حوار: علاء المفرجي
ولد الناقد محمد جبير في بغداد عام 1955، حصل على البكلوريس تخصص صحافة من قسم الإعلام في كلية الآداب جامعة بغداد. ونال الدبلوم العالي في تخصص الثقافة والحضارة من كلية العلوم السياسية الجامعة المستنصرية، وحاصل على الدبلوم العالي في الدراسات الاعلامية من معهد البحوث والدراسات في القاهرة بدا النشر في الصحف العراقية منذ عام 1972 في مرحلة الدراسة الإعدادية، صدرت له عدة كتب منها: مقتربات النص، قراءة النص السردي. احمر حاجة انموذجا، أنور شاؤل بين الريادة القصصية والصحية، دهشة السرد، جوار النص، الرواية الاستثنائية، جنان السرد، عاريا أغادر هذا العالم، صديقي الابدي، ما تبقى من كاظم الأحمدي.
التقته المدى للحديث عن تجربته النقدية.
حدثنا عن المؤّثرات في الطفولة والنشأة الأولى التي أسهمت في ميلك إلى الأدب (حيوات، أماكن، أحداث)..؟
كانت لحكايات قبل النوم، ونحن أطفال صغار، أثرها الكبير في إطلاق خيالات الطفولة، وتصوّر أشكال الحيوانات التي تذكرها جدّتي وهي تصف لنا الليالي المظلمة في الشتاءات الباردة، كانت طريقتها مثيرة ومشوّقة كأنّها سارد ماهر يدرك جيّدًا سرّ مهنته في الحكي، لم أكن أصدّق أنّ جدّتي بصيرة، وتعرفنا واحدًا وحدًا من خلال أصواتنا، تلك الشفاهية السردية، فتحت لنا آفاقًا واسعة بعد أن دخلنا المدرسة الابتدائية في العام 1961في مدرسة جميلة، ومن ثَمّ مدرسة ناظم الطبقجلي في منطقة الصليخ القديم، ووجدنا في المدرسة عالَمًا جديدً أوسع من البيت، وصرنا نمسك بالقلم والورقة، ونخطّ الحروف والكلمات، كانت تلك الأوراق عالمنا الجديد، فضلًا عن الدروس الأخرى اللا صفية، مثل الرياضة والرسم والأعمال اليدوية، أضافت المدرسة لمخيالنا البسيط عن الطنطل، والسعلوة، والنسر، والدبّة، ممارسات واقعية، ورسّخت في عقولنا مفردات سمعنا بها لكنّنا لم نكن نعرف رسم حروفها، بعد عامنا الدراسي الأوّل، صار بإمكاننا أن نتعرّف على الكلمات المكتوبة على الجدران، أو في الصحف والمجلات، كان ذلك الاكتشاف مصدر فرح بالنسبة لي على الصعيد الشخصي، وصار من هواياتي المحببة التعرّف على كلمات جديدة بعيدًا عن كلمات كتاب القراءة الخلدونية الذي سحرني بما فيه من حكايات وقصائد مكتوبة خصيصًا للأطفال، في العطلة الصيفية للصف الرابع الابتدائي اشتريت أوّل كتاب، وكان عن عنتر بن شداد، وهو كتاب حوادث وقصائد عمودية، لم أختر ذلك الكتاب، وإنّما أراده والدي أن أقرأ له تلك الحوادث، فقد كان مغرمًا ببطولات عنترة، لكن هذه الرحلة قادتني إلى مطالعات أخرى، إلى مجلّات متنوعة فنّية وفكاهية، كنت أدبّر ثمنها من مصروفي اليومي البسيط، أنهينا الابتدائية، وكانت المظاهرات الاحتجاجية عن نكسة حزيران قد انطلقت من الميدان متّخذة مسارها في شارع الرشيد، وجدت نفسي بين جموع المتظاهرين وسط الشارع وأنا لا أدرك شيئًا، ابتعدت عن ساحة الميدان، وابتعدت عن باص مصلحة نقل الركاب رقم (5) الذي أستقلّه للبيت، بعد سيري تلك المسافة خرجت من وسط التظاهرة إلى رصيف شارع الرشيد، وأعود أدراجي إلى موقف الباص، في المتوسطة كنّا في " ثانوية الكفاح"، ومن هنا جاءت نقطة التحوّل إلى الأدب، حيث تعرفت من خلال الكتب التي كان يقتنيها عمي الأصغر عوالم مختلفة بين السياسة والأدب، فقد كان كتاب "ثمن إسرائيل" إلى جانب ثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية"، سحرتني الثلاثية، ولم أفهم شيئًا من الكتاب الأول، سألت عمّي "عزيز"، وكان شيوعيًا منظّمًا عن الكتاب، قدّم لي شرحًا مبسّطًا، لكن ذلك الشرح حفّزني لقراءة الروايات، وفي تلك المدرسة كان لدينا أساتذة قدوة في إبداعهم، مثل علي الشوك الذي كان يدرّسنا الرياضيات، ولا يبخل علينا في نصيحة أو إرشاد، وكذلك معاذ يوسف الكاتب الدرامي، ومعهم كامل حسن البصير مدرّس اللغة العربية الذي يشجّعنا على استعارة الكتب من المكتبة المدرسية، في هذه المرحلة تشكّل وعينا، وأحببنا الأدب، وصرنا نكتب مقالات بسيطة ومتابعات وعروض كتب في الصحف والمجلّات، كنّا نريد أو نحلم أن نكون مثل أساتذتنا القدوة، إلّا أنّنا كنّا بحقّ نعيش مراهقة ثقافية وفكرية.
