د. طلال ناظم الزهيري
كان التعليم في العراق، على مدار ثلاث عقود (1980-1950)، يُعد من أفضل الأنظمة التعليمية على مستوى العالم العربي والإقليمي. حيث كان يتميز بالرصانة والجودة في المراحل التعليمية المختلفة، وقد أشادت به العديد من التقارير الدولية. على سبيل المثال، كانت كلية الطب في جامعة بغداد واحدة من أبرز كليات الطب عالميًا، وكان خريجوها يحظون بتقدير واحترام كبيرين، وقد كانت لهم أفضلية في اختبارات القبول بالجامعات الغربية. كما كان يتمتع الطلاب العراقيون المبتعثون إلى أوروبا بسمعة متميزة مقارنة بنظرائهم من دول أخرى.
لكن مع بداية العقد الثامن من القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات، تعرض التعليم في العراق لتراجع ملحوظ نتيجة لسياسات الدولة آنذاك، التي قامت بتجنيد المعلمين والمدرسين وإرسالهم إلى جبهات القتال، بالإضافة إلى سياسة عسكرة المجتمع التي فرضت نفسها على نمط الحياة المدرسية. ورغم هذه الصعوبات، حافظت المؤسسات التعليمية إلى حد ما على قيمها التربوية والعلمية مستفيده من ارثها العريق، حتى جاءت سنوات الحصار في تسعينات القرن العشرين، والتي كانت بمثابة مرحلة قاتمة على الشعب العراقي عامة والقطاع التعليمي بشكل خاص. فقد اضطر العديد من المعلمين إلى الانحراف عن دورهم التربوي حيث عملوا في وظائف ومهن لا تتناسب مع مهمتهم التعليمية، بل وربما تورط البعض منهم في تقبل الرشاوى والهدايا مقابل نجاح الطلاب مدفوعين بالظروف الاقتصادية الصعبة.
هذه الظروف وغيرها ادت إلى تراجع الثقة تدريجيًا بين المجتمع والمدارس، فباتت المدارس تعاني من فقدان الثقة والمصداقية. ومنذ عام 2003 وحتى اليوم، لم تتمكن المؤسسات التربوية من استعادة مكانتها السابقة، بل ازدادت معاناتها بسبب ضعف البنية التحتية المتهالكة للمدارس خلال العقدين الماضيين، لتصبح العديد من المدارس غير ملائمة للقيام بدورها التعليمي.
وفي هذا السياق، ظهرت المدارس الأهلية التي حاول مؤسسوها سد الفراغ في البنية التحتية، لكن دون أن تقدم بالضرورة فرصًا تعليمية أفضل، بل كانت تهدف في المقام الأول إلى تحسين الظروف المكانية. ومن هنا نشأ "أباطرة الدروس الخصوصية"، الذين قدموا حلولًا تعليمية مكثفة للطلاب، خاصة في المراحل المنتهية من دراستهم، مدفوعين برغبة تحسين معدلات القبول للحصول على فرص جامعية افضل. وقد توسع دورهم إلى أن تحولت جهودهم الفردية إلى معاهد ومؤسسات تعليمية تزدحم امامها طوابير الطلبة، مقابل مبالغ مالية قد تكون خارج قدرة العديد من الأسر. ولعل هذا التفاوت في الفرص التعليمية يمثل إخلالًا صريحًا بما نص عليه الدستور العراقي في المادة 34 التي تنص على: "تكفل الدولة التعليم المجاني في جميع مراحله، وتعمل على رفع مستوى التعليم ومحو الأمية."
ورغم أن التعليم لا يزال مجانيًا في المدارس الحكومية، إلا أن هذه المدارس لا تقدم ظروف تعليمية توازي ما تقدمه المدارس الأهلية أو في معاهد الدروس الخصوصية. وفي ظل هذه الظروف، قد يكون هناك تحول قريب يبعث ببارقة أمل وقد يحقق نوعًا من التوازن بين التعليم الحكومي والتعليم الخاص، من خلال الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لقد تمكنت من اختبار العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها [ChatGPT]، الذي قدم لي شروحات مفصلة لمواضيع معينة، مما جعلني أسترجع ذكريات سنوات دراستي في المرحلة الإعدادية، حيث كان هناك العديد من المواضيع التي لم أتمكن من فهمها في حينها. هذه التجربة تفتح المجال للتفكير في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تعليمية قد تسهم في تخفيف العبء المالي عن الأسر من خلال توفير فرص تعليمية شاملة للطلاب دون الحاجة إلى الدروس الخصوصية.
لذلك، أدعو وزارة التربية إلى إدخال المعلمين في دورات تدريبية مكثفة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والعمل على وضع خطة زمنية لاستخدام هذه التطبيقات في العملية التعليمية. كما يجب توجيه الطلاب وإرشادهم إلى كيفية الاستفادة من هذه التطبيقات كبديل فعال للدروس الخصوصية. من أجل تحقيق هذا الهدف، نقدم التوصيات التالية:
1.يجب أن تكون هناك دورات تدريبية متخصصة للمعلمين لتعريفهم بكيفية استخدام هذه التقنيات لتحسين عملية التعليم.
2.على وزارة التربية العمل على دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المنهج الدراسي، مما يسهم في تحسين جودة التعليم.
3.ينبغي تطوير برامج تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجات الطلاب المتنوعة، بما يتيح لهم تعلم المواد بطريقة شخصية وفعالة.
4.يجب على النظام التعليمي أن يتكيف مع التقدم التكنولوجي ويستخدم أحدث الأدوات التي توفرها التطبيقات التعليمية الذكية.
5.توفير الوصول إلى هذه التطبيقات بشكل مجاني أو بتكاليف منخفضة يساعد الأسر على تقليل الإنفاق على الدروس الخصوصية.
من خلال هذه الخطوات، يمكن أن نرى في المستقبل تحولًا تدريجيًا نحو نظام تعليمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يقلل الحاجة إلى الدروس الخصوصية ويعزز من كفاءة التعليم في العراق.
جميع التعليقات 1
سعدالله نوري
منذ 3 أيام
موضوع مميز وينبغي ان تهتم من قبل جيهات معنية . ممكن أترجمها للغة الكردية وانشرها دكتور ؟