مستشار رئيس الوزراء للشؤون السياحية، في مسعى لإيجاد حلول ناجعة تسهم في تطوير القطاع السياحي وتعزيز التنمية المستدامة في العراق.
فساد مالي واداري!
وأوضح نقيب السياحيين في العراق، محمد العبيدي لـ(المدى)، أن "المشكلات التي تعاني منها السياحة متعددة، تبدأ بضعف البنية التحتية، مرورًا بسوء الإدارة والتخطيط، وصولًا إلى الفساد الإداري والمالي، فضلًا عن التأثيرات السياسية والمحاصصة التي تعيق التعاون بين المؤسسات الحكومية".
وأشار إلى افتقار العراق للمرافق السياحية والخدمية الأساسية، مثل الفنادق الحديثة وشركات السياحة المتخصصة، إلى جانب غياب وسائل نقل متطورة. ولفت العبيدي إلى أن ضعف شبكة الطرق والمواصلات، وتردي خدمات الاتصالات، بما في ذلك الإنترنت، يمثلان عقبة كبيرة أمام تطور القطاع، مما يجعل تجربة السائح في العراق غير مريحة مقارنة بالدول المجاورة.
وأكد نقيب السياحيين في العراق، أن "السياحة تعتمد في جوهرها على الإدارة والكفاءات البشرية المتخصصة، نظرًا لطبيعتها الخدمية التي تتطلب تعاملًا مباشرًا مع الزوار، إلا أن غياب التخصص السياحي داخل المؤسسات الحكومية، مثل وزارة الثقافة وهيئة السياحة، أدى إلى ضعف الأداء العام للقطاع، حيث تفتقر هذه الجهات إلى كوادر أكاديمية ومهنية متخصصة، مما انعكس سلبًا على مستوى الخدمات المقدمة".
وفيما يتعلق بالفساد، شدد العبيدي على أن الفساد الإداري أكثر خطورة من الفساد المالي، إذ يمكن تعويض الأموال، لكن فقدان الخبرات والكفاءات يؤدي إلى انهيار الإدارة وضعف الخدمات.
وبيّن أن غياب الشخص المناسب في المكان المناسب أثر سلبًا على تطور القطاع، حيث تشغل العديد من المناصب من قبل غير المتخصصين، مما يعيق اتخاذ القرارات الصائبة ويعطل تنفيذ المشاريع الحيوية.
أما على الصعيد السياسي، فقد أشار العبيدي إلى أن المحاصصة السياسية ألقت بظلالها على قطاع السياحة، إذ تعاني المؤسسات السياحية من ضعف التنسيق مع الوزارات الأخرى، مثل الإسكان والنقل والداخلية.
وأوضح أن انتعاش السياحة يتطلب تكامل الجهود بين مختلف الجهات الحكومية، إلا أن التقاطعات السياسية تحول دون تحقيق هذا التعاون، مما يؤدي إلى تعطيل المشاريع وتأخير تقديم الخدمات الأساسية للسياح.
وشدد العبيدي على ضرورة وضع خطط إصلاحية جادة للنهوض بالقطاع السياحي، من خلال تحسين البنية التحتية، وإعادة هيكلة المؤسسات السياحية، وتعيين مختصين أكفاء لإدارتها، إلى جانب مكافحة الفساد الإداري عبر آليات رقابية صارمة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية لضمان تقديم خدمات متكاملة تدعم القطاع.
وأكد أن العراق يمتلك إمكانيات هائلة ليصبح وجهة سياحية متميزة، لكنه بحاجة إلى إرادة سياسية وإدارية قوية لتجاوز العقبات وتحقيق النمو المنشود.
من جهته، أرجع رئيس الملتقى السياحي، وليد الزبيدي، هذا التراجع إلى الإهمال الكبير الذي لحق بالقطاع منذ تغيير النظام في عام 2003. وأوضح الزبيدي، في حديثه لـ(المدى)، أن "السياحة العراقية عانت من الفوضوية وغياب التنظيم، ما أثر على مختلف جوانبها، بدءًا من الشركات السياحية والفنادق، وصولًا إلى المواقع الأثرية والمناطق السياحية، مما جعل القطاع شبه ميت في البلاد". ورغم امتلاك العراق إمكانيات هائلة لجذب السياح، بفضل موقعه التاريخي العريق وتنوعه بين السياحة الدينية والترفيهية، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تمنحه الاهتمام الكافي، ولم تسعَ لوضع خطط أو استراتيجيات مستقبلية لتطويره. ومع ذلك، أشار الزبيدي إلى أن الأوضاع بدأت تشهد تحسنًا ملموسًا خلال العامين الأخيرين، خاصة مع توجهات الحكومة الحالية التي أبدت اهتمامًا أكبر بتنشيط السياحة، من خلال تطوير البنية التحتية، وتنظيم الفعاليات السياحية، وتشجيع الاستثمارات في هذا المجال. وفي خطوة إيجابية نحو تعزيز مكانة العراق السياحية، لفت الزبيدي إلى إدراج بغداد ضمن المدن المتنافسة على لقب "عاصمة السياحة العربية" لعام 2025، معتبرًا أن هذا الحدث سيسهم في تطوير المواقع السياحية، ودعم العراق على المستوى الدولي.
وشدد الزبيدي على أن "النهوض بالقطاع السياحي يتطلب جهودًا كبيرة تشمل تأهيل المواقع السياحية، وتحسين البنية التحتية، وزيادة حجم الاستثمارات السياحية".
وأكد على "ضرورة استمرار الحكومة في دعم هذا القطاع الحيوي لضمان تحقيق نهضة حقيقية تعيد للعراق مكانته السياحية التي يستحقها".