من بين كلّ النقّاد العراقيين بشكل خاصّ، تخصّصت في اشتغالك النقدي في نقد القصة والرواية، لدرجة تتبّعت فيها المراحل التاريخية للرواية العراقية من بدايتها على يد سليمان فيضي ومحمود السيد، وحتى السنوات الأخيرة، كما جاء في كتابك (فاكهة ليلية)، ما السبب في ذلك؟ باعتقادك هل أهمل النقد هذا الأمر مثلًا؟
السبب هو الحبّ الصافي لهذ الجنس الأدبي الذي أعدّه عروس الأجناس الأدبية، وهو جنس ديمقراطي بامتياز، يسع كلّ الفنون الإبداعية، ويبقى محافظًا على ذاته الإبداعية، لذلك لا يمكن للمتلقّي أن يكتفي بما موجود أمامه من نصوص روائية لأصدقاء مبدعين أحبّة، وهم كثر، ويقدّمون إبداعات سردية متميّزة على المستوى المشهد العراقي أو العربي، وكذلك في انطلاقهم نحو العالم عبر ترجمة بعض الأعمال العراقية، هذا الإنتاج الإبداعي الذي تحقّقه الأسماء الحاضرة في المشهد الإبداعي اليوم، أو ممّن رحلت وبقي إبداعها خالدًا، لم تأتِ من فراغ، وإنّما جاءت من خلال مساهمات الكُتّاب الاوائل الذين وضعوا أساسات هذا الصرح الإبداعي، وتلك الأعمال الإبداعية الأولى وما تلاها من إنجازات لم يهملها النقد العراقي، بالعكس، كان دائمًا ما يعود إلى تلك النصوص، ويضعها تحت المجهر النقدي ليزيح الغبار عنها، ويسلّط الضوء الكاشف، لتكون تلك الإبداعات متماهية ومتواصلة مع الإنجاز الحالي.
من هذا أراك تستعيد حتى الروائيين الذين لم يأخذوا حقّهم من النقد أو الشهرة، مثل القاصّ والروائي غانم الدباغ كما جاء في كتابك (جوار النصّ)، لتعيد لهم الاعتبار بإظهار القيمة الأدبية لأعمالهم، هل بذلك تشخّص نقصًا ما في النقد العراقي؟
برزت في مسيرة الإبداع العراقي على مدى قرن كامل الكثير من الأسماء اللامعة، وقدّمت إضافات للذاكرة الروائية العراقية، وقد مرّت عليها الكتابات النقدية من خلال دراسات في كتب، لكنّي في قراءاتي لتلك الأعمال الأدبية وجدت من المسؤولية الأخلاقية أن أتوسّع في دراسة بعض الكُتّاب ممّن ظلمتهم الظروف السياسية، وتمّ تهميشهم أو التغاضي عنهم، ومثل هذه المهمّة لا يمكن أن ينهض بها ناقد أو باحث أو دارس بمفرده، وإنّما تحتاج لمركز دراسات متخصّص بهذا الشأن، يجمع العديد من المختصّين، وتوضع خطط علمية مدروسة لدراسة ما أهمله النقد لأسباب شخصية أو سياسية، ومنذ نهاية الثمانينات ولدت لديّ هذه القناعة، للمبدع العراقي الحقّ في أن يعطى حجمه الإبداعي الحقيقي، لا أن نخلق أسماء، ونجعل منها أيقونات لا يمكن تجاوزها، وحقيقة الأمر تمّ تجاوزها، ومازال النقد العراقي متمسّك بتلك الايقونية، كتبت "مقتربات النص" وصدر عن دار الشؤون الثقافية ضمن سلسلة الموسوعة الصغيرة في العام 1989، وكان بمنزلة دراسة في أدب القاصّ والروائي فؤاد التكرلي من خلال دراسة قصّة قصيرة واحدة، لنذهب في العشرة الثانية من القرن الحادي والعشرين إلى دراسة الروائي الراحل حميد الربيعي في قراءة لنصّ "أحمر حانة" والصادر عن دار أمل في سوريا، وهو بحث إجرائي في نصّ القراءة، متجاوزًا فيه المطوّلات البحثية النظرية عن القراءة وتعددها والولوج إلى متن النصّ، كذلك كانت لنا تجربة مع القاصّ والروائي محمد حياوي في تجربتين "متعة القراءة.. اكتشاف النص" والصادر عن دار الجواهري في بغداد 2014، والعودة إلى سرديات الكاتب من خلال كتاب "جنائن السرد" الذي صدر بطبعتين في سوريا عن دار تكوين ونينوى، وكتاب "دهشة السرد -2114" عن رواية شبيه الخنزير للقاص والروائي وارد بدر السالم، والرواية الاستقصائية عن القاص والروائي سعد محمد رحيم، وكذلك كتاب صديقي الأبدي عن الراحل كاظم الاحمدي، ولم يكن كتاب جوار النص عن الصديق الراحل غانم الدباغ بعيدًا عن هذا الاهتمام، الذي نشرت منه فصولًا في جريدة الجمهورية في العام 1992، وأنجزته مع إضافات في 2014، وأتمنّى أن أكتب عن أسماء إبداعية أخرى تستحق أن تحظى بأكثر من كتاب مستقل، فالعراق بيت إبداعي حافل بالمبدعين.
يقول الناقد فاروق يوسف: كلّ ما يكتبه جبير إنّما يعبر عن قراءة نقدية، وهو من خلال ذلك يبدي تقديرًا عظيمًا لحضور النصّ، النصّ بالنسبة إليه هو الأصل، إنّه يستنبط منه قواعده، وهو في ذلك إنّما يبدأ مع كلّ نص جديد عمله كما لو أنّه لم يكن ناقدًا من قبل، هل توافقه على هذا الرأي؟ أم إنّ لك منهجًا تتبعه في النقد؟
اللا منهج هو منهج في حدّ ذاته لمن يجيد حرفته النقدية، وهو استثمار كامل لتطوّرات النظرية النقدية وتنوعها المنهجي، مثلما هي الرواية الآن التي تجاوزت التيارات والاتّجاهات السابقة لتشكل تيارها الخاصّ لما بعد الحداثة، وأمام تلك النصوص السردية المتجاوزة لا يمكن لنا البقاء في الصرامة الصنمية للمناهج النقدية القديمة منها والحديثة، وإنّما علينا استثمار معطياتها والانفتاح على النصّ بغية تشكيل رؤيتنا الخاصّة لما نقرأ، وكيفية التعبير عن قراءتنا لتلك النصوص، فأنا أرى على المستوى الشخصي كلّ نصّ إبداعي ينتج قراءته الخاصّة به.
في أغلب كتبك النقدية لا تخطئ عين القارئ احتفاءك بمنجز الرواية العراقية، حتى إنّك قلت يومًا "قدّمت الرواية العراقية، ومازالت تقدّم نماذج متميزة في الكتابة السردية تشير إلى تطور نوعي على صعيد الإنتاج الإبداعي العربي"، فهل ترى، كناقد، أنّ الرواية العراقية بدأت تزيح الشعر من عليائه؟
الرواية كانت، ومازالت، مشروع بحث فلسفي لإعادة خلق الواقع في إزاحة القبح وترسيخ الجمال، وإذا تربّع الشعر في مرحلة من المراحل، فإنّ حلقات التطوّر الإبداعي في السردية العراقية، لاسيّما في سنوات ما بعد الستينات حتى يومنا هذا، حقّقت تراكمًا إبداعيًا متميزًا على مستوى السرد، هذا الحضور البارز للسردية العراقية جذب الشعراء المميزين من الستينيين، أمثال يوسف الصايغ وفاضل العزاوي وحسب الشيخ جعفر ومحمد سعيد الصكار وعيسى حسن الياسري ورياض قاسم لكتابة الرواية، وسار على نهجهم شعراء من أجيال أخرى، فأخذوا في كتابة الرواية مثل هاشم شفيق وعارف الساعدي وعبد الزهرة زكي وحسن النواب وحميد قاسم وعلى حسن الفواز وحسن جوان، هذا في حدّ ذاته مؤشرًا واضحًا على تقدّم السردية العراقية التي حقّقت حضورها المتميز في المحافل العربية، وأرى في القادم أكثر تطوّرًا.
إلى ماذا تعزو شحّة النقد الروائي في العراق، اذا ما استثنينا المطبوعات الأدبية الشحيحة أصلًا، أو الصفحات الثقافية؟
في العراق لدينا أسماء نقدية بارزة على المستوى العربي، أوجدت لنفسها حيّزًا مهمًّا في تلك المحافل على المستوى الاكاديمي أو غير الأكاديمي، هذه القامات النقدية هي مفخرة النقدية العراقية، وهي مازالت تنتج بعد أن تجاوزت أكثر من نصف قرن من عمرها الإبداعي، وقدّمت مؤلّفات نقدية مهمة، ولا أرى في ذلك النتاج شحّة إبداعية، فالنتاج النقدي عملية فكرية وفلسفية وبحثية شاقّة، وتحتاج إلى صبر ومطاولة ومراجعة لكمّ هائل من النتاج الإبداعي لتصل إلى نتائج مرضية أو مقبولة، ولم تعد المهمة هي جمع مقالات منشورة في هذه الصحيفة أو تلك، لتشكّل لك في النهاية كتابًا يحمل اسمك ويمنحك صفة أدبية، فهذه الامور لم تعد تشغل الناقد الجادّ بقدر ما يشغله أهمية وحداثة ما يقدّمه من رؤى وتصوّرات، تكشف عن بصيرة ثاقبة، فلا شحّة الصفحات الثقافية أو المجلّات الأدبية المتخصّصة دلالة على شحّة النقد، وإنّما النقد حاضر في مفاصل الإبداع متى ما ظهر الإبداع الجادّ.
إذن كيف يرى محمد جبير المشهد النقدي العربي والعراقي يشكل خاصّ الآن؟ مع دعوات بعض الأصوات إلى وجود (النقد الأدبي)، تحديدًا مع تطوير وتحديث مناهجه ومفاهيمه وإجراءاته، وفي الصلة بين الفنون وكتابة السيرة وانتظام الجهاز السردي؟
يبدو لي أنّ من يريد أن يكون منصفًا وموضوعيًا، فعليه أن ينظر بعين الاحترام إلى الجهد النقدي العراقي المتميز الذي أنتجته عقول عراقية مبدعة على مدى نصف قرن وأكثر، تلك القامات الإبداعية التي أكّدت حضورها في المحافل الثقافية داخل العراق وخارجه، هذه القامات، بغضّ النظر عن الألقاب من أمثال محسن جاسم الموسوي وحاتم الصكر وفاضل ثامر وياسين النصير وشجاع العاني وباسم حمودي ماجد السامرائي ونادية هناوي وعبدالله إبراهيم وصالح هويدي ومؤيد الطلال ومحمد صابر عبيد وفاضل التميمي وسلمان كاصد وإبراهيم جنداري وجميل الشبيبي وخالد على ياس وحمزة عليوي وعزيز الموسوي وعلي سعدون وهادي البطحاوي وامجد نجم الزيدي وعمار عزت وبشير حاجم وخالد سعر وعبد العظيم السلطاني واسماعيل ابراهيم عبد وجاسم محمد جسام ولطيف عارف وكوثر جبارة وأسماء اخرى، فضلًا عن كُتّاب قصّة ورواية ساهموا في كشوفاتهم في إضاءة جوانب من المسيرة الإبداعية في العراق من أمثال محمد خضير ولؤي حمزة عباس وجهاد مجيد وجاسم عاصي وضياء خضير وناجح المعموري ومهدي علي ازبين ومحمد السباهي وياسين شامل، وهناك الكثير ممن فاتنا ذكرهم، هذا هو المشهد الإبداعي يستمدّ عافيته من تلاقح أفكار النقّاد الكبار مع الشباب في رسم الصورة الإبداعية الحيّة والمتميّزة للمشهد النقدي العراقي.
قلت مرّة "لم تعد القراءة ملحقة بالنصّ، لاسيّما بعد أن أعلن بارت عن "موت المؤلف"، وهو بهذا "القارئ المؤوّل "للنص فكلّ قراءة اكتشاف أو إعادة إنتاج لمعنى النصّ ودلالاته، هل يعد ذلك أداة من أدواتك في قراءة النصّ؟
أكّدت في مقدّمتي لكتاب "جنائن السرد" عن سرديات القاص محمد حياوي على أن النصّ النقدي قد يكون موازيًا للنصّ الإبداعي، أو متفوّقًا عليه في بعض الأحيان، وهذا عائد للخزين المعرفي للناقد وطريقة تعامله مع النصّ السردي، وهو ما سعيت إلى إثباته في قراءتي لثلاث روايات من روايات الكاتب محمد حياوي، حيث حرصت على الارتقاء بالفكرة النقدية إلى مصافّ النصّ لتكون القراءة إنتاجًا لنصّ إبداعي موازٍ للنصّ السردي.
وفي كتابك "عاريا أغادر هذا العالم"، تتحدّث عن حجم المعاناة النفسية والمعنوية التي أصابت الجميع بسبب الخوف والخشية من وباء "كورونا"، هل شكّل هذا النوع من الكتب ظاهرة ما في السردية العراقية؟
هذا الكتاب كُتِب بطريقة سردية خاصّة، وتحت ضغط الخوف والخشية من الموت بسبب الإصابة بالمرض أكثر من مرّة، لذلك كان هذا الكتاب هو أشبه باعتراف تطهير الذات في الكتابة عن أصدقائي كُتّاب القصة والرواية ممن رحلوا قبلي، ولم يتسنَّ لي الكتابة عن بعض منهم في حياتهم، لم أذهب إلى مصادر ومراجع ودراسات كُتبت عن هؤلاء الأصدقاء، وإنّما أضع عنوان الفصل، وأسترجع ذكرياتي معه شخصيًا، وكتبه القصصية والروائية، وأكثر ما أحزنني واستفزّني لكتابة هذا الكتاب هو رحيل ثلاثي نادي السرد "اسعد اللامي ومحمد علوان جبر وحميد الربيعي"، واحتلّوا ثلث الكتاب، كنت أكتب الكلمات، وأراهم أمامي يتحاورون معي بشأن كلّ كلمة وسطر، فقد اندلقت الذكريات من خزان الذاكرة، لتتركني محاورًا ذكرياتي مع عبد الستار ناصر ومحمد شاكر السبع وعزيز السيد جاسم وفهد الأسدي ونعمان مجيد وحميد ناصر الجيلاوي وحسن مطلك ومنير عبد الأمير ومجيد جاسم العلي وباسم شريف وكاظم الأحمدي، تعبت كثيرًا في ذلك الظرف الصحّي، وأردت أن أكتب عن فؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر وموسى كريدي، لم أتمكّن من إعادة قراءة ما كتبت، أعطيت الأوراق لزوجتي بغية قراءتها، قرأت صفحات، ولم تتمكّن من الاستمرار بالقراءة، كان كتابًا حزينًا ومؤلمًا جدًّا، لا ذات الحزن والخوف دفعني إلى الابتعاد عن قراءة أيّ نصّ كتب عن تلك الأيام، كنت قريبًا من اللحاق بهم، ولا أدري كيف نجوت، حتى إنّ بعض الأصدقاء حين كانوا يتّصلون بي للاطمئنان على صحّتي أردّ عليهم بالبكاء، في تلك الايام عرفت أنّ في عيني خزينًا من الدمع.
محمد جبير: اهتمامي بالرواية هو بسبب الحبّ الصافي لعروس الأجناس الأدبية
يرى أن العراق بيت حافل بالمبدعين

نشر في: 18 فبراير, 2025: 12:01 ص